الريس حفني.. حليم الصعيد
بقلم د. إيمان عزمي
الريس حفني؛ هذه كنيته، أما اسمه فهو حفني أحمد حسن، مطرب شعبي عتيق وتراثي، مدقع في مصريته الصعيدية، غنَّى وعمل في إذاعة الإسكندرية المحلية منذ بداية الستينات، وانضم إلى مغني الربابة في أسيوط إلى أن انتقل إلى البلينا في سوهاج التي تميزت بمواويلها الصعيدية في زمن الأربعينيات.
من حسن حظه أنه التقى هناك بمن ساعده على فهم المقامات في الغناء وهو الشيخ عبده عبد الراضي قارئ القرآن المصري الذي يُعد واحدًا من أعلام هذا المجال البارزين،
هو من مواليد مركز البلينا في محافظة سوهاج لعام 1922م، وربما لذلك صوته وطريقته وكلماته تمس الوجدان مسا حميما.
مواله (الغربة طالت علي) كان منذ زمن، غير أن كلمات مواله هذا التي تجلت في الحلقة الأولى من المسلسل الشهير (الاختيار) عن قصة الشهيد العقيد أحمد صابر منسي قائد الكتيبة (103) صاعقة، والذي استُشهد في كمين (مربع البرث) بمدينة رفح المصرية عام 2017م أثناء التصدي لهجوم إرهابي في سيناء، كانت سببا في إعادة إحياء تراث مواويله التي تزيد على الخمسين.
كلمات الريس حفني في (الغربة طالت علي) تغنى بها العسكري سعد الذي أدى دوره الممثل محمود حافظ وبرع فيه بشكل مؤثر رغم ما تميز به كممثل كوميدي بلازمته الشهيرة (الخالة سلوى) لسوسو (سلوى محمد علي) في مسلسل أرض النفاق مع محمد هنيدي.
نفس هذا الموال أبكى من قبل الرئيس السابق جمال عبد الناصر في رواية الحاج عيد الذي كان صديقا للريس حفني ويحج إليه من أراد أن يبحث عن مرجع أساسي في المواويل الشعبية والتراثية كونه أحد الباعة المعروفين بسور الأزبكية.
روايته صرح بها لمجموعة من الصحف التي نشرتها، وما كانت إلا حديثا دار بينه وبين الريس حفني آنذاك حين جاءته دعوة من مكتب رئاسة الجمهورية وهو في الإسكندرية لمقابلة الرئيس السابق جمال عبد الناصر الذي كان وقتها يقضي عطلته في الإسكندرية.
الرئيس السابق قال عن كلمات الموال أنها وصف مناسب لحالته أثناء غربته في فلسطين وقت الحرب، وأنها صعيدية وهو من الصعيد.
انظر لتصاريف القدر، الريس حفني من مواليد قرية بني مر بمحافظة أسيوط لعام 1920م، وغنى وعمل في الإسكندرية، ووالد الرئيس السابق جمال عبد الناصر من مواليد ذات القرية والمحافظة من أسرة صعيدية عربية، ولكنه عاش في الإسكندرية ليولد ابنه جمال عبد الناصر فيها قبل أحداث ثورة 1919م بعام واحد، وكان عمل عبد الناصر وقتها وكيلاً لمكتب بريد باكوس في الإسكندرية.
كان الريس حفني في الخمسينيات والستينيات هو صوت الثورة الجنوبي في مصر، وعلى نفس المنوال كتب حليم الصعيد في عهد الرئيس السابق أنور السادات موال (أنا مظلوم) بعد اأن ابتعد عن الأضواء،
يقول: أنا مظلوم … عاتبني يمكن أنا مظلوم.. تعالى نعاتب بعضينا … عاتبني فيمكن أنا مظلوم.
وللإسكندرية حالة خاصة، وصفتها لي زميلة تونسية عزيزة حين زارتها في أحد مؤتمرات مكتبة الإسكندرية مشاركة فيها كأستاذ في الأدب العربي بأنها كعروس تمد ذراعيها لمن يأتيها، وفيها من الدلال ما قد يغوي من يأتيها فلا يبرحها، وإن اضطر فإن قلبه ينفطر لفراقها بعد إذ أتاها.
هذا ما حدث تحديدا في حياة حليم الصعيد، تزوج زوجته الثانية (روح الفؤاد) من الإسكندرية، المغنية السكندرية روحية منصور أو روح الفؤاد كما يُطلق عليها فنيا وهي صاحبة الأغنية الشهيرة عندنا في الإسكندرية (دنجا دنجا) التي تعني حبة حبة أو واحدة واحدة أو بالرااااااحة..
كلماتها البهية العفية الطروب تقول: سوق بينا يا أسطى على الكورنيش.. ناكل درة ونشرب مانجا.. وواحدة واحدة إن شا الله تعيش.. مشي الحلوين دنجا دنجا.
كتبت من قبل عن رائعته (إنت مين) في العام 2013م، واخترتها مجددا لتكون فيديو هذا المقال برؤيةٍ وإخراجٍ يُحيي هذا العمل الفريد لحليم الصعيد الريس حفني.
أداؤه وكلماته وطريقته وأسلوبه يجعلك تستنكر إنكارَ مَن يُنكِره حتى ولو لم يكن يعرفه، وربما تسعى سعيا لمعرفته حين تعلم أنه يراك بمعرفتِه صديقا وصاحبا وعزيزا، وأنك لَه أمن وسَتر وونس وعشرة، ومهما كان (كل الي بينا يتساوى)، وإنكارك له في عُرفِه قساوة، تلك التي قد تودي بكل ما كان لك عنده فيقول: (روح وانا مش عارفك … إنت مين).
رابط فيديو هذا المقال: