دائما مايبكينى أحوال المرضى لأننى إنسان يملك بين ضلوعه قلبا يئن من الوجع تأثرا بأوجاع الناس ، ويزلزل كيانه إستغاثة مريض ، ويقهره العجز عن مساعدة محتاج ، ولأننى أجد نفسى جزءا من كيان الناس كان من الطبيعى أن أنحاز للعيش بينهم فى أعماق الريف حيث المولد والنشأه ، وحين يحين الأجل حيث يوارى الجسد مقابر الأجداد ، وأتعايش همومهم ، ولدى مشاعر تتناغم مع صدق مشاعرهم وماأروع وأصدق مشاعر البسطاء والمهمشين ورقيقى الحال ، لذا لم تبهرنى ضوضاء القاهره التي أعمل بها منذ أربعين عاما مضت وإلى اليوم . أشعر بالزهد في كل الحياه تأثرا بأوجاع أسيادى من المرضى ، الذين أجد نفسى خادما لهم ، وذلك إبتغاء مرضاة الله بعد أن زهدت في العودة للبرلمان طواعية وعن طيب خاطر ، تأثرا بواقعنا المتردى ، الذى تنامى فيه الكذب ، والنفاق ، والغش ، والتدليس ، من أجل ذلك أعيش الواقع وأعبر عنه بقلمى ككاتب متخصص أقسم على مصداقيته ، وأتحدث بالحق ، ولاشيىء غير الحق ، الأمر الذى معه أشعر بالغضب الذى يترجمه قلمى عبر كلمات مؤلمه تخرج من القلب خاصة عندما أجد تنامى الخداع لدى كثر من أصحاب القرار وببجاحه .
بالأمس كشفت النقاب في مقالى اليومى المنشور تحت عنوان ” توصيل الدواء لمنازل المرضى وعلاقته بالأمانى المستحيله ” ، عن هزلية ماأعلنته وزارة الصحه قبل أيام من بدء التشغيل التجريبي لحملة توصيل الدواء لمنازل المرضى بالمجان ، في الوقت الذى تعانى فيه صيدليات المستشفيات ، وحتى الصيدليات الخاصه من عجز صارخ وشديد في الأدويه ، ويأتي إعلان الوزاره في ضوء المقترح الخاص بإنشاء وتطوير منظومة ميكنة الدواء حيث أكدوا ، وتنفيذا لتوجيهات الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان ، وما أكد عليه الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان ، بأن الوزير وجه بتحري الدقة أثناء توصيل الأدوية للمرضى ، موضحاً أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص الوزارة على تعزيز الخدمات الصحية وتحسين صحة المرضى ، تماشيا مع خطة الدولة المصرية في ميكنة منظومة الدواء ، وإنشاء قاعدة بيانات تضم المرضى بمصر للاستفادة منها في مشروع ميكنة الدواء .
اليوم تعجبت إلى درجة الذهول ، بل وضربت كفا بكف ، كيف يتم الإعلان عن هذا ، رغم آلياته الصعبه ، وتكلفته الباهظه التي من المفترض أن تتحملها الوزاره نيابة عن المواطن المصرى المسكين ، لكننى تراجعت ظنا منى أن الفرج طال الميزانيه وتم رصد هذا المبلغ للتخفيف على المرضى وهذا هدف نبيل لاشك فى ذلك ، لكن سرعان ماأدركت أن تلك شعارات للإستهلاك المحلى والبروباجندا ، وليس أدل على ذلك من إستحداث هيئة التأمين الصحي ، نظامًا جديدًا يسمح بطلب زيارة منزلية من أطباء التأمين ، سواء كان طالب الخدمة من المدرجين في منظومة التأمين الصحي أو من غيرهم ، وذلك مقابل 1500 جنيه للزيارة ، ثم يخرج علينا مصدر مطلع داخل هيئة التأمين الصحي ليؤكد أن تلك الخدمه متاحة حاليا للجميع عبر الخط الساخن ، في عدد من مستشفيات الهيئة بالقاهرة والجيزة شريطة دفع مبلغ الـ 1500 جنيه ، لأنها خدمة مدفوعة الأجر ، وكأنها خدمة دوليه ، وأن من يقوم بها أطباء في مستوى عمداء كليات الطب ، ودون إنتباه أن مواطن بسيط قال بوضوح إذا كان ذلك كذلك فيكون التوجه لأعظم الأطباء بالقاهره الذين لايمكن أن يكون كشفهم بهذا المبلغ الكبير ، وحقا ماقال ، وصدقا من أصدروا القرار لم ينتبهوا أن المواطن المصرى البسيط ذكى ، فعبثا يظنون بهذا القرار أن الناس إما لديهم سذاجه أو أغبياء .
أذهلنى هذا النهج المتضارب والمتضاد والمحير في الإداره فيما يتعلق بصحة المواطن المصرى ، والقائم على طرح الشيىء ونقيضه ، إتضح ذلك فى إعلان الوزاره توصيل الدواء مجانا للمرضى ، ثم تعلن هيئة التأمين الصحى التابعه للوزاره تحديد مبلغ 1500 جنيه للزيارة المنزليه الواحده من الطبيب للمريض بالبيت ، وبمنتهى الإستفزاز جاء مضامين القرار بأنه سيتم توزيع إيرادات تلك الزيارات من خلال هيئة التأمين الصحي بواقع 50% للقائمين بالعمل الفعلي ، و5% لمدير الفرع ، و5% لمدير الوحدة ، و40% كحصة إشراف لرئاسة الهيئة ، ويتم توريد مبلغ 346 جنيهًا للحكومه كإيراد عن كل كشف منزلي ، فيما يحصل الطبيب الممارس العام على 650 جنيهًا ، والأخصائي على 775 جنيهًا ، والاستشاري على 925 جنيهًا .
أستشعر سحقا لإرادتى ، وقهرا لنفسى ، خاصة وأن اليقين يكاد يترسخ لدى عموم المواطنين أننا لم يعد لدينا برلمان حقيقى يدافع نوابه عن الشعب ، وذلك تأثرا بما فعله قيادات هيئة التأمين الصحى في المرضى المساكين ، حيث إنتابنى الذهول من إصدار هذا القرار لزيادة دخل الأطباء لديهم دون خجل أو إستحياء أن يكون ذلك منطلقه المريض الغلبان ، حيث أكدت هيئة التأمين الصحى أن الخدمة الجديدة المتمثله في تحديد مبلغ 1500 جنيه للزيارة المنزليه الواحده من الطبيب للمريض بالبيت ، تأتي في ضوء تحسين دخل الأطباء والعاملين بالخدمة الصحية داخل الهيئة ، فضلا عن تعظيم إيرادات التأمين الصحي وزيادة حوكمة الخدمات المقدمة للمرضى . وأضاف هؤلاء المسئولين الشجعان أن إستحداث نظام الكشف المنزلي داخل هيئة التامين الصحي يأتي في الوقت الذى تتجه فيه وزارة الصحة لتعظيم إيراداتها من المستشفيات الحكومية ، حيث أصدرت في مارس الماضي لائحة لتنظيم المستشفيات العامة ومراكز الخدمات العلاجية تقتضي برفع أسعار الخدمات المقدمة في تلك المنشآت ، وأن عملية رفع أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين في المستشفيات العامة والوحدات والمراكز الصحية ، جاءت قبل أيام من صدور القانون رقم 87 لسنة 2024 بشأن منح التزام المرافق العامة لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية .. إنتهى الكلام وتوقف مداد القلم تأثرا بما يعترى القلب من الألم لكن يكفى أن اسيادنا من المرضى لهم الله تعالى رب العالمين القادر على شفائهم وكفى بالله وكيلا .