أخذتنا الدنيا حتى من أنفسنا ، ودارت بنا الحياه فلم نعد نستطيع الفكاك من دوامتها ، تاه الوجدان بين الحلال والحرام ، والصدق والكذب ، والحقيقه والوهم ، والحق والباطل ، وفرض أصحاب السلطه على الناس نهجهم ، ومن يمتلك الأموال أصبح يتحكم فى البشر الذين يعانون من ضيق ذات اليد ، لذا كان من الضرورى أن نتوقف كثيرا وطويلا أمام أنفسنا ، بحثا عن الحقيقه ، وتناغما مع الصدق ، وزجرا لجموح النفس لندرك يقينا أن للكون رب ، وأننا جميعا عبيده ، حتى ولو غفل عن تلك الحقيقه الإيمانيه الظالمين المجرمين البغاه ، الذين يقهرون العباد ويفرضون عليهم ظلمهم .
هذا المناخ الذى نتعايش فيه دائما مايجعلنى أخلد إلى نفسى فى نهاية الأسبوع ، أغرد بقلمى فى محاولة لترسيخ الإيمان الذى أصبحنا جميعا نفتقده واقعا فى حياتنا ، ومن يقول بغير ذلك فاليقل لى ماهو حاله مع جاره ، وماذا بينه وبين إخوته ، ومن أصدقائه ، وكيف يتعامل مع قرنائه ، وكيف يتحرى الحلال والحرام ، وماهى آخر مره طرق باب أرحامه من أقاربه ليطمئن على أحوالهم ، وآخر مره قدم المساعده لمحتاج ، وقبل كل ذلك ماهى أحواله مع المرضى من أقاربه وأصدقائه وجيرانه ، هل يحتضنهم ، هل ذهب معهم إلى المستشفى يوما معاونا لهم ، هل سألهم كيف يعيشون ، ومن أين ينفقون .
بحق الله أتعايش مع الإيمان كلما إقتربت من أسيادى المرضى ، ويرينى رب العالمين معهم آيات بينات تشرح صدرى ، وتريح نفسى وتجعلنى أكثر إيمانا بنعمة رب العالمين سبحانه ، ماذا أقول وقد إستنجد بى الثانيه صباحا أحد أبناء بلدتى لمساعدته لنقل إبنته من مستشفى بلدتى بسيون إلى مستشفى الجامعه نظرا لتدهور حالتها الصحيه ، وعلى إستحياء أرسلت البيانات على الواتس ومعها تقرير طبى من الطبيبه كتبته باليد ، لأحد الكرام من عظماء الأطباء الذين لن أذكر إسمه لأن لتلك الواقعه خبيئه إيمانيه ، فإذا به يتواصل معى تليفونيا بعدها بخمس دقائق ليخبرنى أن يتوجه والد الطفله بالطفله لمستشفى الأطفال الجامعى بطنطا موضحا أنه رتب كل شيىء ، وكان الإرتياح الذى سيطر على النفس ، ليقينه أن ماحدث رساله ربانيه لأنه قد تكون من المرات النادره التى يستيقظ فيها فى ذلك الوقت من الليل حيث رأى الرساله وأزعجه مضمونها مؤكدا أن حياتها فى خطر لو ظلت بالمستشفى حتى الصباح ، والحمد لله تم إنقاذ الطفله .
دائما ماتكون المحن كاشفه لدرجة الإيمان ، أدركت ذلك وأنا أتواصل مع صديق عمر ، رفيقا منذ مايزيد على أربعين عاما تقاسمنا فيها كثيرا اللقيمات ، وأدركت معه أن الدنيا بخير ، فهو صاحب قلم نظيف ، وشريف ، لم يلوث بنفاق ، ولم ينحدر لمجامله ، بل كثيرا ماتصدى لمجرمين وردع بقلمه ظلمهم ، يعيش محنه مرضيه شديدة القسوه ، ودائما ماتكون الدعوات كل الوقت والأحباب له بالشفاء العاجل ، ويكفى قوله ” مايؤمر عليك ظالم ” كلما هاتفته للإطمئنان عليه حيث من الطبيعى ان أقول له صادقا ” تؤمرنى بحاجه ” حفظه الله لأسرته وكل أحبابه ، وأتم عليه الشفاء عاجلا ولس آجل . تعايشا معه ومع أسيادى المرضى زهدت حتى فى الطعام فلم أعد أهتم بنوعيته ، ولم يعد يعنينى ماهو قادم من الأيام ، أو أفكر فى الغد إنطلاقا من تأصيل الوضع الوظيفى ، أو تأكيد المكانه الإجتماعيه ، أو حتى التفكير فى خوض الإنتخابات البرلمانيه رغم إلحاح الكرام من أهالينا الأعزاء ، وتعجبت كيف لايهتز صاحب منصب يظلم به الناس بمرض قريب أو محنة صديق ، إنها لحظات صدق أتعايشها مع النفس أردت طرحها بقلمى تذكيرا وتنبيها بأن الدنيا لاتساوى عند الله جناح بعوضه .