توجيه الإسلام لإبعاد المرأة عن ارتكاب الجرائم والسلوكيات المنحرفة
بقلم/ د. نجلاء الورداني
يعد فهم السنة النبوية ودراستها من أحد عوامل وقاية المرأة من الجرائم والسلوكيات المنحرفة، وذلك من خلال معرفتها للأسباب التي تتسبب في انهيار المرأة عامة، حيث يتسنى لها الوقوف على دورها الحقيقي والفعال بوصفها أهم آليات علاج مشكلات المرأة داخل المجتمعات الإسلامية، ووقايتها من الوقوع في براثن الأفعال الشاذة والفاضحة لها ولأسرتها، وبالمثل حمايتها من سلوكيات قد تسقطها في طرق الجرائم والانحرافات بمختلف أنواعها.
إن دور السنة النبوية ليس معالجة أسباب الجرائم والانحرافات فقط، بل منع العوامل والأسباب التي تؤدي بالمرأة إلى ما آلت إليه من ارتكاب جرائم وأفعال غير سوية، أي أن تقف السنة النبوية بآدابها وشرائعها البناءة كحجر عثرة في وجه سلوكيات المرأة غير السوية، والعوامل التي تؤدي إلى حدوث ذلك منذ البداية، ومن هنا تعلو مكانة المرأة والأسرة والمجتمع بأكمله؛ فالمرأة أحد أعمدة المجتمع ومؤسساته المهمة في حفظ كيانه، لكونها الأم والأخت والزوجة والابنة.
لقد خلق الله – سبحانه وتعالى- الكون، وعدد بداخله مخلوقاته ونوعها، وجعل الإنسان أهم هذه المخلوقات؛ فميزه بالعقل والبصيرة ذكرًا كان أم أنثى، وعلم فطرة كل مخلوق منهما على حدة؛ فجعل الذكر قويًا وصبورًا يتحمل مشاق الحياة وصعابها، وفرض عليه الجهاد في سبيل الله، وجعله القائم على الأسرة واحتياجاتها، وفي المقابل خلق الأنثى أقل قوة وبطشًا، وحدد لها وظائفها التي تستطيع من خلالها أن تؤدي دورها في الحياة دون أن يخدش لها حياء، أو تؤذى في كينونتها الأنثوية، فتتولد المحبة والسكينة داخل الأسر التي رسم الله -جل علاه- لها حدودها ومناهجها وشرائعها، فتنشأ الحياة الطبيعية والسوية للمجتمعات بالأفراد والأسر ثم العائلات والشعوب والأمم بأكملها.
فالإسلام كرم المرأة ورفع قدرها، ويظهر ذلك في الكثير من الدلائل؛ حيث قال نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم: “إنَّما النساءُ شقائقُ الرجالِ” ، وبالطبع هذا بيان جلي من أن النساء مساويات للرجال في القدر والمكانة، فلا يوجد أي شيء ينتقص مكانتهن وقيمتهن، ولقد كانت وصايا النبي – صلوات الله عليه وسلامه- بالنساء: “استوصُوا بالنِّساءِ خيراً” ، والحث على مراعاتهن والاهتمام بهن دائمًا وبشؤونهن.
لقد جاء الإسلام بتعاليمه السمحة ليكرم المرأة إلى أقصى ما تتخيله العقول وتتأمله الأذهان، فلو تعقبنا حال النساء قبل ظهور الإسلام بتعاليمه الإنسانية لوجدنا المرأة عانت في الجاهلية ظلمًا وقهرًا شديدين واعتداءً من أولياء أمورها دون مبرر لذلك، وظلت على هذه الحالة المتردية حتى جاء الإسلام وحررها من شتى ألوان العبودية والمهانة التي تعرضت إليها؛ فقد كان العرب في الجاهلية منذ أول لحظة يعلمون فيها أنهم رُزِقوا بمولودة أنثى يبدأ سخطهم وبطشهم نحوها، وقد وصف الله -جل علاه- هذا وصفًا دقيقًا في كتابه الكريم بقوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ*يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُون) ؛ حيث كان الرجل في الجاهلية فور سماعه خبر مولودة أنثى يشعر بالخيبة والسوء خشية العار وغير ذلك من الفضائح والشرور، فيدفنها حية قبل أن يلحق به أي مكروه بسببها، فتُحرم بذلك الفتاة أبسط حقوقها وهو حق الحياة.
بينما إن تُركت تحيا فكانت تعاني ظلمًا هائلًا؛ حيث تعد شيئًا من المتاع الخاص للرجل أيا كان صلة قرابته بها، فيمتلكها إذا شاء ويتخلص منها متى كرهها وثقل عليه حملها، ولم تكن المرأة ترث في الجاهلية بل تورث كسائر الأمتعة والأشياء، فمثلًا إذا مات الرجل وله زوجة ثانية ورثها ابنه الأكبر وأصبحت من حقه، فإن شاء أمسكها وإن شاء فارقها، كما كان الرجل لدى العرب يعدد زوجات له ما استطاع، فلا حد لعدد زوجاته مهما أكثر منهن، وكذلك كان الطلاق دون عدد معين، أيضًا كان من ظلم المرأة أنها تحد على وفاة زوجها عامًا كاملًا وبأبشع صورة؛ إذ كانت تلبس أرثّ ثيابها وتسكن شر غرف مسكنها، ولا تمس طيبًا، ولا تتطهر، ولا تقلم ظفرًا أو تهذب شعرًا، ولا تخرج على أحد، أي أن تحيا حياة بلا حياة عامًا كاملًا.
وليس هذا فقط، بل وصل فساد الرأي والخلق عند جهلاء العرب أن كان لديهم عدة أنواع من الزواج، فهناك زواج المتعة؛ وهو الزواج المؤقت بأجل، وزواج الاستبضاع؛ وهو أن يرسل الرجل زوجته إلى أحد كبار الرجال ليكون له ولد منه يحمل صفاته الحسنة، أيضًا جرت عادة سيئة بأن يشترك عدة رجال بالدخول على امرأة، وحين تلد تلحق المرأة الولد بمن تشاء من الرجال. وقد طال الحال هكذا حتى جاء الإسلام بتعاليمه السمحة وعدله بين الرجال والنساء، فارتفع شأن النساء وقدرهن.
لقد أتى ليقيم العدل بين البشر كافة رجالًا ونساءً في مختلف مناحي الحياة، فكانت واجباتهم وحقوقهم وحسابهم أمام الله -جل علاه- بشكل متساوٍ لا تمييز فيه؛ حيث قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وأكده الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “إنَّما النساء شقائقُ الرِّجالِ”.
وقد كفل الإسلام للمرأة حقوقها وعرفها إياها التي تتلاءم مع طبيعتها ومهامها في الحياة، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- إشباع غريزتها بالزواج إذا طلبت هذا، وعدم منعها منه إذا كانت قادرة على أداء واجباتها كما هو مطلوب منها.
- حقها في فسخ عقد زواجها من زوجها إذا لم يستطع أداء حقوقها أو تسبب في أضرار لها، فأرادت الانفصال عنه.
- حرية الكسب الحلال للمرأة سواء أكانت تجارة أم غير ذلك من طرق الكسب المشروعة للأموال.
- حرية التصرف في مالها الخاص؛ حيث حرم على أي أحد سواء أكان زوجًا أم والدًا أن يجبرها على الإنفاق في حاجة معينة أو منعها من الإنفاق في حاجة كهدية أو بيع….إلخ.
- حقها في اختيار الزوج الذي ترتضيه، ولا يجوز لأحد إجبارها على الزواج من رجل لا ترغب بالارتباط به، وفي حال إجبار الولي الفتاة البكر أو الثيب أن تتزوج من رجل لا ترتضيه، فلها كامل الحق أن تفسخ العقد ويتحمل الولي تكاليف هذا الفسخ.
- صون كرامة المرأة وهيبتها في نفوس من حولها، فحرم عليها الابتذال والسماح للأجنبي أن يستمتع بجسدها، وقد شرع لهذا المباعدة بين الرجال والنساء في كل شيء حتى في أداء العبادات؛ حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم: “خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أولُها”، وهذا توجيه من الإسلام للمباعدة بين صفوف الرجال والنساء خلال الصلاة.
- ضمن لها حق المأكل والمشرب والملبس والمسكن، ويعود ذلك بحسب العادات في المجتمعات، وغالبًا ما تكون نفقة الفتاة على والدها، أما نفقة المرأة المتزوجة فتكون على زوجها.
- جعل لليتامى والأرامل والمطلقات والعجائز من النساء حقوقًا في بيت مال المسلمين، فينفق عليهن منه ولا يتركن يتكففن الناس وينتظرن الصدقات والهبات.
- مراعاة ظروف المرأة الخاصة؛ حيث خفف عنها بعض التكاليف كالنفقة، وأسقط عنها بعضها كالجهاد، ومنع عنها بعض الفرائض بشكل مؤقت فترات الحيض والنفاس كالصلاة والصيام.
- جعل للمرأة مهرًا تأخذه كاملًا بمجرد الخلوة بها، وحرم كذلك الأخذ منه إلا بطيب نفس منها، كما جعل للمرأة الحق بأن ترث زوجها بمجرد العقد عليها فقط، كذلك ترث من أبيها أو أخيها، أو زوجها، أو ولدها، بالرغم من أنها لا تنفق على أحد منهم.
- أوجب تغسيل المرأة وتكفينها على يد زوجها أو على يد إحدى النساء؛ مراعاة لحرمتها وعفتها.
- تحريم نكاح النساء دون ولي وشهود حتى لا تُتهم في عرضها.
- جعل حد لقذف النساء بغير دليل يتمثل في جلد من قال هذا ثمانين جلدة لردع أي اتهام دون بينة، كما لا تقبل شهادته بعد ذلك مطلقًا.
- جعل من يقتل في سبيل الدفاع عن عرضه شهيدًا؛ تكريمًا للمرأة ورفعًا لمكانتها.
- أسقط عنها فريضة الحج إذا لم يكن معها محرم يعينها على قضاء حاجاتها، وبالمثل صلاة الجمع والجماعات؛ تخفيفًا عنها بسبب كثرة أعبائها في بيتها ومع أطفالها.
- كرمها حال كونها أمًا؛ فقد أوصى الله -سبحانه وتعالى- بالأم في القرآن الكريم في أكثر من موضع، فقال في كتابه العزيز: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، وأكد ذلك نبيه الكريم؛ حيث أتى رجل إلى النبي – صلوات الله عليه وسلامه- يستأذنه أن يخرج معه للجهاد، فأجابه نبينا الكريم -صلوات الله عليه وسلامه- فقال:”أُمُّكَ حَيَّةٌ؟ فقلتُ: نعمْ، فقال:الزم رجلها فثمَّ الجنَّة” .
- كرم المرأة منذ ولادتها، فجعل لها حقوقًا ورفع درجة من أدب ابنته ورباها؛ حيث قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم: “من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ” .
- أسقط عنها الجهاد، فلم تحاسب عليه، لضعفها وصعوبة ذلك عليها، كما حرم طلاقها وهي حائض لما تعانيه من ضيق وتعب جسدي ونفسي.
- اهتم بجمالها، فجعل التقصير من شعرها حلا من إحرامها؛ وذلك مراعاة لشكلها وجمالها .
لو تأملنا النقاط السابقة لوجدناها هي نفسها العوامل التي تسبب غيابها وعدم فهمها والدراية بها في الجرائم والسلوكيات غير السوية التي اقترفتها المرأة في حق نفسها وحق أسرتها.
إننا بصدد مبادئ التربية والنشأة السوية لأفراد الأسرة جميعهم وليس المرأة فقط، لقد راعت هذه الأسس والشرائع الإسلامية حقوق المرأة من كل جوانبها الاجتماعية والجسدية والنفسية، وفي مراحلها العمرية جميعها، وما لها وما عليها، وما يجب على الأسر والمجتمعات توفيره لها.
لقد كان نبينا الكريم -صلوات الله عليه وسلامه- تابعًا لها في تعاملاته مع نسائه ونساء المسلمين كافة، وأوصانا بها وباتباعها، وهذا حقًا ما يجب على كل المؤسسات الدينية أظهاره لكي يفهم الجميع طبيعة المرأة وتقلباتها وكيفية التعامل معها حتى يعم الاستقرار المجتمع.