نقد النظام الإيراني بين الأصوليين والإصلاحيين
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
لقد أدرك الإصلاحيون في إيران أن الأصوليين قد سحبوا بساط قيادة أجهزة النظام من تحت أرجلهم، فلم تعد لهم القدرة على المشاركة في توجيه النظام أو حتى إدارته، ومن ثم فقد تفرقوا بين من يجتذب أصوليين مرنين لتمثيلهم، أو الحديث باسمهم، ومنهم من يسعى لتقوية تحالف بين الإصلاحيين والمعتدلين، ومنهم من اعتزل ساحة المنافسة، ومنهم من لديه الأمل فشمر عن ساعده ليرفع صوت الإصلاحيين في نقد النظام، وكان من الطبيعي أن يقوم من الأصوليين من يرد عليه، لكن الغريب أن يوجه له النقد أيضا من قبل قيادات إصلاحية.
أكبر نقد للنظام قام به أحد قيادات الإصلاحيين كان من جانب حجة الإسلام والمسلمين سيد محمد موسوي خوئينيها، وهو من كبار علماء الدين الإصلاحيين في حوزة قم العلمية الدينية، ورفيق مؤيد لحجة الإسلام والمسلمين سيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الأسبق وزعيم الإصلاحيين المعتكف المحدد إقامته وحركته، ومن ثم وجب أن نعرض إلى نقد موسوي خوئينيها للنظام، ثم نعرض للردود عليه من جانب الأصوليين وبعض قيادات الإصلاحيين.
كان نقد خوئينيها للنظام من خلال رسالة مفتوحة إلى الزعيم سيد علي خامنئي، نشرت في الصحف وأجهزة الإعلام، وكان لها صدى داخل إيران وخارجها، فيها يقول خوئينيها: لو أن أسلوبا استخدم في إدارة البلاد حتى الآن، فإن ناتج الحسابات المتعارف عليها وعلى أساس الرأي والتحليلات المعروفة في الإدارة، فإن هناك أشخاصا كثيرين كان لهم آراء حق، وينبغي أن يُسمح لهم أن ينقدوا باللسان والقلم، وأن يتحدثوا عن الصحيح والخطأ. هناك بعض المسائل التي أعرضها على شعب إيران الشريف، هناك مقولات تصدقها أذهان هذا الشعب باعتبارها تدعم قوة ومقبولية ومشروعية النظام الإسلامي، بالشكل الذي تسبب أضرارا رأيناها ومازالت تُرى. فعلى لسان كثير من الناس في الأزقة والأحياء وفي بعض المحافل والمجالس يتردد الحديث عن عمق عدم الاعتقاد وعدم الثقة في الإدارة الكبري ومديري الدولة، فالتضخم المتزايد المصاحب لنقص الدخل لدى قطاعات عديدة، لا ينهك حياة الشعب اليوم تحت أسر الصعوبات الضخمة فقط، بل بزيادة الإهمال داخل كثير من العائلات الذي أدى إلى قلق غير محدود على مستقبل أبنائهم، فضلا عن الضغوط الناتجة عن تلاطم الحياة ومشاكلها المعيشية المهلكة، والتي تجعل جماهير كثيرة من الناس غير راضية عن الأوضاع الثقافية والسياسية الخاضعة للظلم الواضح.
لاشك أن أناسا غير قليلين ينتظرون إصلاح الأمور وتغيير الأوضاع السيئة الحالية من أعلى موقع في إدارة البلاد، وليس في عين هذه الكثرة أمل في أن الأوضاع السيئة لن تدوم، بسبب تعللات قرارات المديرين الذين يأتون ويذهبون، ولا شك أن مجيئهم وذهابهم في إطار الإرادة العليا للحاكم على كل مقدرات الدولة، حيث يعتقد الناس أن أسلوب الإدارة على أعلى مستوى وسلطته النافذة هي صاحبة الدور الرئيسي في كل أو أكثر المهام في شئون الدولة.(صحيفة سلام في ٢٦/٦/٢٠٢٠م)
في الرد على رسالة خوئينيها يقول آية الله علي أكبر كلانتري عضو مجلس خبراء الزعامة: أرسل حجة الإسلام والمسلمين إلى الزعيم سيد علي خامنئي رسالة فيها ادعاء ووجهة نظر يطالب بوضعها موضع الاهتمام، وإن الإنسان ليتعجب عندما يسمع منه هذا القول، فإنه يجيب بدل أن يسأل، فرسالته تحوي نقدا ومطالبات وعتابا، وقضايا مثل التضخم وانخفاض الدخل والضغوط التي يتعرض لها مختلف طبقات الشعب وضعف الإدارة في البلاد، بينما كان هو من المسئولين والمديرين الأساسيين سنوات طوال، لكنه كان غير مبال بمن استولوا على السفارة الأمريكية في طهران بعد نجاح الثورة، رغم أنه كان عضو لجنة تعديل الدستور عام ٦٨، ومرشحا لرئاسة الجمهورية، وعضوا في أول مجلس لخبراء الزعامة، وعضوا في مجمع تحديد مصلحة النظام، وكان له دور في كل مجال من مجالات النظام، وما يحدث اليوم هو ناتج عمل وسياسات أمثاله وأفكارهم. إن المشكلة أن الإصلاحيين لم يتوافقوا مع توجيهات الزعامة، في حين أو توجيهات الزعامة كان لها نتائج طيبة ونجاح واضح.
إن رسالة السيد موسوي خوئينيها تمثل فرارا إلى الأمام، فرارا من المشكلات التي كان ينبغي أن يتعامل معها. رسالته غير منصفة ومتجاهلة للإنجازات التي تمت.(وكالة أنباء فارس في ٢٩/٦/٢٠٢٠م)
وقد أدت رسالة موسوي خوئينيها إلى أن يمتد النقد إلى التيار الإصلاحي،
يقول هادي بيكي نجاد عضو البرلمان الإيراني: لقد استهدف الإصلاحيون من رسالة حجة الإسلام والمسلمين موسوي خوئينيها إلى الزعيم خامنئي ثلاثة أهداف، الهدف الأول هو رفع ضغوط الرأي العام عن الحكومة، والهدف الثاني هو إيجاد مجال ومقدمات ضرورية بحيث لونجح ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تبدأ مفاوضات من جديد مع نفس حكومة روحاني مع وجود ورقة رابحة، الهدف الثالث هو أن يحذر القوى الناقدة للفكر الغربي من أنهم إن استمروا في نقدهم،
فإن هذا التيار مستعد لأن يحدث ضررا في النظام، أو بعبارة أخري إما أن يكون شريكا في الحكم أو أن يقلب الطاولة، وكان من الضروري كما قال الشهيد قاسم سليماني أن على المعارضة أن تكتب إلى الزعيم بدلا من أن تكتب للأعداء.(وكالة أنباء فارس في ١/٧/٢٠٢٠م)
يقول المحلل السياسي محمد كاظم انبارلو: لقد استفاد العدو في فتنة ١٨ تير عام٧٨ بحجة إغلاق صحيفة سلام التي كان موسوي خوئينيها يرأس تحريرها، وقد استخدم نفس الأسلوب في عام ٨٨، وظلت البلاد ثمانية أشهر في اضطرابات وقلاقل، لقد كان لمجمع علماء الدين المناضلين وعلماؤه المحترمون، خاصة حجة الإسلام موسوي خوئينيها دور خلاق في هاتين الفتنتين.(وكالة أنباد فارس في ٢٩/٦/٢٠٢٠م)
يقول المحلل السياسي محمد عبدالهي: إن متبعي الغرب يكررون دائما في خطابهم السياسي والإعلامي عددا من الجمل باعتبارها فرض حاسم، ثم يعرضون على الرأي العام نتائج آرائهم بتكنيك التكرار والبدء من الدرجة الثانية، في حين أن كل هذه الأمور تبتعد أساسا عن الواقع، وقد تم الرد عليها مرات.(وكالة أنباء فارس في ٢٨/٦/٢٠٢٠م)
يقول المحلل السياسي محمد علي الفت بور: إن الحساء الذي تقدمه للشعب بكل زوره وتزويره مالح إلى حد أنه يحشرج صوتك وأنا أعطيك الحق في فرصة مناسبة للانتقام من الزعيم الذي يمتلئ قلبك بحقده منذ سنوات.(وكالة أنباء فارس في ٢٨/٦/٢٠٢٠م)
أما المحلل السياسي حسين شريعتمداري فقد قام بنقد شديد لكل كلمة وردت في خطاب موسوي خوئينيها، ثم إنهى مقاله بقوله: في نهاية كلامي أتوقع من القراء أن يقرأوا رسالة السيد خوئينيها مرة، ولو وجدوا نقطة واحدة فقط تؤكد الاختلاف مع المطالب الرسمية المعلنة من أمريكا وإسرائيل، أرجو أن يخبروني بها(صحيفة كيهان في ٢٨/٦/٢٠٢٠م)
من غير المتوقع أن يقوم بعض قيادات التيار الإصلاحي بنقد خوئينيها ورسالته، يقول صادق زيبا كلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، وهو من قيادات الإصلاحيين: إن موسوي خوئييها من أكثر الناس الذين أعرفهم تكبرا، إن طبيعة موسوي خوئينيها أن يشير بإصبع الاتهام كل فترة إلى أحد شخصيات النظام، فيوما ضد هاشمي رفسنجاني، ويوما يخاطب الزعيم لعرض المشاكل، فإذا كان هناك متهمون يمثلون أمام المحاكم بشأن الظروف الحالية، فإن موسوي خوئينيها هو أول شخص ينبغي أن يحاكم في الوقت الحالي فهو يحاول من خلال إلقاء التهم على غيره أن يبعد عن نفسه المسئولية، لربما ينسى الناس أنه سبب انحراف خطاب الثورة، فضلا عن أنه سكت إزاء القضايا الهامة للبلاد، ولم يتخذ موقفا من أحداث ٧٦و٩٦و٩٨. في الواقع أنا وعبدي وتاجزاده وأصغر زاده وخاتمي وعدد آخر من قيادات الإصلاحيين مقصرون في الظروف الحالية، لكن السيد موسوي مقصر قبلنا وأكثر منا، كما كان مقصرا في موضوع استيلاء الطلاب على السفارة الأمريكية في طهران.(وكالة أنباء فارس نقلا عن فردا في ٢٨/٦/٢٠٢٠م )
وقد تنصلت أجهزة يسيطر عليها التيار الإصلاحي من كلام خوئينيها مثل مجمع علماء الدين المناضلين، يقول المحلل السياسي مهرداد خدير: أكد مجيد أنصاري وهو من قيادات مجمع علماء الدين المناضلين(روحانيون مبارز) أن ما ذكره موسوي خوئينيها هو رأيه الشخصي وليس موقف المجمع.(صحيفة عصر ايران في ٣٠/٦/٢٠٢٠م)