قفزة الثقة
قصة قصيرة
بقلم الكاتبة
د. عزة شبل
كانت دائمًا ما تتلفت حولها، وتنظر إلى بوابة النادي بتلهف لعله يحضر مبكرًا عن موعد التدريب، قلبها يخفق لرؤيته، رعشة يصاحبها ابتسامة خفية، ها قد حضر هذه المرة بالفعل مبكرًا، لكن بصحبته فتاة جديدة يدربها فنون السباحة، تضحك بصوت عال، وتميل نحوه كثمرة حان قطافها، يشعر بنرجسيته، فيبدو كالطاووس بين الحسان لا يعبأ بنظراتها نحوه تلك النظرات المتصلة المتلاحقة. تذكرت ذات مرة وهي جالسة تشرب عصير الليمون في كافيتريا النادي عندما تقدم نحوها وبادرها قائلاً ذات يوم، أنت أفضل سباحة رأيتها، وأنا معجب بك، وبأدائك الرائع، فهل تقبلين مشاركتي للفوز ببطولة القفز؟ وعلى الفور رحبت ووافقت، فقد كانت تعشق تلك الرياضة، وشيئًا فشيئًا انجذبت نحوه، فقد كان مراوغًا يجيد الإيقاع بالحسان.
لم يكن يعلم أن ما تظاهرت به غير صحيح، فلقد كانت بالفعل ماهرة إلى حد يفوق خياله، لكنها كانت تهنأ بصحبته والقرب منه، صارت تظهر تقدمًا ملحوظًا في التدريب أعجب به، وبات التدريب مكثفًا ليصبح كل يوم بعد أن كان مرتين في الأسبوع، ونادي الجزيرة يعلن عن قرب موعد المسابقة، وبمجرد فوزها سيتم اختياره أفضل مدرب؛ لذا فقد سعى إلى الظفر بتلك الفتاة ليحقق طموحه المتصاعد بلا حدود. في البداية وافقت على طلبه لحبها للسباحة، وبمراوغته وإيحاءاته استطاع أن يفتح باب قلبها إليه، إلى أن نجح. وعلى الرغم من مشاهدتها لمداعباته لغيرها من الفتيات الحسان، إلا أنها كانت تتغاضى عن ذلك مقابل سعادتها بصحبته. أما اليوم، فقد كان يومًا مختلفًا أوقع في قلبها صدمة كادت توقفه، عندما تقدم نحوها وبصحبته فتاته الحسناء الجديدة، قائلاً لها بوجه تعلوه الابتسامة المعهودة: الحمد لله أخيرًا وجدت السبَّاحة الماهرة التي تستطيع أن تقفز هذه المسافة، وتحقق الفوز، نظرت إليه مندهشة، وتسمرت في مكانها، وقبل أن تنطق بكلمة، تابعها قائلاً: لا بد أن تحضري المسابقة غدًا سوف نسعد بك. وأدار ظهره إليها مصطحبًا فتاته الجديدة الحسناء، ثم انصرف. عندها تذكرت ما همست به أمها في أذنها ذات مساء بكلمات تكسوها الشفقة والحنان عندما رأتها ممسكة بصورته، وقد ارتفعت أصوت تنهيداها فغطت على وقع أقدامها، فلم تشعر بوجودها، إلا عندما قالت لها: (يا بنتي ما قلت لك ميت مرة ما تعلقيش نفسك بالحبال الدايبة).
في تلك اللحظة ودون تفكير وجدت نفسها تصعد سلم حمام النادي، حتى وصلت إلى قمته، ودون النظر لأسفل كعادتها، تطلعت إلى الأفق البعيد، وأخذت نفسًا عميقًا وخطت خطوتها الأخيرة، انزعج جميع مَنْ في النادي وأصابتهم الدهشة بعد أن لاحظوا وقوفها استعدادًا للقفز، وتلاحقت أعينهم بها؛ فقد كان الارتفاع الذي وصلت إليه بعيد إلى حد كبير؛ وإذا بها سهمًا قد اخترق الماء، ولم تنتبه إلا على صوت تصفيق وصفير من حولها، وعندئذٍ رفعت رأسها وانصرفت في هدوء..