الواقع الجديد فى ظل جائحة فيروس كورونا ودور هيئة ضمان الجودة والاعتماد
بقلم/ د. راجية طه
اقتضت معطيات العصر الحالي إلى تحول العالم إلى قرية صغيرة بفضل هيمنة أدوات العولمة التي ترتبط برباط متين بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تعد الأداة الأنسب التي تسعي العولمة من خلالها لتحقيق أهدافها.
ومن بعد تغول العولمة، جاء انتشار جائحة كورونا المستجد Covid-19 والتي تركت تأثيرات كبيرة على كل الأنظمة في العالم وعلى رأسها الأنظمة التعليمية، الأمر الذي وصل إلى حد تعليق الدراسة بالمدارس ومؤسسات التعليم العالي الخاص والحكومي على حدٍ سواء في جميع دول العالم .
إن انتشار وباء كورونا المستجد Covid-19 أدى إلى خلق حالة من عدم اليقين فيما يخص أمد الأزمة وموعد انتهائها.
وقد فرض انتشار جائحة كورونا المستجد Covid-19 حتمية إعادة النظر في المنظومة التعليمية، وضرورة إعادة ترتيب الأولويات وتغيير الاستراتيجيات، ليس على المستوى الوطني أو الإقليمي؛ بل على المستوى العالمي، حيث أجبرت الأنظمة التعليمية إلى استحداث أنماط تعلم غير تقليدية، تتناسب مع حتمية التباعد الاجتماعي؛ لضمان صحة وسلامة الطالب – عن طريق التعليم عن بُعد أو التعليم الإلكتروني أو المدمج ..
ولكن دعونا نتساءل سويا:
- هل قناعات وتصورات ومدركات أعضاء هيئة التدريس عن التعليم عن بُعد إيجابية أم لهم تحفظات على هذا النمط من التعليم؟ (التعليم عن بُعد = البعد عن التعليم )
- هل يجوز المقارنة – من حيث المبدأ – بين جيل يوصف بالجيل الرقمي (Digital Native or Net Gen)، جيل أقل ما يوصف به أنه Over-connected يعني متصل بشبكة الإنترنت 24 ساعة/ يوم، 7 أيام / الأسبوع،30 يوم / الشهر، 365 يوم / السنة – ومعلم يملك الحد الأدنى من مهارات مستخدم الحاسوب؟
- هل التحول من التعليم المكاني – الذي وصل المعلم فيه إلى مستوي الخبير، وأضحي في دائرة الراحة واليقين إلى مرحلة التعليم الإلكتروني والذي لم يتجاوز المعلم المستوى المبتدئ فيه أمر ممكن؟
- هل برامج التنمية المهنية المستدامة التي تستهدف تمكين معلم الجامعة بمهارات التدريس في العصر الرقمي كافية؟، وهل التوقعات من مثل هذه البرامج واقعية وممكنة؟
- هل المعلم قادر على تمكين المتعلم باستخدام التعليم الإلكتروني والذي يستلزم رسالة مختلفة في مضمونها وشكلها وفي طريقة عرضها وتقديمها بوسائل وأدوات وأساليب مختلفة؟
الشاهد الآن.. أننا نعيش الأن في ظل عالم متغير … يتغير بصورة لحظية متسارعة لم يسبق لها مثيل.
نعم لقد غيرت ثورة المعلومات والاتصالات وانتشار وباء كورونا المستجد وجه العالم ومعالمه كما لم نعرفه من قبل، وأضحي الواقع الجديد أمرا حتميا فرض التعامل مع معطياته.
وقد شكلت هذه التغيرات تحديا وأزمة حقيقية للمؤسسات التعليمية ومؤسسات وهيئات ضمان جودة التعليم والاعتماد من حيث سعيها للبحث عن دور جديد وفاعل في ظل هذه التحديات المتزايدة وجمود هيكلها.
وكان لزاما على الدول والمؤسسات والأفراد أن تواكب وتتفاعل مع هذا التغير: فلا يوجد مكان في هذا العالم للمتكاسلين الجامدين غير القادرين على مواكبة الواقع الجديد والتكيف مع معطياته، وتحقيق هذه المواكبة يحتاج إلى تمكين المؤسسات والأفراد وتزويدهم بآليات التعامل مع إدارة التغيير لمواكبة هذا التغير.
نحتاج في هذه الظروف كمؤسسات تعليمية إلى ضرورة العمل على ترسيخ مبدأ التربية الرقمية وأهدافها وبرامجها وأدواتها وتقنياتها، مع الوضع في الاعتبار طبيعة العصر والمهارات التي ينبغي تمكين المتعلم بها، والتي من بينها:
- التركيز على مهارات التعلم في القرن الحادي والعشرين (مهارات التواصل – مهارات التعاون – مهارات التفكير الناقد – مهارات الإبداع) في إطار فهم سيكولوجية المتعلم، اهتماماته، تطلعاته، وبما يعزز مهارات التعلم مدى الحياة مما يحقق مهارات إدارة الذات
- التركيز على مهارات المعلومات والاعلام والتكنولوجيا (ثقافة المعلومات – ثقافة الوسائط الإعلامية – ثقافة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات)
- التركيز على جودة مهارات الحياة وجودة مهارات العمل (المرونة والتكيف – المبادرة والتوجيه الذاتي – المهارات الاجتماعية وعبر الثقافية – الإنتاجية والمساءلة – القيادة والمسؤولية)
- وفى مصر واستجابة لهذه المتغيرات فقد قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تطبيق طريقة التعليم الهجين(Blended Learning) بالربط بين نظامى التعلم “وجها لوجه” و”التعلم عن بُعد”؛ مما يُسهم فى تقليل الكثافة الطلابية بدءا من العام الدراسي القادم (2020-2021). نظام التعليم الهجين يستند إلى دمج نظامي التعلم وجهًا لوجه والتعلم عن بعد، من خلال هذا النظام يتمكن الطالب من الحصول على الجانب المعرفي وبعض المهارات من خلال التعلم عن بُعد، الأمر الذي يُسهم فى تقليل الكثافة الطلابية، إلى جانب تحقيق الاستفادة المثلى من خبرة أعضاء هيئة التدريس، مع تحقيق أقصى استفادة من البنية التحتية للجامعات.
- وتتضمن الخطة 3 عمليات هي:
- التعلم
- والتقييم
- والأنشطة والخدمات.
- وسيتم تقسيم الطلبة إلى مجموعات تدريسية صغيرة، مع اتخاذ شتى الإجراءات الاحترازية – سيتم أيضا احتساب نسبة مشاركة كل من “التعلم وجها لوجه” و”التعلم عن بعد” في “التعليم الهجين” وفقًا للمحتوى المعرفي والمهاري المطلوب تحقيقه في المقررات للقطاعات والكليات المختلفة.
- سيتم كذلك استخدام تقنيات وعناصر التعلم الإلكتروني مع وضع آليات مرنة للجامعات.
- كما سيتم استخدام مختلف وسائل التعلم عن بُعد ،من خلال منصات التعليم الإلكتروني، وإنتاج المقررات الإلكترونية بكل جامعة.
وفى ضوء هذه المتغيرات أضحى هناك ضرورة للهيئات المعنية بضمان جودة التعليم والاعتماد، أن يتمحور دورها في ظل الواقع الجديد The New Normal – حول:
- حتمية تحديث معايير التعلم عن بُعد في ظل التغيرات التكنولوجية اللحظية والمتلاحقة بل والمتسارعة.
- نشر الممارسات الجيدة في مجال ضمان جودة التعليم عن بُعد.
- تقديم المقترحات لتطوير نظم التعليم عن بُعد، مع ضمان استدامة جودة التعليم في حالة استمرار التعليم عن بُعد والتعليم الهجين (Blended learning)
- الاهتمام بنظم التقويم فى التعلم الإلكتروني بما يحقق أهداف هذه البرامج، عن طريق ضمان جودة المنصات الإلكترونية بالجامعات وتوافر بنوك أسئلة متنوعة إلكترونية.
- تطوير آليات المراجعة الخارجية الحالية والتحول المتكامل في إدارة الجودة نحو زيارات المراجعة الخارجية عن بُعد/ الزيارات الافتراضية والزيارات الميدانية.
- تطوير منظومة التدريب ليتواكب مع الواقع الجديد.
الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد وجهودها فى التعليم الإلكتروني :
أولا: إصدار معايير ﺩﻟﻴﻞ ﺗﻘﻮﻳﻢ ﻭﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺑﺮﺍﻣﺞ التعليم المفتوح والتعلم عن بعد (أغسطس 2009)
منذ أكثر من 10 سنوات قامت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بإصدار معايير تقويم واعتماد برامج التعليم المفتوع والتعلم عن بُعد.
لتحقيق اﻟﻣروﻧـــﺔ ﻓـــﻲ اﻟﺑـــراﻣﺞ اﻟﺗﻌﻠﻳﻣﻳـــﺔ ﺑﻣـــﺎ ﻳﺗواﻓـــق ﻣـــﻊ المتغيرات اﻟﻣﺣﻠﻳـــﺔ واﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ ، ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎرف واﻟﻣﻬارت اﻟﻣطﻠوﺑﺔ للخريج واﻟﺗﻐﻠب ﻋﻠﻰ ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻛﺛﺎﻓﺔ اﻟطﻼﺑﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻌض ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﻳم إضافة إلى إﺗﺎﺣﺔ اﻟﺗﻌﻠﻳم ﻟﻣـن ﻻ ﻳﺳـﺗطﻳﻊ اﻟﺗﻔـرغ ﻟﻼﻟﺗﺣـﺎق ﺑـﺎﻟﺗﻌﻠﻳم اﻟﻧظـﺎﻣﻲ ﻓـﻲ ﻣؤﺳﺳـﺎت اﻟﺗﻌﻠﻳم اﻟﻌﺎﻟﻲ.
وأخيرا ﺗﺣﻘﻳـــق اﻟﺗوﺟـــﻪ ﻧﺣـــو ﺗﻌﻣﻳـــق ﻣﻔﻬـــوم اﻟـــﺗﻌﻠم اﻟـــذاﺗﻲ اﻟﻣﺳـــﺗﻣر ﻟﻠﺧـــرﻳﺟﻳن؛ ﺑﻣـــﺎ ﻳﺳﺎﻋد اﻟﺗﻧﻣﻳﺔ المهنية المستدامة
وتتضمن هذه المعايير:
إدارة البرنامج- الموارد البشرية- أهداف ومؤشرات نجاح البرنامج والمعايير الأكاديمية المرجعية للبرنامج – أساليب التعليم والتعلم وتقويم أداء الطلاب- التواصل ودعم الطلاب وحقوق ورضا الطلاب- تقويم أداء أعضاء هيئة التدريس والاستفادة من التقويم الذاتى والتطوير المستمر.
ثانيا : إصدار المعايير القومية الأكاديمية المرجعية لقطاع اللغة العربية والعلوم الاسلامية وتحديث مواصفات الخريج للتناسب مع مهارات القرن ال21:
تحديث وإعداد وتحكيم وإصدار المعايير القومية الأكاديمية المرجعية، لقطاعات:
- أصول الدين والدعوة (الإصدار الثاني)2015
- الشريعة الإسلامية والقانون (الإصدار الثاني)2015
- اللغة العربية (الإصدار الثاني)2015
- القرآن الكريم للقراءات وعلومها (الإصدار الأول)2015 .
- الدراسات الإسلامية والعربية (الإصدار الأول)2016م
وتضم هذه المعايير الموصفات العامة للخريج التي تتواكب مع التعليم الإلكتروني ومن بينها:
- قادرا على استخدام وسائل التقنية الحديثة بما يخدم التخصص ويحقق التواصل مع الآخر.
2) قادرًا على مهارات التواصل والحوار مع الآخر، ومهارات العرض والتحليل والتفسير والنقد والتقييم والتمييز والموازنة والترجيح وتكوين الرأي الصائب في مسائل وقضايا كل تخصص.
3) ممتلكا لمهارات التعلم الذاتي بما يمكنه من تطوير ذاته تطويرا مهنيًّا مستدامًا.
ثالثا: الرقمنة والخدمات الإلكترونية
أولت الهيئة موضوع الرقمنة والتعلم عن بُعد والخدمات الإلكترونيه اهتماما كبيرا سواء على مستوى التعليم الجامعى أو قبل الجامعى أو الأزهرى ، ووصلت الهيئة في إنجاز عملها مع شتى المؤسسات التعليمية بالدولة – جامعية وما قبل الجامعية – إلى واقع رقمي بنسبة تزيد على 90% ، بما يشير إلى أهمية التحول الحقيقي في شتى مجالات الحياة نحو هذا التوجه الذي ظهرت أهميته القصوى في تعامل أجهزة الدولة بكفاءة وثقة شهدت بهما أوساط إقليمية ودولية.
وقد حصلت الهيئة على الاعتماد من الاتحاد العالمي للتعليم الطبي لمدة 10 أعوام وكان من ضمن الأسباب النظام الإلكتروني في الهيئة.
رابعا: تحول المعايير القومية الاكاديمية المرجعية لبعض القطاعات للجدارات (competency)
قامت الهيئة بتحديث وتطوير بعض المعايير القومية الاكاديمية المرجعية (NARS) لبعض القطاعات لتشجع التعلم المبنى على الجدارات وحتى يواكب الخريج مهارات القرن ال21 مثل القطاع الطبى والصيدلى والهندسى والتمريض.
وفي نهاية كلمتي أوصي بإنشاء معايير للتعليم الإسلامي العالي عن بعد، تراعي المستجدات، والبدائل والاحتمالات التي يمكن أن تحدث في المستقبل.