شبهات وردود (7)
ما فائدة الحروف المقطعة فى القراّن الكريم؟
بقلم/ د. محمد العربي
يدعى المشككون أنه جاء فى فواتح 29 سورة بالقراّن الكريم حروف عاطلة ، لا يفهم معناها نذكرها فيما يلى مع ذكر المواضع التى وردت فيها:
الحروف | السورة |
الر | يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر |
الم | البقرة ، اّل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة |
المر | الرعد |
المص | الأعراف |
حم | غافر ، فصلت ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف |
حم عسق | الشورى |
ص | ص |
طس | النمل |
طسم | الشعراء ، القصص |
طه | طه |
ق | ق |
كهيعص | مريم |
ن | القلم |
يس | يس |
ونحن نسأل : إن كانت هذه الحروف لا يعلمها إلا الله ( كما يقولون ) فما فائدتها لنا : إن الله لا يوحى إلا بالكلام الواضح فكلام الله بلاغ وبيان وهدى للناس.
الرد على الشبهة:
أطلقوا على هذه الحروف وصف “الكلام العاطل” والكلام العاطل هو” اللغو” الذي لا معنى له قط.
أما هذه الحروف، التي افتتحت بها بعض سور القرآن ، فقد فهمت منها الأمة ، التي أنزل عليها القرآن بلغتها العريقة ، أكثر من عشرين معنی ، وما تزال الدراسات القرآنية الحديثة تضيف جديداً إلى تلك المعانى التى رصدها الأقدمون. فلو كانت ” عاطلة ” كما يدعى خصوم الإسلام ، ما فهم منها أحد معنى واحداً.
ولو جارينا جدلاً هؤلاء المتحاملين على كتاب الله العزيز من أن هذه “الحروف” عاطلة من المعانی، لوجدنا شططاً في اتهامهم للقرآن كله بأنه “کلام عاطل” لأنها لا تتجاوز ثماني وعشرين آية ، باستبعاد ” طه ” و ” يس ” لأنهما اسمان للنبي (عليه الصلاة والسلام )، حذف منهما أداة النداء والتقدير : يا ” طه ” یا ” يس ” بدليل ذكر الضمير العائد عليه هكذا:
( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) و ) إنك لمن المرسلين ).
وباستبعاد هاتين السورتين من السور التسع والعشرين تصبح هذه السور سبعاً وعشرين سورة منها سورة الشورى ، التى ذكرت فيها هذه الحروف المقطعة مرتين هكذا:
” حم ، عسق ” فيكون عدد الأيات موضوع فى هذه الملاحظه ثمان وعشرين أية فى القراّن كله، وعدد أيات القراّن الكريم 6236 أية ، فكيف ينطبق وصف ثمان وعشرين أية على 6208 أية؟
والمعانى التى فهمت من هذه “الحروف” نختار منها ما يأتى فى الرد على هؤلاء الخصوم.
الرأي الأول:
يرى بعض العلماء القدامی أن هذه الفواتح مثل: ” الم ، والر ، والمص ” تشير إلى إعجاز القرآن، بأنه مؤلف من الحروف التي عرفها العرب، وصاغوا منها مفرداتهم، وصاغوا من مفرداتهم تراکيبهم، وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئاً، ومع ذلك كان القرآن معجزاً لا لأنه نزل بلغة تغاير لغتهم، ولكن لأنه نزل بعلم الله عز وجل، کما يتفوق صانع على صانع آخر في حذقه ومهارته في صنعته مع أن المادة التي استخدمها الصانعان في “النموذج المصنوع” واحدة وفي هذا قطع للحجة عنهم.
ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى :
( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين • فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون (.
يعنى أن اللغة واحدة، وإنما كان القراّن معجزة لأمر واحد هو أنه کلام نازل وفق علم الله وصنعه، الذى لا يرقى إليه مخلوق.
الرأي الثاني:
إن هذه الحروف المقطعة التى بدلت بها بعض سور القراّن إنما هى أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة فمثلاً: “الم” فى مطلع سورة البقرة وهي تنطق هكذا:
” ألف – لام – ميم ” تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة أصوات، يتخللها المد؛ مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه، وتجدبه لعقبي الكلام قبل أن يسمع السامع قوله تعالى بعد هذه الأصوات التسعة: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالی ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه “الحروف” في فواتح السور عبارة “قرع عصى” وهي وسيلة كانت تسعمل في إيقاظ النائم وتنبيه الغافل، وهي كناية لطيفة، وتطبيقها على هذه “الحروف” غير مستنكر، لأن الله -عز وجل- دعا الناس لسماع کلامه، وتدبر معانيه، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:
( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )
الرأي الثالث:
يرى الإمام الزمخشري أن في هذه “الحروف” سراً دقيقاً من أسرار الإعجاز القرآني المفحم وخلاصة رأيه نعرضها في الآتي:
وأعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانة فی الفواتح من هذه الأسماء- يقصد الحروف -وجدتها نصف حروف المعجم، أربعة عشرسواء، وهى الألف واللام والميم والصاد، والراء والكاف والهاء، والياء والعين والطاء والسين والحاء، والقاف والنون، هى تسع وعشرين سورة على حذو حروف المعجم.
ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف، وبيان ذلك أن فيها:
من المهموسة نصفها:
الصاد ، والكاف ، والهاء والسين والخاء.
ومن المجهورة نصفها:
الألف واللام والميم، والراء والعين والطاء، والقاف والياء والنون.
ومن الشديدة نصفها:
الألف والكاف، والطاء والقاف.
ومن الرخوة نصفها :
اللام و الميم ، والراء والصاد ، والهاء والعين ، السين والحاء والياء والنون.
ومن المطبقة نصفها :
” الصاد والطاء”.
ومن المنفتحة نصفها :
” الألف واللام ، والميم والراء ، والكاف ، والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون”.
ومن المستعلية نصفها: ” القاف والصاد، والطاء “.
ومن المنخفضة نصفها: الألف واللام والميم، والراء والكاف والهاء، والياء والعين والسين، والحاء والنون.
ومن حروف القلقله نصفها : “القاف والطاء”.
يريد أن يقول : إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان إعجازیان :
الأول : من حيث عدد الأبجدية العربية، وهي ثمانية وعشرون حرفاً، فإن هذه الحروف المذكورة في فواتح السور تعادل نصف حروف الأبجدية، يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفاً والذي لم يذكر منها أربعة عشر حرفاً :
14+14 = ۲۸ حرفا من مجموع الأبجدية العربية.
الثانى : من حيث صفات الحروف وهی :
الهمس في مقابلة الجهارة ..
الشدة في مقابلة الرخاوة ..
الانطباق في مقابلة الانفتاح ..
والاستعلاء في مقابلة الانخفاض ..
و القلقلة في مقابلة غيرها ..
نجد هذه الحروف المذكورة في الفواتح القرآنية لبعض سور القرآن تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع المذكورة ، وهذا الانتصاف مع ما يلاحظ فيه من التناسب الدقيق بين المذكور والمتروك ، لا يوجد إلا في كلام الله المنزل على محمد ( عليه الصلاة والسلام ) وهو ذو مغزى إعجازی مذهل لذوی الألباب ، لذلك نرى الإمام جار الله الزمخشري يقول معقباً على هذا الصنع الحكيم:
فسبحان الذى دقت فى كل شيئ حكمته، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عز اسمه عدَّد على العرب الألفاظ التى منها تراكيب كلامهم ، إشارة الى ما ذكرت من التبكيت لهم ، وإلزام الحجة إياهم.
لو كانت هذه “الحروف” من الكلام العاطل لما ترکها العرب المعارضون للدعوة في عصر نزول القرآن، وهم المشهود لهم بالفصاحة والبلاغة ، والمهارة في البيان إنشاء ونقدا ، فعلى قدر ما طعنوا فى القراّن لم يثبت عنهم أنهم عابوا هذه “الفواتح” وهم أهل الذكر”الاختصاص” فى هذا المجال، وأين يكون “الخواجات” الذين يتصدون الآن لنقد القراّن من أولئك الذين كانوا أعلم الناس بمزايا الكلام وعيوبه؟!
وقد ذكر القرآن نفسه مطاعنهم في القرآن، ولم يذكر بينها أنهم أخذوا على القرآن أي مأخذ، لا في مفرداته ولا في جملة، ولا في تراكيبه بل على العكس سلموا له بالتفوق في هذا الجانب، وبعض العرب غير المسلمين امتدحوا هذا النظم القرآني ورفعوه فوق كلام الإنس والجن.
ولشده تأثيره على النفوس اكتفوا بالتواصى بينهم على عدم سماعه والشوشرة عليه.
والطاعنون الجدد فى القراّن لا قدرة لهم على فهم تراكيب اللغة العربية، ولا على صوغ تراكيبها صوغاً سليماً، والشرط فيمن يتصدى لنقد شئ أن تكون خبرته وتجربته أقوى من الشئ الذى ينقده، وهذا الشرط منعدم أصلا عندهم.