شبهات وردود ( 9 )
ما السرُّ فى حيرة النبى عندما كان يسأله اليهود والنصارى؟
د. محمد العربي
الشبهة: جاء في سورة الإسراء : (وقرآنا فرقناه لنقرأه على الناس علی مكث ونزلناه تنزيلاً) (وقرآنا فرقناه ): نزلناہ مفرفاً منجماً فإنه نزل فى تضاعيف عشرين سنة، (لتقرأه على الناس على مكث): علي مهل وتؤدة، فإنه أيسر للحفظ وأعون علي الفهم (ونزلناه تنزيلا): حسب الحوادث.
وبعد هذه المقدمة قالوا:
كيف يكون القرآن وحياً، وهو متقطع مفرق يأتی بعضه في وقت، ويتأخر بعضه إلى وقت آخر، لقد كان محمد يرتبك عندما كان العرب أو اليهود أو النصارى يسألونه، وأحيانا كان يحتج بأن جبریل تأخر.
الرد على الشبهة:
إنهم يستبعدون أن يكون القرآن وحياً لأنه لم ينزل مرة واحدة، فنزوله مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة ينفي عنه کونه وحياً من عند الله، هذه واحدة ويثبت أنه كلام مفكك، وهذه ثانية.. ونقول لهم على وفق طريقتهم، نسألكم:
من أين لكم هذا الدليل؟ أنزل عليكم وحي من الله قال لكم فيه: إن کان وحى من عندي يكون نزوله دفعة واحدة، وكل ما خالف هذا لا يكون وحياً؟ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، هذا عن الأولى.
أما عن الثانية، فمن يجاريكم من العقلاء على هذا المعيار الذي وضعتموه لمعرفة الكلام المفكك الذي تتهمون کلام رب العالمين به؟
إنَّ الكلام المفكك عند العقلاء هو الكلام الذي لا يناسب بعضه بعضاً، لا من حيث المفردات والتراكيب ولا من حيث المعاني والدلالات، وهذا معيار عام لا يخص کلاماً دون كلام، فمن الناس من یکتب کتاباً فى سنة، أو خمس، أو عشر، ويأتى ما کتبه آية في الجودة والإتقان، ولو قدر لإنسان أن یکتب کتاباً من مائة صفحة في ساعة أو ساعتين أو ثلاث لجاء كتابه “تخاليط” يصد عنه الناس.
والقرآن، الذي نزل مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، ليس له مثيل ولا حتی مقارب في إحكام نسجه، وتألف نظمه وصحة معناه وصفاء عباراته، وسلامة لغته من کل عيب أو قصور.
کتاب قطع عمراً من الدهر يقترب من الألف ونصف الألف من السنين، ومع هذا فهو كتاب کل عصر، له سمو فوق کل کلام قيل بعده أو قبله أو في عصر نزوله، ومعانيه تكشف للناس في كل عصر، له سبق في ميادين المعرفة يذهل ويدهش، وكفاه فضلاً سبقه للحضارات الحديثة في مختلف ميادين المعرفة العلوية والأرضية وما بين السماء والأرض، وما في أعماق الأنهار والبحار والمحيطات، وما في أعماق الأرض.
وكل هذا وفاء بالوعد الإلهي الذي ورد في القرآن: ( سنريهم آیاتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).
إن القرآن الذي تفترون عليه هو كتاب الوجود كله، كم حاول الحاقدون قبلكم ومعكم أن يحدثوا فيه شرخاً فأعياهم، وبقي هو كلمة الله العليا السابحة في الآفاق يتحدى تعاقب الدهور والعصور، وهو المنارة الشامخة يتلألأ ضوؤها ماحياً حيالك الظلام.
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيماً لينذر بأسا شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا * وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) الكهف.