أصبحت أتعايش كل يوم مع فواجع القدر ، حيث رحيل الأكارم الفضلاء ، الذين تربعوا فى القلب بطيب نفوسهم ، وكريم خلقهم ، لذا أتعجب كثيرا عندما أدرك صراعا يدور بين الرفقاء تنافسا على منصب ، أو حرصا على مغنم ، أو رغبة فى سلطه ، دون إنتباه أو حتى إدراك أننا جميعا راحلون ، وفى لحظه سنكون ذكرى كما أصبح أعز الأصدقاء ، عظم ذلك ماقال به أبى العلاء المعري ” تعبٌ كُلّها الحياةُ فما أعـجبُ إلا من راغبٍ في ازدياد ، إنّ حزناً في ساعة الموت أضعاف سرورٍ في ساعة الميلاد ” .. بات الموت يزلزل كيانى رغم يقينى وإيمانى أننا جميعا سنموت وفق مقدور الله تعالى رب العالمين سبحانه ، تأثرا بذلك تنتابنى حاله من الزهد حتى فى أبسط متطلبات الحياه ، وعدم الإقتراب إلى المشاحنات التى تحدث بين الناس ، والإبتعاد عن كل المزايدين ، أو الدخول فى تطاحنات ، بل إننى أصبحت كثيرا ماأشارك رائد الجلسات العرفيه ببلدتى بسيون الحاج يونس الزيات فى الإعتذار عن الجلسات العرفيه التى تفصل بين المتطاحنين لإنحدار المستوى العام فى سلوك الناس ، وعدم إدراكهم أننا جميعا إلى زوال .
قفزت كل تلك المعانى أمامى وزاحمت تفكيرى تأثرا برحيل كاتبنا الكبير والنبيل أخى الحبيب وصديقى العزيز ، وزميلى الفاضل الأستاذ محمد عبدالجليل ، تاركا خلفه إرثا من المحبه فاقت الوصف ، وعظيم المواقف التى تكشف عن معدنه الأصيل ، ورسخ بداخلنا أهمية أن يكون الإنسان صاحب موقف ، معطاء بلا حدود ، وأن يكون الإنسان كريم الخلق صاحب مبدأ ، ولديه رصيد من المواقف تجعله متربعا فى قلوب محبيه ، الأخ العزيز محمد عبدالجليل حدوته مصريه ، غاصت فى اعماق الكيان ، فأفرزت محبه وسعت كل الأحباب ، من أجل ذلك سيظل يضيىء حياتنا بخصاله الطيبه ، وماتركه من أثر عظيم فى النفس ، ليس هذا على سبيل المجاز ، بل واقع يقينى أدركته حيث تزاملنا فى شرفة الصحافه البرلمانيه ، وأسعدنى كثيرا صدقه ، ومهنيته ، وأصالته ، وإحترامه .
لعله من النوادر أن تنساب الدموع من عينى ، رغم يقينى أن البكاء فى الملمات ، وعند فراق الأحباب ترويح عن النفس ، وتطييب للخاطر ، ومنطلقا للراحه ، وسلوى للنفس المتعبه ، تعاظم ذلك حيث البكاء على رحيل الغالى ، والحبيب الزميل العزيز الكاتب الصحفى الكبير محمد عبدالجليل نائب رئيس تحرير الجمهوريه ، النموذج المشرف للجماعه الصحفيه ، بكيت وكيف لاأبكى وأنا أفارق شخصيه نادرة الوجود فى عالم يعيش فيه الناس فى تيه ، حيث سيطر على وجدانهم الهموم ، وبات من الطبيعى أن يدركوا قسوة الحياه فى حركاتهم وسكناتهم .
فارقنا الحبيب الغالى الأخ محمد عبدالجليل ، وأدركنا مع فراقه أن أكثر ما يوجع في الفراق أنه لا يختار من الأحبة إلا الأجمل في العين ، والأغلى في القلب ، عايشته وعاشرته ، وإقتربت من وجدانه ، وإستشعرت فى رحابه الأخوه الصادقه ، والكرم الحاتمى ، ونزاهة القلم ، هو نفسى بحق ، وجزء من كيانى الذى أدرك معه أن هذا المجتمع لن ينعدم فيه الكرام ، وداعا .. وغدا ألقاك .. رحم الله الخلوق المحترم الأخ والصديق والحبيب الأستاذ محمد عبدالجليل وأسكنه فسيح جناته مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، وحسن أولئك رفيقا ، وأن يلهمنا الصبر الجميل على فراقه ، خالص العزاء لزوجته وأولاده وإخوته وكل أفراد أسرته .