شبهات حول القرآن الكريم
تمهيد (الصراع بين الحق والباطل)
بقلم الدكتور/ شعبان عطية
أستاذ التفسير بجامعة الأزهر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير النبيين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد
فإن الصراع بين الحق والباطل والخير والشر صراع قديم قدم الإنسان فمنذ أن خلق الله آدم عليه السلام وأمر ملائكته بالسجود له إعلاما بفضله ومنزلته وعلو مكانته مع ما في ذلك من تكريم لا يخفى بدأ الصراع بامتناع إبليس لعنه الله عن امتثال الأمر الإلهي كبرا وحسدا معلنا عن عداوته لآدم ولذريته ، ولقد أخذ العهد على نفسه عند ربه سبحانه وتعالى أن يغويهم بكل سبيل أمكن قال تعالى : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)
أقول : منذ ذلك الوقت والصراع جد عنيف بين الحق والباطل والخير والشر والإيمان والكفر.
الحق متمثلا فيما أرسل الله من النبيين مبشرين ومنذرين والباطل في إبليس وجنوده ، الحق يدعو إلى عبادة الله الواحد القهار ، وبامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، والدعوة إلى كل خلق فاضل والباطل يجيش الجيوش ، ويجمع خيله ورجله محاولا دعوة الناس إلى عبادة الأوثان والأصنام ومقاومة الدعوة إلى كل خلق طيب بكل سبيل أمكن رغبة في زحزحة الإيمان عن القلوب والصدور وتحريكها نحو الشر والباطل .
ولقد استخدم الباطل أسلحة عدة في سبيل دفعه للحق وأهله من الشهوات والأهواء وتزيين الشر والتنفير من الحق، قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ، وقال سبحانه : (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إلى غير ذلك من الآيات
وبالتالي فإن الشيطان قد تمكن من السيطرة على كثير من النفوس بدعوته هذه لموافقتها هوى في أنفسهم وشهوة اعتملت في أفئدتهم حتى وجدت الإنسانية تقاوم دعوة الحق بكل قوة لدرجة أنها خاضت حروبا طاحنة بينها وبينه طارت فيها رءوس ، وتشردت بسببها نفوس ، وقطعت فيها أرحام
ولقد استمرت هذه الحروب قرونا طويلة والحرب سجال بين الحق والباطل والناظر في قصص الأنبياء يجد ذلك حقيقة واقعة مقررة واضحة لم يسلم من هذه الحروب أحد حتى الأنبياء عليهم السلام قال تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ، وقال سبحانه : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) .
وإذا كانت الحروب قديما قد تنوعت وتعددت من خلال الحروب المباشرة في ميادين القتال فإنها كذلك قد أخذت شكلا أخر تمثل في سيل من الاتهامات الكاذبة في وجه النبيين عليهم السلام من قبل اتهامهم بالكذب والجنون والسحر والكهانة وغيرها من الوسائل السمجة والغالب على هذه الأكاذيب أنها تكاد تكون واحدة ، قال تعالى : (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) بل إن الاتهامات التي وجهتها قريش وغيرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل هي نفسها الاتهامات التي يتشدق بعضها بها بعض المستشرقين في العصر الحالي من أمثال غو ستاف لوبون ، وبروس ،و بيرس ، وهورنشتاين وغيرهم .
وسأحاول بإذن الله تعالى في المقالات القادمة أن أذكر هذه الاتهامات كما جاءت في القران الكريم مشفوعة بالرد عليها إن شاء الله تعالى.