أنا والأيام وكورونا*
بقلم/ غادة عقل
لم أكن يوما متشائمة منذ صغري وأنا أرى أن الجميل قادم مهما تطاول اختباؤه خلف الأفق.
كنت أنظر لغضب أبي أنه مقدمة العاصفة التي سرعان ما تزول لتشرق بعدها شمس الدفء من عينيه المصوبتين نحوي وأنا صامته والدمع يلمع في مقلتي، فيبدأ بالضحك ويصالحني ويأخذني من يدي ليشتري لي الحلوى “فتكون رشوة ليرى ضحكتي” ولكني اتصنع أنني لا زلت حزينة لأحظى بالمزيد من الأحضان والقبل.
نعم كنت أحتال ليزيد الدلال ويطول العناق، ويده تربت على كتفي ويقول لي “حبيبتي كله ولا زعلك”.
كنت أجد السعادة في صوت أمي وهي تناديني لأجلس بقربها لتسرح شعري وتخبرني بقصص الأميرات.
كنت أشم رائحتها الجميلة وأنا بقربها كانت لها رائحة تشبه رائحة الياسمين، وكان وجهها كما البدر يسر الناظرين.
كنت أبحث عن الفرح بين ألوان الطيف، و أجده يبتسم لي من بعيد.
كنت أحادث القمر كل ليلة سرّا وأخبره بما فعلت طيلة النهار، كنت أظنه حبيبي السري الذي لا يجب أن أحدث عنه أحدا.
كانت السعادة تسكن الحب
وما زالت تسكنه، ورغم كل ما مررت به في حياتي، من قسوة وخذلان ومرارة أسقتني إياها الأيام.
رغم كل ما يدور من حولي ورغم الفوهة التي تضيق حول وجداني ما زالت هالة الفرح تحيط بي، وما زال هناك أمل يلوح من بعيد، ما زالت موسيقى الكون تعزف بالقرب من أذني، وما زالت البلابل تشدو بالقرب من نافذتي على شجرة في حديقتي زرعتها حبا و نقاء وسيجت بها بيتي.
ما زالت عيناي تحرسان هذا البنيان الذي يسكنه أبنائي وما زلت أرى الشمس تشرق مع أول ابتسامة أراها على محياهم الجميل.
وأغرق في نهر من الشهد عندما أراهم قد كبروا وأصبحنا كما الأصحاب نلعب ونلهو ويشاكس بعضنا بعضا، أشعر حينها أن العمر الذي مضى وأنا أربيهم وأتعب وأسهر وأعاني قد مر مرور البرق وكأني لم أتعب يوما فكيف أتذكر التعب وأنا أجني ثمر ما زرعت طوال السنين حبا ومودة وأرى أولادي بخير يملؤون حياتي سعادة وحنانا.
هذا الحظر لا يتعبني فأنا أعيش أسعد لحظاتي بين أحضان عائلتي الجميلة.
أنا قوية كما القلاع لم تهدمني يوما مطرقة الحياة بل زادتني قوة لأعبر نهر المتاعب لأصل إلى ضفاف الحب مع من أحب.
هذا الحجر علمني أني أقوى من كورونا و أني سأحمي عائلتي التي أحب و بيتي الذي بنيت لبنة لبنة حبا، سلاما، حتى أصبح صورة عن الجنان.
*نشر بالتنسيق مع موقع مدار الساعة.