كتبت: أية عباس
أعلنت الصين عن إطلاق مناورات عسكرية واسعة النطاق حول جزيرة تايوان، في أعقاب خطاب ألقاه الرئيس التايواني لاي تشينج-تي بمناسبة اليوم الوطني، ما يُثير مخاوف جديدة حول استقرار المنطقة، ويُسلط الضوء على العلاقات المتوترة بين بكين وتايبيه.
تفاصيل المناورات
وفقًا لما أوردته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فقد أعلنت القيادة الشرقية للجيش الصيني عن إطلاق مناورات عسكرية، باسم “السيف المشترك” 2024.
وصرح المُتحدث باسم القيادة، لي شي، أن هذه التدريبات تهدف إلى “اختبار القدرات العملياتية المشتركة” للقوات الصينية.
وأضاف لي شي أن هذه المناورات تأتي كـ”تحذير صارم” لما وصفه بـ”الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان”، ما يعكس الموقف الصيني الثابت الذي يرى في أي محاولة لتأكيد استقلال تايوان تهديدًا لسيادة الصين ووحدة أراضيها.
نطاق المناورات وطبيعتها
تتميز هذه المناورات بنطاقها الواسع وطبيعتها الشاملة، إذ أوضحت القيادة الشرقية أن التدريبات تتضمن نشر عدد كبير من السفن والطائرات “على مقربة من اتجاهات مختلفة” حول تايوان.
هذا النشر الواسع النطاق يهدف إلى محاكاة سيناريوهات متعددة، ويعكس قدرة الصين على تنفيذ عمليات معقدة في المنطقة.
ومن بين الأهداف المحددة للمناورات، كما نقلت صحيفة واشنطن بوست، تنفيذ دوريات الاستعداد القتالي البحري والجوي؛ مما يظهر قدرة الصين على الحفاظ على وجود عسكري مستمر في المنطقة.
كما تهدف المناورات إلى محاكاة حصار الموانئ والمناطق الرئيسية، وهو ما قد يُنظر إليه على أنه تدريب على سيناريو محتمل لعزل تايوان.
وتحاكي المناورات تنفيذ هجمات على الأهداف البحرية والأرضية؛ مما يشير إلى استعداد الصين لتنفيذ عمليات هجومية إذا لزم الأمر.
حاملة الطائرات “لياونينج”
من الجوانب البارزة في هذه المناورات مشاركة حاملة الطائرات الصينية “لياونينج”، وقد أفادت القيادة الشرقية في الجيش الصيني، بأن هذه الحاملة تم رصدها قبالة الساحل الشرقي لتايوان يوم الاثنين.
هذا التطور يكتسب أهمية خاصة لعدة أسباب، حسب الصحيفة الأمريكية، إذ يعد وجود حاملة الطائرات في هذا الموقع إشارة قوية إلى قدرة الصين على نشر قوة بحرية كبيرة في المنطقة، كما أن موقع الحاملة شرق تايوان يمثل تحديًا استراتيجيًا، حيث إنه يضع القوات الصينية في موقع يمكنها من التدخل في حالة أي تحرك أمريكي مُحتمل من الشرق.
وتشير الصحيفة إلى أن استخدام حاملة الطائرات في هذه المناورات يعكس تطور القدرات البحرية الصينية وقدرتها على تنفيذ عمليات معقدة بعيدًا عن سواحلها.
ردود الفعل
في مواجهة هذا التصعيد العسكري، أصدرت وزارة الدفاع التايوانية بيانًا قويًا أعربت فيه عن “إدانتها الشديدة” لما وصفته بـ”السلوك غير العقلاني والاستفزازي” من جانب الصين.
وأكدت الوزارة أنها اتخذت إجراءات فورية، حيث قامت بنشر قوات للرد وحماية الجزيرة.
الرئيس التايواني، لاي تشينج-تي، الذي كان خطابه بمناسبة اليوم الوطني سببًا معلنًا لهذه المناورات، عقد اجتماعات أمنية عاجلة لمناقشة الرد التايواني على هذه التطورات.
وفي بيانٍ صدر عن المكتب الرئاسي التايواني، أكد لاي أن “إجراء الصين للمناورات العسكرية يهدف إلى تقويض السلام والاستقرار الإقليميين، وأن استمرارها في استخدام القوة لتهديد الدول المجاورة والضغط عليها لا يتماشى مع توقعات المجتمع الدولي”.
من جانبها، عبرت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لتايوان، عن “قلقها البالغ” إزاء هذه التطورات.
وقال المُتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في تصريح نقلته صحيفة واشنطن بوست: “إن رد الصين بالاستفزازات العسكرية على خطاب سنوي روتيني أمر غير مبرر ويخاطر بالتصعيد”.
وترى “واشنطن بوست” أن الموقف الأمريكي يعكس القلق المتزايد في واشنطن من احتمال اندلاع صراع في المنطقة، خاصة في ضوء التزام الولايات المتحدة بتوفير الوسائل اللازمة لتايوان للدفاع عن نفسها، وفقًا لقانون العلاقات مع تايوان.
تحليل الخبراء
يرى العديد من الخبراء والمحللين أن هذه المناورات، تأتي في إطار استراتيجية صينية أوسع تهدف إلى ممارسة ضغط مستمر على تايوان.
وفي هذا السياق، يقول جا إيان تشونج، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة سنغافورة الوطنية، إن هذه التدريبات تُعد جزءًا من “حملة الضغط المستمرة التي تمارسها بكين ضد تايوان لإخضاعها”.
ويضيف تشونج أن “بكين استخدمت خطاب لاي كذريعة؛ لأنها حريصة على جعل الأمر يبدو وكأنها ليست المعتدي أو تسعى لتغيير الوضع الراهن من جانب واحد”، ما يسلط الضوء على الجانب الدعائي والنفسي للمناورات، إلى جانب أهدافها العسكرية المباشرة.
دور خفر السواحل الصيني
في تطورٍ لافتٍ، أعلن خفر السواحل الصيني أنه أرسل سفنًا لتطويق الجزيرة الرئيسية لتايوان، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها الصين بمثل هذا الإجراء في تدريب عسكري ضد تايوان.
وفي هذا الصدد، يرى تشيه تشونج، الباحث في جمعية الاستشراف الاستراتيجي، وهو مركز أبحاث تايواني، أن “بكين تهدف من خلال إرسال المزيد من سفن خفر السواحل للدوريات حول تايوان إلى إرساء وجود لإنفاذ القانون؛ مما يُشير إلى أن لديها سُلطة على المياه المحيطة بتايوان”.
تاريخ الصراع
تعود جذور الصراع بين الصين وتايوان إلى عام 1949، عندما انتهت الحرب الأهلية الصينية بانتصار الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونج، في ذلك الوقت، فرّ القادة القوميون بقيادة تشيانج كاي شيك إلى جزيرة تايوان، حيث أسسوا حكومة منفصلة.
منذ ذلك الحين، تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتصر على ما تسميه “مبدأ الصين الواحدة”.
في المقابل، تتمتع تايوان بحكم ذاتي فعلي، رغم عدم حصولها على اعتراف دولي واسع النطاق كدولة مستقلة.
على مر العقود، شهدت العلاقات بين الجانبين فترات من التوتر والانفراج، لكن السنوات الأخيرة شهدت تصعيدًا مُتزايدًا مع تعزيز الصين لقدراتها العسكرية وإصرار تايوان على حماية استقلالها الذاتي.