أكد فضيلة الأستاذ الدكتور حسني التلاوي وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر بالقاهرة أن الموظف الذي أنعم الله عليه بوظيفة ينبغي أن يؤدي حقها فتمثل له معبرا إلى الجنة وعدَّادا للحسنات في الدنيا، وبمعنى آخر ينبغي أن يبغي بوظيفته الآخرة.. قال تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ).
وقال في حديث سريع لـ “صوت الشعب نيوز”: مِن الناس مَن يَسأل الله -عزَّ وجل- في كل لحظة تَمُرُّ عليه، وفي كل ركوع وسجود، وفي أدبار السجود، ويسأل الصالحين الدعاءَ له، ووالديه والأقربين:
فإذا ما جاء مراجعٌ لقضاء مصلحته، واللهُ أعلم مِن أين أتى؟! ومتى استيقظ؟! ومدى معاناته في مواصلاته؟! وكم أنفق من أمواله؟! وإذ به يجد الباب مغلقا، فيَسأل….، والرد: موجود، لكنه يفطر.
يجلس بروحٍ معنويةٍ يعلمها خالقه -سبحانه، ثم بعد وقت قد لا يتجاوز نصف الساعة -بفضل الله تعالى- يُفتَح البابُ بوجهٍ متجهم عبوس، ويَدخل المسكينُ صامتا، مبتسما، يعمل قدر جهده على إظهار عدم تضجره، ويا وَيْلَهُ وسوادَ لَيلِه إذا تفوَّه بِبِنتِ شَفَةٍ، أو ذكر شيئا يتعلق بتأخرهم في قضاء مصالح الناس!!!
وأخرى تأتي بعد العاشرة، وتفتح مكتبها، ويأتيها اتصال، وترد، وترحب، وتتناقش، وتُقنع من معها على الخط أو يقنعها، والمسكين أمامها، محافظ على ألا يُظهِر امتعاضه أو -لا سمح اللهُ- اعتراضَه، حتى إذا انتهت، مَدَّت يدَها وأخذت أوراقه، وقلَّبتْها، ووقَّعتها، ووضعتها في جهته وناحيته، دون قول أو نظر أو اعتذار.
وآخر يجلس في مكتب زميله، تاركا مكانه، يشربون الشاي، ويدخنون الدخان، ويتكلمون في اللاعب العالمي (مِيسِّي)، وسعرِه عالميا، فإذا ما جاءه المسكين ليطلب منه الختم لورقه، قال له بوجهٍ لا يُطاق: أنا جاي جاي، أنا معايا ختم؟؟! .. في المكتب، حتى ينتهي موضوع حديثه مع صاحبه، ويذهب ويختم.
وآخر، وآخر، وآخر،،،،،،،
وأخرى، وأخرى، وأخرى،،،،،،،
وهناك من لا ينسى لحظةَ تذلله لله -رب العالمين- وطلبَه من الصالحين الدعاءَ له أن يمن الله -تعالى- عليه بتلك الوظيفة، فيكون على مكتبه قبل مواعيد العمل الرسمية، ولا تراه يأكل في مكتبه أبدا كأنه صائمٌ جميعَ أيامه، ولا يستأذن إلا في أشد الحالات، ولا يترك مكانه إلا مضطرا، وإذا حان وقت الصلاة صلى في وقت لا يزيد عن المعهود في أداء الصلاة، حتى إذا ما انتهى يومُ عمله، انطلق إلى بيته سعيدا مسرورا.
سعيدًا لأنه لم ينسَ لحظة فرحه وقتَ أن بُشِّرَ بالفوز بتلك الوظيفة، وإذا ما جاء هذا الذاكرَ مراجعٌ لقضاء مصلحته، عامله بروح السعادة التي كان عليها وقتَ أن بُشِّر بوظيفته، وكأن لسان حاله يقول: تعالَ يا من اختارني الله -تعالى- لقضاء مصلحتك دون غيري من المتقدمين الداعين الحريصين المتذللين..
الله الله الله.
هناك فرقٌ بين مَن يعمل في وظيفة ذاكرًا نعمةَ الله -تعالى- عليه، ذاكرًا حالَ غيرِه ممن لم يَكتبِ اللهُ -تعالى- له مثلَ ما كتَب له، وبين من يعمل في وظيفة يظن أن الله -تعالى- لم يخلق لها غيرَه من البشر..
هناك فرقٌ بين من يجعل هدفه أن تكون كلُّ دقيقة يجلسها في محل وظيفته بحسنة، والحسنةُ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعف، والله يضاعف لمن يشاء، وبين من يجعل وظيفته فَردًا لعضلاته على المراجعين، وتحجيما لهم، مع البراعة في فنون الاستئذان، وجلب الأعذار، ما صدق منها وما كذب.
هناك فرقٌ بين مَن همُّه أن تكون وظيفتُه قنطرةً يعبُر من خلالها إلى الجنة، وبين من تكون وظيفتُه جالبةً عليه سُخْطَ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين.
وختم د. التلاوي حديثه بالدعاء: اللهم اجعلني ممن لا يَنسَوْن لحظةَ انتظارهم الفوزَ بوظائفهم، واجعلها -يا ربي- قنطرةً أعبُر بها -بفضلك وكرمك- إلى الفردوس الأعلى، اللهم وجميعَ الموظفين والإداريين والناس أجمعين.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.