كورونا…
رسالة من الله أم عقاب؟
بقلم د/ أحمد سعد عقل
تحمل الظواهر الكونية، والأحداث الجسام في طياتها رسائلَ وإشاراتٍ وتنبيهات وتحذيرات، كما تحمل في طياتها بشريات من الله رب العالمين. وسنن الله في الكون لا تتبدل؛ فالله سبحانه يمد لعباده أسبابًا ليحيوا بها حياة طيبة، من مأكل، ومسكن، وأمن، وعقل يساعدهم في تسيير أمورهم بما يتوافق مع مقتضيات عصرهم، فمنهم من يأخذ بهذا كله ويسخره في اتجاه الخير وإعمار الأرض، ويقوم في كل هذا على حدود الله؛ فيأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، فيستحق هذا الصنف منهم محبته ورضوانه، ولا يخيب لهم رجاء، ولا ترد لهم دعوة، وتسعد بهم الأرض، بل الكون كما يسعدون في عاجل أمرهم وآجله. هؤلاء إن حلّ بهم بلاء، أو نزلت بهم نازلة كان ملاذهم هو الله، ويقينهم بأن خالقهم مدبر أمرهم يقدر لهم الخير في كل أمر.
وصنف يمد لهم الله من الأسباب مدًا، فيسخر لهم ما يملكون به – وهمًا منهم – أقطارَ الأرض، ويسعَون لامتلاك السماء، ثم لا يلبثون أن يبدلوا، ويحرفوا، ويحيدوا عن المنهج الذي ارتضاه لهم خالقهم، وتناسى هؤلاء أنهم خلقٌ من خلقه، وعبيدٌ في ملكه، فيملأهم الصلف، ويسيطر عليهم الغرور، ولا يتذكرون أن: قارون كان من قوم موسى، فبغى عليهم، فكان عاقبتَه الخسفُ، وأن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، فكان جزاؤه الطردُ من رحمته وجنته، وأن ابنَ نوحٍ لم تنفعه منزلة أبيه عند ربه لما عصاه، فكان من المغرقين. وأنه لا أحدَ يغني عن أحدٍ من الله شيئًا، وأن الملكَ ملكُُ الله، والأمرَ أمرُه، والتدبيرَ تدبيره، وأنه صاحبَ الصنعةِ، وهو أعلم بما يصلحها وما يفسدها، فمن أخذ بأسباب النجاة… نجا، ومن غرته نفسُه وهواه… وقع في دركات الهلكة، وصار عِبرة لغيره.
ممالك وأمم غيرت وبدلت، وحرفت واستكبرت، وبغت وتجبرت، واعتدت وظلمت، وعالم فسيح شاهدَ وصمت، واستمع وأنصت ولم ينكر، فأتت رسائل تحذير وإنذار للجميع، وإشارات تنبيه من الله الذي يرى ويسمع، ويدبر الأمر ولا يعجزه شيء، فاستعان الناس بنظريات وفلسفات تفسر الأحداث، ترجعها لعوامل الطبيعة، ومؤثرات الأحداث، وكأنها تخشى أن تواجه نفسها بحقيقة الإنذار، كنعامة هبت ريح فدست رأسها في الرمال، ولو أنهم وضعوا الأمور في نصابها، ونحوا نظرياتهم العقيمة جانبا، وأخذوا بمنهج الخالق الذي ارتضاه لهم، وقاموا بما من أجله أوجدهم وخلقهم؛ لتبدل حال الكون، ولاستجابت كل عناصر الطبيعة منصاعة لأمرهم، مسخرة لهم، ألم يسخر الله لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب؟ والجن بين يديه طائعة لا تخرج عن طوعه وأمره، أيعقل أن يحارب في ملكه ملك قادر مقتدر، من عبيد لا يملكون من أمرهم شيئا، وهم في ملكه ومسخرون لأمره ؟ ما يحدث من مبارزة الله بالعصيان والمعاصي نذير شؤم، وداعٍ للعقاب، وما يحدث من كثرة الخسف، والظواهر التي لم تكن بهذا التكرار كالعواصف، والأعاصير، والفيضانات، والأمراض التي لم تكن في السابقين، والأوبئة التي جنتها يد البشر، أليس كل هذا مدعاة للتفكر والتأمل؟ علها تكون عودة ألى فطرة الله التي فطر الناس عليها، بعيدًا عن فلسفات زائفة، وما تلك النظريات التي تحيد بالبشرية عن صراطها المستقيم إلا سراب كاذب، تسعى نحوه العقول حتى إذا جاءته لم تجده شيئا ووجدت خيبات الآمال، وحياة الغرور، إنها نظريات فاسدة تلك التي لا تضع الإنسانَ في موضعه الصحيح من الكون، ولا تُقَدّر للخالق العظيم قدرَه.
لعل هذه الأزمة بما فيها رسالة للبشرية للعودة إلى رسالتها التي خلقت لها، وهي رسالة قبل العقاب، فلو نزل العقاب، فلا رادّ له ولا منقذَ منه، والأممُ السابقةُ شاهدة على هذا، خسفٌ، ومسخٌ، وزلزلةٌ، وصيحةٌ، وجنود من الله.
فاعتبروا يا أولي الألباب.