نحن ومياه النيل
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أمي الحبيبة المصرية السيدة هاجر عليها السلام، لقد ظلمك من قال إنك لو لم تقولي للماء زم لأصبح نهرا، لقد كنت أكثر حكمة بما هداك ربك وبما علمت عن الماء، فلو شاء الله لجعله نهرا، والله قادر على كل شيء، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، لكن الله يعلِّم البشر بحكمته، فكان هذا الدرس من خلالك، فلو تركت الماء نهرا فأين يكون مصبه؟ وكيف تبقيه أرض تشرب الماء أو تبخره على صخورها؟! لقد أردت الحفاظ على الماء من الضياع، أو خوفا من أن يلوث هذا الماء الطاهر أحفادك كما صنعوا بنهر النيل.
من عجب أننا لم نتعلم من أمنا هاجر درس الحفاظ على ماء النيل، فأسرفنا في تبديده دون أن نزرع، ولم نتعلم من درس نبينا يوسف في أن نمد الزراعة قدر الإمكان مستفيدين من ثروتنا المائية، فظلت أرضنا صحراء حتى الآن، بل أمعنا في تلويث نهر هو أثمن ما وهبه الله لشعب يعبد الله منذ بدء الخليقة، فقد أنزله الله طهورا مباركا، فماذا فعلنا بطهارته؟ ولم لم يعد مباركا؟! لقد لوثنا حياتنا بتلويثه، وأظلم مستقبل أبنائنا بعدم الاستفادة الصحيحة منه، وأفلس القائمون عليه ففرضوا سعرا باهظا على استخدامه. حتى ماء زمزم حرِّم علينا هذا العام، ولا ندري إلى متى يظل هذا التحريم؟!
نحن أول شعب موحد على وجه الأرض، ولم نفهم معنى أن يكون عرش الله على الماء! وهكذا ينبغي أن يظل الماء طاهرا مباركا، كما أراد سبحانه. لقد نسينا أننا بلد اختار الله له أن يكون زراعيا، وقد أثبتت الأجيال السابقة أن في الزراعة خير كثير، منه سيادة المنطقة، وأن زراعة الأرض من أفضل الأعمال إلى الله، ولقد كانت الأجيال السابقة تبني المساكن بعيدا عن الأراضي الزراعية، ليس تقديسا للزراعة فحسب، بل بعد نظر منها للمستقبل، فيامن جرفتم الأرض الزراعية لصناعة الطوب الأحمر، وبنيتم فوق الأرض الزراعية المباني والمساكن والمصانع، أين رؤيتكم المستقبلية؟ وأين حبكم لأبنائكم وأحفادكم؟
أتوسل إلى الله أن يهدينا حتى نفيق ونتعلم الدرس، منه سبحانه، وأن نقدر تصرف أمنا المصرية السيدة هاجر، وسيدنا ونبينا يوسف عليه السلام.
إن خير تكفير على ما اقترفنا من إثم في حق المنحة الإلهية نهر النيل، أن نعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع الماء، وأن نستغل التقنية الحديثة في إعادة رسم خريطة الماء على أرض مصر، ظاهرها وباطنها، وأن نعود لزراعة ما وسعنا الجهد أن نزرعه من أرض مصر بأفضل طريقة وأكرم المحاصيل، لعل الله أن ينظرنا فيقبل توبتنا، ويفتح علينا بركات كل شيء، بما نعمل. افسحوا رقعة الحياة على أرض مصر، وتفسحوا في أرجائها، ودعوا سلوك البخلاء في تضيق الأماكن حول النهر.
إن ما يعوقنا عن العمل الصحيح اليوم هي المصلحة العاجلة وتفضيلها على المصلحة الآجلة، في حين أن علينا تثبيت القيم التي تحقق المصلحة الآجلة والمستمرة والباقية. ربما تكون المصلحة العاجلة اختيار الأفراد، ولكنها لا ينبغي أن تكون اختيار الأمم.
إن ما يحزنني افتقاد ثقافة بلورة القيم وتثبيتها، والجري وراء المصلحة العاجلة دون توجه إلهي، وأن نتعود الواقع ونتعامل معه، وننسى تداعياته المستقبلية.