كثيرا ماتنتاب الإنسان حاله من المراجعه لكافة مواقفه ، وإدراك أموره وأمور الناس ، والتأمل فى أحوال البشر ، وذلك فى لحظات المرض ، أو التعايش مع المحن ، كثيرا أدرك ذلك حيث أكون برفقة أسيادى المرضى ، وقبل ذلك تنبهت لهذا المعنى حيث كنت أجلس فى رحاب صديقى الحبيب معالى الوزير الدكتور عبدالهادى راضى وزير الرى رحمه الله أنبل من عرفت وصادقت فى حياتى فى محنة مرضه ، كنا نتهامس حينا ، ونتحدث كثيرا حديث الصدق حيث كنت أتواجد كثيرا برفقته بالمستشفى ، وكان لديه إيمان بقضاء الله وقدره طيب خاطرى ، فتعايش مع مرضه راضيا مرضيا ، وكثيرا ماكان يحدثنى فى مراجعات أتعجب لها من بساطتها لكنها عنده كانت تمثل أمرا عظيما ، وكان دمث الخلق يحكى بإحترام فاق الوصف عن أمور الدنيا ، ومايمر به الإنسان من منعطفات الحياه .
تعاظم ذلك حيث يزلزل كيانى من ينشد لدى تدخلا لمساعدته لإستئصال ورم يعانى منه حيث إكتشفه فجأه دون سابق إنذار ، وكيف أن الحياه تقزمت أمامه وأصبح من الزاهدين ، وتنازل طوعا أو كرها عن طموحه الذى ظل يحلم بتحقيقه وأصبح أمله فى الحياه أن يتعافى ليدبر شئون أولاده ، وآخر لايريد إلا الستر ولايطلب رفاهيه فى العيش إنما يتمنى تدبير فرصة عمل تعوض معاشه الذى لايكفى طفل صغير ، ولايفى بمتطلبات علاجه ونفقات زواج بناته ، ولايستطيع من خلاله مواجهة أقل القليل من متطلبات حياته المعيشيه ، وثالث تعرض لمحنه فانقلبت أحواله وأحوال أسرته رأسا على عقب ، وبات ليلهم نهارهم لايشعرون للحياه بطعم خاصة عندما يفتقدون جابرا للخاطر ، أو معينا له لتجاوز محنته ، قد يبدو الأمر سهلا فى قراءته لكنه عظيم الشأن عندما يغوص الإنسان فى أعماقه .
حقا .. ماأضعفك أيها الإنسان ، هكذا أقول كلما تعرضت أو احد الاصدقاء لنزلة برد ، أو أدركت الصقيع الذى يطل علينا ليلا فيقطع أوصالنا ، ويزلزل أجسادنا ، ويجعلنا نكفكف رغم وجود الدفايات ، لذا أتعجب من الأخ الذى لايسأل على أخيه ، أو يقف أمامه خصما أمام قاضى ينشد لديه حقا له ، والجار الذى يتجنب جاره ، والصديق الذى يبتعد عن صديقه ، وصاحب المنصب الذى تنتابه حاله من الزهو والخيلاء لأنه يأمر فيطاع ، ويخط بقلمه تقريرا يدمر به مستقبل أى إنسان أو يرفع شأنه ، جميعا نسوا أنفسهم ولم ينتبهوا أننا جميعا إلى زول ، حتى أصحاب المناصب والقابعين على الكراسى الذين قهروا إرادة الناس وظلموهم ، غدا سيحالوا للمعاش ولايجدوا من يصافحهم ، أو يذكرهم بخير فيعيشوا منبوذين تلاحقهم لعنات من ظلموهم ، ويكفى أنهم سيعيشوا فى عزله لايرن فيها تليفونهم بعد أن كان جرس التليفون يرن صباح مساء وكل الوقت ، ويظلوا يتحسرون على قرنائهم الذين إحتضنهم الناس بين الضلوع بعد تحللهم من المنصب ، وأدوا رسالتهم بالذمه والشرف والامانه ، لذا كان من الطبيعى أن يضعهم الناس فى القلوب ، لأنهم قدموا كل الخير ومازالوا ، وطيبوا خاطر المنكسرين ومازالوا ، فما تأثروا مجتمعيا بتركهم للمنصب بل بالعكس ظلوا يحتفى بهم أينما وجدوا ، وظل الحديث عنهم فخرا لأبنائهم وأحفادهم .
هؤلاء يجدوا أنفسهم يعيشوا فى سعاده غامره ، تأثرا بمكانتهم الرفيعه فى قلوب كل من قدموا لهم معروف ، أو رفعوا عنهم ظلم ، ويظل الترحيب بهم كبير فى كل محفل ، وتقديرهم وتوقيرهم أشد مما كانوا عليه فى المنصب وهذا هو الكرم الإلهى لهم ، وهم كثر بفضل الله فى القلب منهم تيجان الرؤوس إخوتى الأعزاء الذين لم تنجبهم أمى معالى الوزير النبيل المهندس محمد عبدالظاهر محافظ القليوبيه والإسكندريه السابق ، والمهندس سامح فهمى وزير البترول السابق ، والدكتور سيد أحمد الخراشى أبوالبترول بالإسكندريه ، واللواء طارق عطيه ، واللواء سليمان نصار مساعدا أول وزير الداخليه السابقين ، حبا لهم أمنحهم ورده وكل الأكارم أمثالهم ويكفى شهادتى هذه للتاريخ دليلا على وفاء حقيقى ، ويكفيهم رضاء من رب العالمين سبحانه أنهم يعيشوا فى سعاده فما أروع أن يعيش الإنسان فى سعاده وراحة بال ، ممزوجة بحب حقيقى من الناس بلا غايه ، أو هدف ، إنما لله وفى الله ، لأنه كان كتله من العطاء ، وينبوعا من الخير أفاض على الناس .
كثيرا مايلح على خاطرى أن أسأل نفسى هل من المعقول أن كل هؤلاء الناس لايشعر بهم أحد ، هل من المعقول أننا فقدنا بداخلنا الإنسانيه فبات الصراع الدامى من المسلمات ، والمكائد من الطبيعى ، وقهر الإنسان لأخيه الإنسان منهج حياه ، هل من الطبيعى أن يكون المنافقين ، والأفاقين ، محل ترحيب وتوقير ، والصادقين والكرام محل إستهجان فى المجتمع تأثرا بوشايات ، هل نسينا جميعا أن للكون إله ، وأن الموت قادم لامحاله ، وسنرحل جميعا عرايا فى أكفان ، لايستثنى من ذلك أحدا كائنا من كان ، وأنها إما جنة أبدا وإما نار أبدا ؟ . أطرح ذلك حيث نهاية الأسبوع الذى يطيب لى فيه أن أحدث مراجعه مع نفسى لأحوالى ، وما يمر به البشر ، لعلنى أنتبه لضرورة إدراك قيمة الخير بالمجتمع ، وجبر خاطر المنكسرين ، وإحتضان الملهوفين ، وذلك كإنسان بسيط يتعايش هموم الناس ويتأثر بأحوالهم ، ويهزه المرض هزا ، ويزلزل كيانه بكاء رجل تأثرا بعجزه عن توفير متطلبات أولاده ، وليس كواعظ فأنا لاأزعم أننى فقيها فى الدين ، أو ملما بأحكامه ، أو منوطا بى تحمل مسئولية توضيح الأحكام الشرعيه لعموم الناس ، وهى لاشك مسئوليه عظيمه ونبيله ، لكننى فى يقينى يكفينى أن أعرف من الأحكام الشرعيه ، والعلوم الدينيه مايبصرنى بأمور دينى شأن كل مسلم ، لأنه يكفى أن يقوم بهذا العمل الجليل والعظيم فئة من الناس متخصصين يتولون نشره بين جموع البشر .