كتبت: إيناس مقلد :
أحيا مسلموا البوسنة أمس السبت الذكرى الخامسة والعشرين لمذبحة سريبرينتشا التى راح ضحيتها نحو 8000 رجل وصبى مسلم والتى صدمت العالم بإعتبارها جريمة الإبادة الجماعية الوحيدة فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ووقفت العائلات المكلومة أمام نعوش ملفوفة باللون الأخضر لتسع ضحايا تم التعرف على رفاتهم حديثا وسيتم دفنها فى مقبرة بالقرب من البلدة حيث تشير شواهد القبور البيضاء الطويلة إلى مقابر 6643 ضحية أخرى. وبسبب إجراءات الحد من إنتشار الوباء، إنتظر المنظمون حضوراً أقل مما يجرى عادة فى هذه المناسبة التي يشارك فيها كل سنة عشرات الآلاف من الأشخاص. من جانبه، أحيا وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس بكلمات مؤثرة ذكرى ضحايا مذبحة سريبرينتشا التى وقعت قبل 25 عاما. وقال ماس (53 عاما) أمس السبت بمناسبة مرور 25 عاما على المذبحة: «8 آلاف شاب مسلم ورجل قُتلوا، وذلك تحت أنظار العالم، نهاية القرن العشرين فى وسط أوروبا. نحن متفقون: سريبرينتشا لا ينبغى أن تتكرر مطلقا. يجب أن نواجه بحسم النزعات القومية المتطرفة، حيثما نصادفها».
وذكر ماس أنه لا يوجد مكان آخر مثل سريبرينتشا يرمز إلى الفظائع والجرائم ضد الإنسانية فى دول يوغوسلافيا السابقة التى إرتكبت فى تسعينيات القرن الماضى، وقال الوزير: «اليوم نحن مع ضحايا الإبادة الجماعية فى سريبرينتشا، وأقاربهم، بأفكارنا وقلوبنا»، مضيفا أن إحياء الذكرى يجب أن يكون حافزا لإتباع مسار المصالحة وإعادة التقييم باستمرار.
وخلال المناسبة قال وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو: «نشعر بالحزن مع العائلات التى تسعى بلا كلل لتحقيق العدالة لثمانية آلاف روح بريئة أزهقت بعد كل هذه السنوات». وكانت واشنطن توسطت فى إتفاق السلام البوسنى بعد شهور من هذه المذبحة.
يُذكر أن نحو ثمانية آلاف شخص قُتلوا خلال عدة أيام، فى 1995 عندما إجتاحت قوات صرب البوسنة سريبرينتشا بعدما أعلنتها الأمم المتحدة منطقة أمنية، من دون أن توفر لها الحماية. وأُدين الجنرال الصربى السابق راتكو ملاديتش فى عام 2017 بصفته المتهم الرئيسي فى جريمة الإبادة الجماعية فى سريبرينتشا، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
ولا يزال نحو 1000 من ضحايا المذبحة فى عداد المفقودين بهذه البلدة التى شهدت واحدة من أفظع أحداث حرب البوسنة التي دارت رحاها بين عامى 1992 و1995.
وقالت سهاد حسانوفيتش (27 عاما) التى لم تمنعها إجراءات الحجر من القدوم إلى المركز برفقة نحو ثلاثة آلاف آخرين من أقارب الضحايا، باكية: «لدى إبنة فى السنة الثانية من العمر، وهو سنى عندما وقعت المجزرة. إنه أمر صعب أن تسمع شخصا ينادى والده وأنت ليس لديك أب». وكانت قوات صرب البوسنة سيطرت على سريبرينتشا التى أعلنتها الأمم المتحدة «منطقة آمنة» فى 11 يوليو 1995 قبل خمسة أشهر من إنتهاء الحرب، وقامت خلال أيام بقتل أكثر من ثمانية آلاف رجل وفتى من مسلمي البوسنة. وحكم القضاء الدولى على القائدين السياسى والعسكرى لصرب البوسنة حينذاك رادوفان كرادجيتش وراتكو ملاديتش بالسجن مدى الحياة، وخصوصا لمجزرة سريبرينتشا وحصار ساراييفو.
وحتى اليوم عثر على رفات نحو 6900 من ضحايا المجزرة فى أكثر من ثمانين مقبرة جماعية وتم التعرف على هوياتهم. ويرقد معظمهم فى مركز النصب.
وقال العضو البوسنى المسلم فى الرئاسة البوسنية شفيق جافيروفيتش الجمعة الماضية: «نصرّ بلا تهاون على الحقيقة، على العدالة وعلى ضرورة محاكمة كل الذين إرتكبوا هذه الجريمة».
وأضاف جافيروفيتش خلال حضوره صلاة جماعية فى مركز النصب التذكارى: «سنكافح كل الذين ينكرون الإبادة ويمجدون مرتكبيها».
من جهته، قال بكر عزت بيجوفيتش، رئيس حزب العمل الديمقراطي ونجل الزعيم البوسني إبان النزاع علي عزت بيجوفيتش إن «الأسرة الدولية لم تدافع عن سريبرينتشا قبل 25 عاما، لكن يمكنها الدفاع عن الحقيقة التى تتعرض للتشكيك».
وتنظم أيضا معارض عدة وخصوصا واحدا لأعمال الرسام البوسني سافيت زيك التى كرسها للمجزرة.
وهناك معرض آخر عنوانه «لماذا لست هنا؟» للفنانة الأمريكية البوسنية الأصل عايدة سيهوفيتس ويضم ثمانية آلاف فنجان قهوة، وهو عدد ضحايا المجزرة، وضعت على المرج الأخضر أمام المركز. وقالت الفنانة لوكالة فرانس برس: «حتى الآن لم نجب عن السؤال: لماذا ليسوا هنا؟». وأضافت: «كيف حدث ذلك فى قلب أوروبا، فى منطقة تحميها الأمم المتحدة، أن يقتل ناس بهذه الطريقة الرهيبة؟ هذا إذا لم نتحدث عن الإبادة التى مازال يتم إنكارها».