رسالة مسقط ـ أحمد تركي
حبا الله سلطنة عُمان موقعاً استراتيجياً متميزاً في منطقة الخليج، ورزقها التكوين الجغرافي الفريد الذي لا مثيل له، فسلسلة الجبال تحوطها من جانب والمياه تحوطها من الجانب الآخر، فهي محمية حماية طبيعية لا دخل للانسان فيها.
تتميزعُمان ببيئتها المتنوعة، وشواطئها الطويلة على المحيط الهندي وبحر العرب وبحر عمان والخليج، وبجبالها وصحاريها وسهولها، وقد حباها الله بموارد وثروات عديدة، ومن أهمها العيون المائية التي تعد مصدرا مهما من مصادر المياه ومنظراً خلابا يُبهج النفس ويبعث على الراحة والطمأنينة.
ووفقاً للدراسات التاريخية والجغرافية، لعبت التكوينات الصخرية التي تشكلت قبل ملايين السنين، دوراً في تنويع مصادر المياه بمختلف مناطق سلطنة عمان حيث اختلف مصدر الماء المنبثق باختلاف طبقات الأرضية المختلفة وكمية المخزون المائي في كل منطقة من مناطق السلطنة.
وتمثل العيون المائية التي تنتشر في أنحاء سلطنة عمان والتي تعد وجهات سياحية يقصدها السياح من مختلف مناطق السلطنة وخارجها، فهي إضافة إلى كونها مواقع ترفيهية وتخييم تمثل للبعض وجهات للبحث عن العلاج الطبيعي من بعض الامراض الجلدية.
وتبدي الحكومة العُمانية اهتماما كبيرا بتوفير الخدمات اللازمة للسياحة الداخلية لزيادة أعداد الزائرين إلى هذه العيون ( الينابيع) التي تجري بعضها من الجبال الشاهقة على مدار 24 ساعة دون توقف لتشكل أحد مصادر الثروة المائية الأساسية في السلطنة. وتتراوح هذه العيون ما بين الحارة والباردة وبين العذبة الصالحة للشرب، والضاربة الملوحة والقلوية المخلوطة بمياه الأودية التي تصلح للزراعة. وهناك نوع آخر من العيون التي تحتوي على نسب متفاوتة من الأملاح المعدنية تصلح للتداوي والإستشفاء حيث يقصدها الكثير من المرضى سواء أولئك القادمون من مختلف أنحاء السلطنة أو من دول مجلس التعاون الخليجي أو من دول أخرى.
وتكمن أهمية هذه العيون في سلطنة عُمان، وفقاً للدراسات، في كميات المياه التي تتدفق منها يومياً، حيث يبلغ متوسط كميات المياه المتدفقة من العيون الحارة حوالي (8) ملايين جالون في اليوم، بينما تبلغ متوسط كميات المياه المتدفقة من العيون الباردة حوالي (15) مليون جالون يوميا.
وتنتشر العيون المائية على إختلاف أنواعها في مناطق متفرقة من السلطنة، حيث ينبع أغلبها من المناطق الجبلية، وتختلف من حيث وفرة مياهها ودرجة حرارتها وجودتها ومن هذه العيون:
عين الثوارة بولاية نخل
خلال زيارتي لسلطنة عُمان، قمت بجولة سياحية إلى عين الثوارة برفقة بعض الأخوة العُمانيين، ورأيت عظمة الخالق سبحانه وتعالي في خروج هذا الماء من أسف الجبل ماءً دافئاً ينشده السائحون، وتنبع هذه العين من جبل صلد، يتدفق ماؤه باستمرار لا ينقطع ولا ينقص، ثم يسير إلى مزارع النخيل هناك ليرويها من العطش، كل مزرعة حسب دورها، ، تنساب من الوادي لمسافة 300 متر قبل أن تتفرع بعدها إلى قسمين، يكون أحدهما فلج “كبة” والأخر فلج “الصاروج”. وتعتمد ولاية نخل على هذه العين وروافدها في ري مزروعاتها بنسبة 90% تقريبا.
عين الكسفة بولاية الرستاق
ومن عين الثوارة قمنا بزيارة إلى عين الكسفة في الرستاق وشاهدناها على الطبيعة، وهي عين تتدفق مياهها من باطن الأرض بصورة طبيعية ومتواصلة كذلك وهي عبارة عن عيون لمياه طبيعية تصل درجة حرارتها إلى 45 درجة مئوية ثابتة. وتنبع منها المياه الساخنة في عدة “جداول” لسقاية البساتين.
وتشتهر مياه ” عين الكسفة ” بكونها علاجا طبيعيا لأمراض الروماتيزم نظرا لطبيعتها الكبريتية وكذلك علاجا للأمراض الجلدية. وتقع على مسافة كيلومترا من وسط الولاية، ويقصدها الكثير من المواطنيين والوافدين إضافة إلى السياح العرب والأجانب للإستفادة منها في علاج بعض الأمراض، وتعتبر هذه العين من الأماكن السياحية الهامة التي تضعها الشركات السياحية على جدول زيارات القادمين من السياح إلى السلطنة.
عيون قرية غلا والأنصب
تقع هذه العيون المائية الحارة في ولاية بوشر بمحافظة مسقط، تشتهر بعيونها المائية الطبيعية والتي تستقطب زواراً كثيرين يتوافدون عليها من خارج وداخل السلطنة وذلك للتنزه والاستحمام.
العيون في محافظة ظفار
توجد في محافظة ظفار حوالي 360 عين ماء موزعة على الشريط الجبلي، وعلى حواف الجبال المتاخمة للسهل الساحلي، بينما تنتشر أعداد قليلة منها في منطقة النجد. ومعظم العيون دائمة الجريان ومن أشهرها عين جرزير، وعين رزات، وعين صحنوت، وعين حمران وعين طبرق والتي تقدر كمية تدفقها السنوي بحوالي 10.38 مليون متر مكعب، ويتم حاليا استغلال أربع عيون الأولى منها والتي توفر حوالي 9.7 مليون متر مكعب من المياه سنويا للأغراض الزراعية من قبل بعض الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
وأصبحت هذه العيون مقصد كل زائر يتوجه إلى محافظة ظفار خاصة في أشهر الصيف الحارة حيث تتميز هذه المنطقة بجو معتدل ورذاذ وجو غائم قلما يوجد في دول المنطقة في هذا الفصل من العام.
عين رزات
هي الأكثر تدفقا للمياه من بقية العيون حيت توفر ما يقرب من 5.52 مليون متر مكعب من المياه سنويا. وتعتبر الأمطار الموسمية والتي تعرف محليا بالخريف هي المصدر الأول لتغذية الخزان الجوفي في منطقة الجبل والسهل وتختلف كمية الأمطار من منطقة إلى أخرى، وتهبط أمطار الخريف بشكل منتظم على منطقة السهل والجبال المحاذية له خلال الفترة من نهاية يونيو إلى سبتمبر من كل عام. وتشتهر هذه الفترة بالرطوبة العالية التي تصل نسبتها في بعض الأوقات إلى 100% وكذلك الضباب الكثيف خاصة في المناطق الجبلية وقلة التبخر.
عين حمران
هي إحدى عيون المياه وارفة الظل تنتشر بها الكثير من الأشجار المختلفة مثل أشجار الدوم والنارجيل والتين، ويرتادها الزوار طوال السنة لاسيما في الخريف ونهاية كل أسبوع حيث يغتسل فيها الزوار وتسقى منها المواشي والزراعة المحيطة بها. وهي تبعد عن مدينة صلالة بحوالي 14 كيلومترا. ويعتبر منسوب المياه جيدا في عين حمران حيث كان يستغل قديما في الزراعة المنتشرة في سهل حمران.
عين صحنوت
عين صحنوت هي أكثر العيون المائية استقطابا لأعداد الزوار وذلك لقربها من سهل أتين ومركز البلدية الترفيهي وتجمعات المخيمات، وهي بالمقابل أقل العيون المائية مقارنة مع عين رزات وعين حمران في منسوب المياه حيث تتفجر العين ويزخر جريانها في فصل الخريف نتيجة تشبع الأرض بمياه الأمطار الموسمية. وتبعد العين عن مدينة صلالة من دوار أتين حوالي سبعة كيلومترات وتنتشر بها غابة من أشجار الظل تحت الجبل. وتقيم العائلات وزوار المنطقة الرحلات على جنبات الساقية وليالي السمر في فترة الصيف.
عين دربات:
تقع عين دربات شرق ولاية طاقة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى ولاية مرباط في منحدر جبلي اتجاه الشمال حيث يمكنك مشاهدة شلالات دربات من الطريق الرئيسي في حالة جريان الشلال. وعند ارتفاع منسوب المياه في وادي دربات تتفجر العين عند هطول الأمطار الغزيرة.
تتميز عين دربات بمنظر خلاب وطبيعة بكر وغابة من الأشجار الكبيرة وأشجار الصبار والدوم، وعلى سفح الجبل مزرعة من أشجار النارجيل تراها عند نزولك الوادي ولجمال وادي دربات ارتأت الجهات الحكومية بتطوير المواقع السياحية بإنشاء منطقة سياحية وسط الوادي على ضفاف جريان مياه العين.
وعمدت المؤسسات الحكومية في سلطنة عمان إلى وضع خطط مستقبلية تستهدف لايجاد اساليب متقدمة في ادارة العيون بكفاءة وتحقيق أفضل استفادة ممكنة من هذه العيون.