قاطعة الطريق بحارة بني تميم
بقلم/ م. أحمد عمرو
أخرج من باب بيتنا الشرقى فى حارة بنى تميم فأنظر أولا لأرى قاطعة الطريق وهى كلبة سوداء نحيلة الجسم شريرة ليس لها عهد ولا ميثاق ولا تراعى حق الجار مثل بعض الناس هذه الأيام،
فإن سلمت من شرها مررت، وإلا فلا. وكان الله يرزقنى دائما بالوالد الكبير المرحوم الحاج مرسى أبو شلبى وكان فى أخلاقه وسلوكه كالبلسم الشافى رحمه الله رحمة واسعة فيزيحها عنى وأسلم من شرها لأمر فأجد الحاج شعبان عوض وكان من حفظة كتاب الله يجلس أمام بيته يصنع من خوص النخيل صفائر فيخيطها ليعمل منها القفف والمقاطع ونظارات توضع على عيون الحيوان الذى يدور فى الساقية،
وهى أشياء لا غنى عنها للفلاح.. يجلس الرجل وعلى أذنيه سماعتان يخرج منهما سلكان يمتدان إلى أعلى البيت يلتفان حول عصى طويلة يلتقطان بعض الإشارات الكهرومغنطيسية االصادرة من محطات الإرسال الإذاعى العاملة..
الرجل يهز رأسه وكأنه يملك الدنيا وما فيها، والحقيقة أنه كان يمتلك من الدنيا قيراطين من الأرض الزراعية باعهما وبثمنهما قام بأداء فريضة الحج وأصبح لا يملك شيئا.
وكان الناس فى هذه الأيام عندهم قناعة، وكانوا يقولون: إذا وجد العيش فالملح بشرقة (رفاهية)!
قال لى يوما: أحسست ليلة ما فى رمضان أنها ليلة القدر فدعوت الله وقلت اللهم أشبعنى بالعيش والقماش.. وكأن كلامه كان صحيحا، فكان عنده نخلة أمام مقام على بن أبى تميم فى الحصافة، فكان يأتى ببلحها أخضرا ويضعه فى إناء من الخوص ويضع عليه الملح فيلين.
وكنا نشتري منه ونحن فى كتاب سيدنا كل طورة (أربع حبات) برغيف من الخبز!
وكان يلحد الموتى فإذا مات الميت أعطوه ملابسه؛ فأشبعه الله بالعيش والقماش كما طلب.
مات رحمه الله وله من الأولاد عشرة .
كان دائم الجلوس هو وأولاده عند مقام سيدي على بن أبى تميم وفى يوم ما رجعوا إلى البيت وقد نسوا أحد الأولاد هناك،
لم يتذكروه إلا عندما جلسوا حول المستديرة (الطبلية) وكان لا يسمح لأحد أن يتخلف عنها فى وجبة العشاء فقاموا يبحثون عنه وكانت الأرض فى هذه الأيام مزروعة بالذرة وكان من المنطقى أن ينادوا عليه باسمه لعله يكون نائما فيستيقظ،
ولكن أمه كانت تنادى وسط حقول الذرة على ترعة الشيخ: (كل حتة وسيب حتة يا ديب)!
رحم الله أمهات هذه الأيام، كانت الواحدة منهن سندا لزوجها لا تثقله بما لا يطيق، صابرة، محتسبة دائمة الدعاء لزوجها أن يرزقه الله.
رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته وحفظكم جميعا.