إجابة الدعاء
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
بعضُ الناسِ يرفعون أكفَهم بالدعاءِ، ويلحون فيه، ثم يستعجلون ويقول أحدُهم: دعوتُ ولم يستجبْ لي!، ولقد حذَّر رسولُ الله «صلى الله عليه وسلم» من هذا لأن الذي أمرنا بالدعاء هو الله تعالى ووعدنا بالإجابة، فقال سبحانه وتعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر60.
وقال جل جلاله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة186.
هذا عهد من الله تعالى: (..ومن أوفى بعهده من الله…) التوبة111.
والله سبحانه لن يخلف عهده ووعده لعباده، فهو سبحانه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول.
والسؤال الذي قد يتبادر إلى عقول بعض الناس هو: إذا كانت الإجابة على الدعاء أو للدعاء عهد وميثاق من الله تعالى لعباده المؤمنين، وأن الله سبحانه لن يخلف عهده وميثاقه لهم، وهو أكرم الأكرمين، فلماذا لا يحقق سبحانه للداعي ما سأل؟ سؤال قد يبدو في ظاهره منطقيا ولكن عند التحقيق نكتشف أنه غير ذلك لأن الإجابة على الدعاء لها مراتب ثلاثة، الأولى: أن يحقق الله تعالى للعبد ما سأل، فيعطيه مالا إذا سأل المال، أو يعطيه ولدًا كما طلب، وهذه وتلك أدنى مراتب الإجابة على الدعاء، فيستنفد الداعي عطاء الدعاء كله في الدنيا، وأما الدرجة الثانية من مراتب الدعاء أن يكفر الله تعالى بهذا الدعاء الكثيرَ من المعاصي التي ارتكبها العبدُ، وهذا عطاء للدعاء لا يرى العبد أثره في حياته، بل يستشعره ويراه في الآخرة، ويظن العبد أن دعاءه لم يستجب!، وتأتي المرتبة الثالثة، وهي الأعظم في مراتب إجابة الدعاء، وهي أن يدخر الله تعالى عطاء الدعاء للعبد يوم القيامة، فيثقل به موازين حسناته، ويجبر به ما أصاب عمله الصالح من خلل، وحين يرى العبد المؤمن أثر دعائه في موازين حسناته يتمنى لو لم يستجب الله تعالى لكل دعوة دعاها في حياته الدنيا، وبقيت له ذخرًا في الآخرة.
ومن عظمة هذه المرتبة بين مراتب الدعاء الثلاث وأسماها درجة عند الله تعالى أنه سبحانه ادخر دعوة نبيه محمد «صلى الله عليه وسلم» شفاعة لأمته، قال صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي دعوة دعا بها في أمته، فاستجيب له، وإني أريد إن شاء الله أن أدخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» (صحيح الجامع للألباني/الحديث صحيح).
إن حسن الظن بالله تعالى يقتضي منا نحن المسلمين ألا نشك لحظة واحدة في أن الله تعالى سيجيب دعاءنا، لأنه هو الذي أمرنا بالدعاء، وأنه يغضب إذا لم ندعه وهو القريب منا، وأنه وعدنا سبحانه بالإجابة وفق علمه المطلق وليس وفق علمنا المحدود، فهو سبحانه يختار لنا من الإجابات ما يصلح به شأننا، ويسدد به مسعانا، ويحقق لنا من عطاء الدعاء أعظمه وأجزله إنه الكريم ذو القوة المتين جل في علاه، وتقدست أسماؤه وصفاته سبحانه.
بل إن الإنسان لعلمه المحدود، وفهمه القاصر قد يدعو بالشر ويظنه خيرًا، يقول سبحانه وتعالى: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) الإسراء11، وكيف نفهم هذه الآية؟، نفهمها في ضوء قوله سبحانه: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير) الشورى27. إذًا فبسط الرزق يظنه العبد أنه خير لعاجل أمره وآجله، ولكن الله تعالى بعلمه الواسع الشامل يرى في هذا المال شرًا مستطيرًا فيمنعه عن عبده وذلك خير له في دنياه وأخراه.
أيها العبد محدود الإدراك، ومحدود الفهم هل تريد أن تختار لنفسك أم تريد أن يختار الله تعالى لك؟!!