تاه الناس فى الحياه حتى من أنفسهم ، ولم يعد يؤثر فيهم جلال الموت ، أو منعطفات الحياه وتردياتها ، أو زلزال المرض الذى يفقد الإنسان كيانه وينبهه إلى بشريته ، مرجع ذلك كثرة الهموم ، وتعاظم المشكلات ، وتنامى المرض بصوره باتت مرعبه ، حتى أيقن الجميع أن المرض أصبح قدرا على العباد ، وبات أمر توحشه مثار بحث للأطباء والعلماء الذين كثيرا مايقفون أمامه بذهول شديد ليقينهم أن تلك الأمراض لم تشهدها الأمم السابقة ، وإدراكهم وكأن إرادة الله عز وجل شاءت أن يتحقق فينا حديث النبى صلى الله عليه وسلم بأن ندرك الأمراض والأوجاع والأوبئه التى لم تكن فى الأمم السابقه ، وما جنون البقر، وإنفلونزا الطيور، ووباء كورونا ، إلا خير شاهد ، خاصة وأن العلم وقف عاجزا عن إنتاج دواء فاعل يستطيع المريض الإستعانه به أخذا بأسباب الشفاء .
لى مع أسيادى المرضى ٱيات بينات ، أستشعرها ، وأتعايشها ، وأتوقف كثيرا أمام مضامينها ، ليقينى أنها تنبيه للغفلى ، وإيقاظا للضمائر التى ماتت .. فى المستشفيات أجدد الإيمان بعد أن تبلدت المشاعر فلم يعد الناس يتأثرون بزيارة المقابر ، وكيف يضم ترابها رفاة أغلى الناس ، وأحب الأصدقاء ، الذين إن ٱجلا أو عاجلا سيحل علينا قضاء الله وقدره ونكون فى معيتهم ، لاينفعنا مال ، ولا جاه ، ولامنصب اللهم إلا العمل الصالح ملاذا .
فى نهاية الأسبوع أنكفأ على نفسى ، أتهامس معها مسترجعا مامر من أيام بحلوها ، ومرها ، لعلها تنبهنى لما نحن فيه من تيه ، فى زمن الكل فيه يشتم الكل ، والكل يهين الكل ، والكل يكيد للكل ، والكل يحتضن المساخر وينتعش مع الموبقات جنبا إلى جنب مع الكل ، وبات المجتمع يتعايش فيه فريقين فريق ينتعش بالمساخر ، ويطربه قلة الأدب ، وفريق ينكفأ على نفسه مبتعدا عن هذا المناخ السيىء ، الذى تعاظم تأثرا بسلبيه قاتله نهجا للأجهزه التى لم تعد تردع متنطع ، أو تواجه سفيه ، أو تسحق مجرم ، حتى تعاظم القول المأثور ياعزيزى كلنا لصوص ، مرجع ذلك أنهم لايقتربون بالنقد حتى ولو لخفير فى نقطة شرطه فى أقاصى الصعيد ، دون إدراك منهم أن تلك السياسه هى حاضنة للمجرمين الذين يوما ما لن يستطيعوا ردعهم ، أو التصدى لهم وساعتها سيبكون على اللبن المسكوب .
سحقا لحياه لاقيمه فيها للفضائل ، ولاإعتبار للأخلاق ، ولاتوقير للكبار ، ولاتقدير للكفاءات ، ولاإحتضان لأصحاب الحاجات .. سحقا لمجتمع يعظم قلة الأدب ، ويتعايش مع السفه كأحد منطلقات الحياه .. سحقا لمجتمع أصبحنا فيه نتندر على الأحباب الذين ينتمون لزمن مضى وصفناه بالزمن الجميل والذى كان فيه يقبل الإبن يد أبيه ، ومعاملة الكبير الصغير معاملة رحمة وشفقة ، ومعاملة الصغير الكبير معاملة توقير وإحسان ، ويحنو الناس كل الناس على الفقراء والضعفاء وذوى الحاجه ، يبقى أن ننتبه أننا نتسابق لمغادرة الحياه إلى عالم الصدق الذى لازيف فيه ولانفاق ، فالنعد الزاد إنطلاقا من أن الزاد الحقيقي للرحيل هو العمل الصالح والتقوى ، وأن العبرة في الحياة ليست بكثرة المال ، أو إعتلاء المناصب إنما بالتقوى والعمل الصالح . هذا حديث النفس للذات فالننتبه لمنعطفات الحياه .