كتب د. أحمد عيسى:
على مدى عشر سنوات، عاش الشعب السوري أزمةً وحشية لا هوادة فيها، ثم جاءت في الآونة الأخيرة جائحة (كوفيد-19) والعقوبات الإقتصادية الأكثر قسوة لتزيد من تضخُّم الإحتياجات الإنسانية، مما جعل المدنيين (الذين ليس لديهم مصلحة في النزاع ) يقاسون من وضعٍ معيشي لا يمكن إحتماله أكثر من أي وقتٍ مضى.
أكثر من 11 مليون سوري، كانوا في السابق مكتفين ذاتياً، يعتمدون اليوم على المساعدات الإنسانية، في حين تجاوز معدل البطالة 50% وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 133% خلال عامٍ واحد.
في الوقت الذي يكافح فيه النازحون والمجتمع المضيف والعائدون والمقيمون لتلبية إحتياجاتهم من الغذاء والمياه والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى. وخلال سبعة أشهر فقط، أرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من إنعدام الأمن الغذائي في سوريا من 7.9 مليون إلى 9.3 مليون شخص.
يقول رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فرانشيسكو روكا: “يشكِّل وباء (كوفيد-19) حافزاً سلبياً لمجموعةٍ من التحديات الجديدة والمعقدة بما في ذلك: تقييد حركة البضائع، تأخير بعض الأنشطة الميدانية، إغلاق الحدود، النقص الخطير في معدات الحماية للموظفين والمتطوعين، وهذه ليست سوى بعض العوامل التي تؤثر بشكلٍ كبير على عملياتنا”، ويضيف: “قد أبرز هذا الوباء أهمية وضرورة الإستجابة المحلية؛ إذ يستجيب متطوعونا وموظفونا بجاهزيةٍ قصوى لتقديم الخدمة على أرض الواقع، بغض النظر عن حظر السفر أو الإغلاق؛ لأنهم جزءٌ من المجتمعات المحلية ويعرفون احتياجاتها وتحدياتها”.
تُعد منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، التي تضم حوالي 11.000 متطوعاً وموظفاً فاعلاً، المنظمة الإنسانية الرائدة في سوريا والتي تقدم خدماتٍ مجتمعيةٍ إغاثية لشرائح واسعة من المجتمع المحلي، وتلعب دوراً محورياً في تقديم المساعدة الحيوية، على الرغم من القيود الأمنية الضخمة وبيئات العمل الصعبة.
منذ عام 2011، استشهد 65 موظفاً ومتطوعاً، بالإضافة إلى ثمانيةٍ من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني العاملة في سوريا، أثناء تأدية واجبهم الإنساني، وجُرح أو أُحتُجز عددٌ أكبر، كان آخرها في إدلب، في المنطقة الشمالية الغربية.
وفى حديث رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، المهندس خالد حبوباتي حول المسؤولية الملقاة على عاتق المنظمة قال : “يقوم متطوعونا وموظفونا بتقديم المساعدة المنقذة للحياة لأكثر من 5 ملايين شخصٍ شهرياً على امتداد سوريا، ولإستمرار تقديم هذه المساعدة، نحن بحاجةٍ ماسَّةٍ للعمل بما ينص عليه القانون الدولي الإنساني في أحقيَّة الحصول على الضمانات الكافية التي تتيح للعاملين في المجال الإنساني الإستجابة ضمن بيئةٍ آمنةٍ لا يكونون مستهدفين فيها؛ ليواصلوا تقديم مساعدةٍ إنسانيةٍ محايدةٍ ومستقلةٍ وغير متحيزة”، ويضيف: “ورغم كل العوائق والتحديات، ما يزال متطوعونا يعملون بأقصى الإمكانيات وخاصةً في الشمال السوري، إلا أن التحديات الأخيرة التي فرضها انتشار فيروس كورونا المستجد والعقوبات الاقتصادية المؤسفة باتت تشكِّل تهديداً مباشراً على إمكانية المنظمة في تلبية إحتياجات الفئات الأشد ضعفاً والأعداد المتزايدة من المتضررين”، ويتابع: “كما أننا بحاجة ماسة لدعم من جميع الجهات المانحة مع تأكيدنا الكامل أن جميع المساعدات هي للناس الأكثر ضعفاً، كما نؤكد أننا في حال حصولنا على الدعم الكامل بتأمين الوصول الإنساني إلى جميع المحتاجين في كافة أنحاء سوريا”.
يعمل الهلال الأحمر العربي السوري عبر 14 فرعاً ضمن الحدود الوطنية لسوريا المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بما في ذلك 68 فرعاً فاعلاً، في المناطق التي تسيطر عليها أطرافٌ مختلفة. أكثر من 11 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، من بينهم 6 ملايين شخص أُضطروا لمغادرة مناطقهم، بعضهم للمرة الثانية أو الثالثة خلال سنوات الأزمة. ويشكِّل انتشار (كوفيد-19) وإستمرار إشتعال الصراع المسلح تهديداً مستمراً، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في مخيمات مثل الهول أو الضواحي المزدحمة – إذ إزداد عدد النازحين أكثر من الضعف – حيث يكون التباعد المكاني مستحيلاً.
“إن الاستجابة لاحتياجات السكان الذين يفتقرون إلى المقومات الأساسية لمعيشتهم هو إلتزامٌ قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني، وفي كثيرٍ من الأحيان، أُستُخدم وصول المساعدات الإنسانية من قِبل أطراف النزاع في سوريا كورقة ضغطٍ في المفاوضات السياسية”. يضيف فرانشيسكو روكا، رئيس الإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، “وقُبيل مؤتمر بروكسل الرابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، يدعو الهلال الأحمر العربي السوري والإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر جميع الأطراف إلى إحترام قرارات الأمم المتحدة، التي تضمن الوصول الآمن والحماية للعاملين في المجال الإنساني وكذلك المدنيين”.
كما يدعو الهلال الأحمر العربي السوري والإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الجهات المانحة إلى مواصلة دعمهم داخل سوريا وفي المنطقة عموماً، مع تركيز الجهود على الدول المجاورة التي تستضيف لاجئين من سوريا.
في عام 2019، قدَّمت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر مساعداتٍ إنسانيةٍ لأكثر من 3 ملايين شخص في لبنان والأردن ومصر والعراق وتركيا. حيث يعمل شركاء الحركة على مساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة والسلطات في البلدان المجاورة لتمكينهم من التعامل مع النزوح والعبء الإضافي على الخدمات العامة.