الكوارث والحروب الاهتزازات المجتمعية.. ويلٌ للناس منها
بقلم/ د. نجلاء الورداني
تعد الكوارث بصفة عامة والحروب بصفة خاصة واحدة من أكثر الآفات فتكًا بالإنسان وبيئته التي يحيا فيها، وبمكوناتها كافة (السياسية، الاجتماعية، التعليمية، التربوية، النفسية، الاقتصادية، العمرانية، البيئية …)، فهي قادرة في أيام أو دقائق معدودات على إبادة ما تم إنجازه بمئات وآلاف السنين.
وقد تتنوع الآثار الناجمة عن الحروب بين المباشر منها، وغير المباشر، وذات المدى المنظور، والمدى البعيد، وباختلاف تلك الآثار تختلف الاستراتيجيات في التعامل معها، إذ إنه لا توجد استراتيجية واحدة وقوالب جاهزة في عمليات إعادة ما كان مرة أخرى، أو التعامل معها فور حدوثها ولا سيما حروب الوقت الراهن، والتي تمتاز بسمة عدم إمكانية التحرز أو الاستعداد لها، وهذا على العكس تمامًا من بعض الكوارث الطبيعية المتوقعة كالفيضانات والسيول.
وتُعرف الحروب في علم الاجتماع بكونها “نزاعات تقوم بين كيانات مختلفة مستقلة، ومُعترف بها دوليًا، كما يُلاحظ أنه ليس كل النزاعات تُسمى حروبًا، إذ إن الاختلاف في طبيعة الأطراف المتنازعة ينتج عنه اختلاف في مسميات هذه النزاعات، فيُطلق على النزاعات المُسلحة التي تنشأ بين الدول القوية والشعوب الضعيفة غير القادرة على الدفاع عن نفسها مثلًا اسم الحملات العسكرية أو الاحتلال، بينما يُطلق على نفس النوع من النزاع اسم حرب إذا استمرت المقاومة خلالها لفترة طويلة من الزمن”.
وقد تؤثر الحروب على كيانات الدول والأطراف المتنازعة فتسبب لها مخاطر بيئية جمة تستمر آثارها لفترات طويلة وأجيال متعاقبة، كإحداث دمار بيئي شامل للتربة والأراضي الزراعية، وإدخال عدد من النباتات والحيوانات في بيئات غير بيئتها، بالإضافة إلى تلوث الهواء والماء، وإلحاق الضرر بالمصادر الطبيعية، مما سيؤثر على حياة الإنسان، وصحته، ونمط معيشته.
ومن الممارسات الحربية ذات التأثيرالبعيد المدى على البيئة والإنسان: إنتاج وتجريب الأسلحة النووية، والقصف الجوي والبحري، وزراعة الألغام والمتفجرات الأرضية …. وغيرها الكثير.
إضافة إلى انهيار البنية التحتية؛ حيث تستهدف الحملات العسكرية في الحروب مواقع البنى التحتية في البلاد من طرق وجسور، ومرافق عامة، وآثار عمرانية، ومنشأت حيوية…إلخ، فيؤثر سلبًا بشكل غير مباشر على البيئة، وعلى سبيل المثال يؤدي تدمير محطات معالجة مياه الصرف الصحي إلى تدهور جودة المياه والحياة البيولوجية للكائنات، كما يتسبب قصف مصانع المواد الكيميائية بتسرب السموم منها.
وليس هذا فقط، بل هناك العديد من الآثار النفسية التي لا تقل خطورة عما سلف ذكره؛ فتشمل الأسر بجميع أركانها، من جندي محارب فتؤثر على علاقاته بزوجته وأبنائه وبخاصة مع حدوث إصابات وتشوهات جسمانية، واستمرار الحرب لفترات طويلة مما يشعره بالعزلة عن موطنه وبيئته الاجتماعية والمنزلية، وكذلك تأثيراتها النفسية على المدنيين، حيث قدر البنك الدولي وجود أكثر من مليار شخص حول العالم ممن عاشوا في مناطق متأثرة بالنزاعات المسلحة والحروب، ومن جانب آخر قدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن هناك ما يقارب (60) مليون مدني قد نزحوا ورحلوا قسرًا من ديارهم إلى مناطق أخرى بسبب الحروب والنزاعات منذ عام (2015)، والتي جعلت حياتهم معرضة للخطر، ويعتبر هذا الرقم أكبر عدد لاجئين سُجل منذ الحرب العالمية الثانية، مما أثار اهتمامًا ضخمًا لوضع سياسات نشطة للتعامل مع الاضطرابات النفسية التي قد تظهر على المدنيين.
وأثبتت الدراسات والأبحاث أن الأشخاص المدنيين الذين عاشوا الحرب، أو نزحوا من بلادهم نتيجة كوارث طبيعية أو صناعية هم أكثر عرضة للإصابة بحالات الاكتئاب، والصدمات النفسية، والضيق النفسي الحاد، عن غيرهم من الأفراد الذين لم يتركوا بلادهم، أو يعيشوا ويلات حروب قاسية ومدمرة.
وقد تمتد لتشمل الأطفال أيضًا، وبالأخص في مراحل عمرهم الأولى مما يستوجب التعامل معهم بطريقة خاصة وآليات علمية ونفسية دقيقة، وذلك لما للحرب من آثار بعيدة المدى على تطوير شخصيتهم وبنائها، والمعايير الداخلية للصواب والخطأ، وضبط ردود أفعالهم العدوانية.
كما تؤدي الحروب إلى خسائر اقتصادية ضخمة من فقدان البلاد للبنية التحتية وخلق حالة من عدم اليقين لدى المواطنين، وارتفاع الدين العام على الدولة، فترتفع معها معدلات التضخم والنفقات، وتقل معدلات الاستثمار والادخار، فينتج عدد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية السلبية (كقلة نصيب الفرد من الدخل القومي، ارتفاع نسبة الفقر، سوء التغذية، غلاء الأسعار، رفع الدعم، غياب عدد من السلع الحيوية، شل حركة الأسواق والتجارة العالمية، ضعف تبادل السلع والخدمات، ارتفاع معدلات الانحراف والجرائم، الانتحار الفردي والجماعي، سوء سلوكيات الأفراد لفقدان الإحساس بالأمن والطمأنينة، انتشار البلطجة، سيطرة الأقوى لا الأصلح، انخفاض معدلات الزواج وعزوف الشباب عنه، انهيار القيم الخلقية، انتشار السلوكيات الجنسية الشاذة، انهيار التعليم، عدم الاهتمام بالأنشطة الثقافية والترفيهية الهادفة للمجتمعات،…وهكذا). بالإضافة إلى خسائر للموارد البشرية والطبيعية، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن الحروب تسببت في وقوع عدد من الوفيات والإعاقات يفوق أي عدد قد يسببه مرض خطير أو وباء حتى الآن.
ولهذا أثارت الكوارث والصراعات المتعددة على مر العصور اهتمام الخبراء وصناع القرار في العالم؛ فدفعتهم لسن القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق الإنسان أثناء نشوبها، فكانت قوانين حقوق الإنسان واللاجئين، والقوانين التي تحظر أعمال العنف والتمييز والتعذيب، وتوضح طريقة سير النزاعات، وكيفية التعامل مع الأسرى، وحماية شعارات الصليب الأحمر، وغيرها من المهام التي تتعلق بسيرها. وبالرغم من هذا ما زالت الحروب تنتهك حقوق الإنسان، وتسبب العديد من الآثار السلبية قريبة وبعيدة المدى على المجتمعات كافة.