كتب: عبد الرحمن هاشم
يمثل اليوم الموافق 29 تموز/يوليو مُضي ستة أشهر بالضبط منذ أُبلغ عن ظهور أول حالة إصابة بمرض كوفيد-19 في إقليم شرق المتوسط.
وقد اعترى البطء خطى التقدم الأولية بعد اكتشاف الحالات الأولى في شُباط/فبراير، ولكن بدأ تسارع هذا التقدم في شهر أيار/مايو، بينما حدثت الذروة في الحالات بنهاية حزيران/يونيو – والتي يمكن أن يُعزى أغلبها إلى تراخي البلدان في تطبيق التدابير الاجتماعية خلال فترة شهر رمضان وعيد الفطر.
بيد أن الدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالية بشرق المتوسط قال في بيان له صدر أمس إن الاتجاه الإقليمي العام للحالات والوفيات المُبلَّغ عنها على مدار الأسبوعين الماضيين قد بدأ يستقر، بل إنه أيضاً آخذٌ في التناقص.
وقد يمثل هذا الوضع بارقة أمل، إلا أن الصورة لا تزال ضبابية على مستوى فرادى البلدان. ففي حين تُبلغ بعض البلدان عن تناقص الحالات واستقرار أعداد الوفيات؛ يُبلغ البعض الآخر عن ارتفاع حاد في أعداد الحالات؛ وتُبلغ بلدان أخرى عن ارتفاع تدريجي في عدد الحالات؛ بينما يُبلغ البعض الآخر عن بقاء وضع الحالات على ما هو عليه أو حدوث استقرار بها.
وأضاف: يُشير استقرار الحالات على الصعيد الإقليمي العام على مدار الأسبوعين الماضيين إلى أننا قادرون على تغيير مسار هذه الجائحة. ولكن اليوم، إذا لم تتمكن البلدان من الحفاظ على فعالية تدابير الصحة العامة، سيظل خطر معاودة ظهور مرض كوفيد-19 وانتشاره في الإقليم مرتفعاً ارتفاعاً شديداً.
فكثيرٌ من بلدان الإقليم لا يزال بصدد تخفيف التدابير الاجتماعية بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي خلفتها الجائحة، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4% خلال عام 2020. وعند اتخاذ قرارات بشأن إنهاء حظر الخروج، وفتح الحدود، وإعادة فتح المدارس والأعمال التجارية، يجب على الحكومات أن تنظر في كيفية تنفيذ ذلك بطريقة تُخفف من ارتفاع أعداد حالات الإصابة بكوفيد-19 المحتمل أن يقترن بتخفيف التدابير.
وفي هذا الصدد، تُوصي منظمة الصحة العالمية بأن تستند هذه القرارات إلى إجراء تقدير موضوعي للمخاطر، بحيث تكون مُسندة بالأدلة. ومن الناحية المثالية، ينبغي أن يتم تخفيف التدابير الاجتماعية على مراحل بمرور الوقت، مع استهداف المجتمعات المحلية وإشراكها. وذلك لأن إدارة تخفيف التدابير الاجتماعية بطريقة غير صحيحة كانت تقترن عادةً بعودة ظهور حالات الإصابة بكوفيد-19، حتى في بعض البلدان الأكثر تقدماً. وقد أصدرت المنظمة بالفعل إرشادات واضحة للبلدان بشأن كيفية تعديل تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية في سياق مكافحة مرض كوفيد-19.
وتشمل إرشادات المنظمة بشأن مكافحة انتشار مرض كوفيد-19 عند المعابر البرية توصياتها حول سُبل تحديد المعابر البرية التي تحظى بالأولوية، وتخطيط الأنشطة الرئيسية للتأهب لهذه المعابر وللمجتمعات المحلية المجاورة. وبينما تنظر سلطات الصحة العامة في تدابير رفع الحظر، من الضروري وضع نظام قوي للترصد، أو لمكافحة انتشار مرض كوفيد-19 وتوجيه التنفيذ الجاري لتدابير المكافحة.
وقال المنظري: بدأنا نرى بالفعل في إقليمنا حالات جديدة مقترنة بالسفر منذ بدأت البلدان في فتح مطاراتها ونقاط الدخول الأخرى أمام المسافرين الدوليين، ويشهد بعض البلدان عودة ظهور حالات عدوى جديدة منقولة عبر المجتمع المحلي بعد حدوث تراجع أولي.
كما امتدت الجائحة في بعض البلدان إلى العمال المهاجرين، مما حدا بالسلطات الصحية إلى بذل جهود مكثفة لإجراء فحوص مختبرية تستهدف المهاجرين أو المغتربين الذين يعملون في هذه البلدان.
ومع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، يرتفع أيضاً خطر انتقال العدوى نتيجة التجمعات الاجتماعية والدينية الحاشدة. وفي إطار مكافحة مرض كوفيد-19، أصدرت منظمة الصحة العالمية مؤخراً إرشادات إلى البلدان والمجتمعات المحلية بشأن تدابير الصحة العامة بمناسبة عيد الأضحى.
وتوصي المنظمة البلدان عند اتخاذ قرارات متعلقة بعيد الأضحى بأن تنظر بجدية في إمكانية إلغاء التجمعات الاجتماعية والدينية الحاشدة. وينبغي أن يستند أي قرار بتقييد عقد تجمعات حاشدة أو تعديله أو تأجيله أو إلغائه أو الشروع في إجرائه إلى تقدير موحد للمخاطر، كما ينبغي أن يكون جزءاً من نهج شامل تتبعه السلطات الوطنية استجابةً للجائحة.
وفي حالة إقامة مناسبات اجتماعية أو دينية، على السلطات والأفراد أن يتبعوا التدابير الأساسية اللازمة لوقف انتقال العدوى وإنقاذ الأرواح، والتي تشمل على سبيل المثال:
1) اكتشاف الحالات وعزلها واختبارها ورعايتها؛ وحماية العاملين الصحيين؛ وتتبع المخالطين والمعزولين في الحجر الصحي؛
2) الحفاظ على مسافة بين الأفراد، والحفاظ على نظافة الأيدي، وتجنب الأماكن المزدحمة والمغلقة، وارتداء كمامة حيثما يُوصى بذلك.
وفي حين أن مصدر الفيروس الذي يُعزى إليه مرض كوفيد-19 لم يتحدد بعد، إلا أنه من الضروري أن تتخذ البلدان تدابير صارمة بشأن بيع الحيوانات وذبحها وتوزيع لحومها، على أن تكفل أيضاً إنفاذ اللوائح الوطنية المعنية بسلامة الأغذية والنظافة الشخصية.
وأثناء عملية توزيع لحوم الأضاحي، ينبغي مراعاة تدابير التباعد البدني، ويُفضل توكيل أحد أفراد الأسرة بتنفيذ عملية ذبح الأضحية وتنظيمها.
وتجنباً للتجمعات الحاشدة المرتبطة بتوزيع اللحوم، يُرجى النظر في إمكانية الاستعانة بالهيئات، والوكالات والمؤسسات المركزية التي تلتزم بتطبيق التباعد الاجتماعي على مدار عملية تجميع اللحوم، وتعبئتها، وحفظها، وتوزيعها.
وفي هذا الصدد، أعرب د. المنظري مُجدداً عن ترحيب منظمة الصحة العالمية بقرار المملكة العربية السعودية بشأن قصر الحج هذا العام على عدد محدود من الحجاج من جنسيات مختلفة من بين المقيمين في المملكة، وذلك بُغية الحفاظ على سلامة الحجاج وتعزيز الأمن الصحي داخل المملكة وخارجها. وقد اتُخِذَ هذا القرار استناداً إلى تقدير المخاطر وتحليل مختلف السيناريوهات، وفقاً للمبادئ التوجيهية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية للحفاظ على سلامة الحجاج والحد من خطر انتقال العدوى داخل المملكة وخارجها.
وأوضح أنه بعد أن بات مرض كوفيد-19 جزءاً لا يتجزأ من حياتنا في الوقت الحالي، “أصبحنا جميعاً الآن على دراية بالتدابير التي يتعين اتخاذها كي نحمي أنفسنا ومجتمعاتنا. فدعونا لا ننسى أن إي إجراء سنقوم به في الأسابيع المقبلة أثناء احتفالنا بالأعياد الدينية، والسفر، وزيارة الأصدقاء والعائلات قد يحدد مسار الجائحة في إقليمنا”.
“فقد مرت ستة أشهر حتى بدأنا نشهد استقرار الحالات، ولا يزال علينا أن نتحلى باليقظة إزاء المستقبل المنظور. ويبدو أن هذا الفيروس لن يفتأ عن إثارة دهشتنا – إذ عاود الظهور في بعض البلدان التي تتمتع بأكثر نُظم الرعاية الصحية تطوراً. ومن ثَمَ، يجب علينا أن نواصل اتباع النهج الشامل الذي وضعناه في سبيل مكافحته. فدعونا جميعاً نحافظ على هذا التقدم الهش الذي استطعنا إحرازه حتى الآن”.