شأن كل أسبوع أخلد فى نهايته لنفسى ، أتناغم مع ذاتى ، أحتضن الكرام ، أأنس بالأحباب ، أستحضر ماضى جميل بات من الذكريات ، أتوقف كثيرا وطويلا أمام منعطفات الحياه ، يزلزل كيانى إستغاثة أسيادى من المرضى في جوف الليل ، أتأمل الحياه ومجرياتها ، يطمئن القلب ، ويريح النفس من بات نبضه وكل الكيان بأفعاله الطيبه ، وخلقه الكريم ، وتناغمه مع جبر الخاطر ، وإحتضانه لمن جرفتهم الأيام ، وأخذتهم دوامة الحياه .. يقينا .. ماأضعفك أيها الإنسان ، وماأعظم أن يكون الطبيب إنسان ، فى زمن إنعدمت فيه الإنسانيه ، وبات الناس فى تيه ، يدمر بعضهم بعضا ، ويسحق القوى فيهم الضعيق ، وينال صاحب السلطه بجبروته من الذين لاسلطه لهم ، ونسى الإبن أباه ، وبات البحث عن العيش فى رغد حيث القصور والمنتجعات والشاليهات مبتغى وغايه عند فئة النصف فى المائه بالمجتمع وهؤلاء هم فئة البهوات الذين أصبحت قضية حياتهم عشق الأنا ، وعبادة الذات ، وعدم اليقين أننا جميعا إلى زوال ، لذا لم ينتبهوا أو حتى يلتفتوا إلى هؤلاء البسطاء الكرام من الناس الذين الذين طحنتهم الحياه وأظهرت عظامهم من تحت جلودهم وباتوا يئنون من الوجع ، وينشغلون كل الوقت بلقمة العيش ، والبحث عن مصدر رزق .
أفكر كثيرا كيف إنتفض وجدانى منذ أيام في جوف الليل على رجاءات الأب المسكين لأعينه على إنقاذ طفلته المهدده بالموت لإرتفاع السكر بصوره مرعبه ، قد تدمر كل الجسد ، وكيف وفقنى الله تعالى وسخر لى وله من هم أفضل منا عنده سبحانه بكريم صنائعهم مع المرضى ، ونجدتهم للملهوفين ، أطبائنا الكرام بمستشفيات جامعة طنطا ملائكة الرحمه في القلب منهم الدكتور محمد سمير ، والدكتور أحمد سويلم وغيرهم كثر ، وقائدهم العظيم الدكتور أحمد غنيم .
أبكانى من كان عنده طموح أن يكون رقما صحيحا بالمجتمع ، وأن يحقق طموحاته في الحياه ، وماعاش من أجله ، متعهدا ببذل الجهد إلى أقصى درجه ، وحقا كان مثابرا وذهب إلى أوروبا ، وحصل على شهادات علميه بتقدير إمتياز كما تمنى ورسم وخطط ، وفجأه جاء أمرالله وداهمه المرض اللعين ، وبات شغله الشاغل الإهتمام بنفسه ، والبحث عن علاج ، وآخر أنجب طفلا بعد أربعة عشر عاما ثم أراد الله أن يختبر إيمانه فكان السرطان ، فوقف في مستشفى 57 بالقاهره يناجى ربه باكيا إلى الدرجه التي أبكانى فيها معه وكل الحضور بما فيهم الأطباء ، وكان قوله ” بأشحته منك يارب ” بمثابة دعاء بسيط من القلب يتوافق مع مستوى تعليمى بسيط ، وكانت إستجابة رب العالمين سبحانه وشفاء إبنه درسا إيمانيا عظيما ، وهذا الذى رأيته يبكى في ركن ركين يدعو ربه ليشفى ولده الوحيد وكانت نظرات عينيه لى عند إقترابى منه لاأنساها ماحييت وهى نظرات إنكسار لم ألمسها لدى أحدا في حياتى ، وهو من هو يهتز المكان عند إقترابه منه ليس لغرور لديه ، لكن طبقا لمقتضيات منصبه الرفيع ، ولأنه كان إنسانا نبيلا بمعنى الكلمه لايظلم أحدا إستجاب الله لإنكساره وشفى إبنه ، فأدركت أن ذلك كان إختبارا قاسيا حتى لايأخذه صولجان المنصب إلى غير رجعه مع رب العالمين سبحانه .
أيها الإنسان إنتبه ماأضعفك حتى ولو كنت صاحب منصب رفيع ، أو إمتلكت المال الوفير وتعيش في نعيم ، أو تحكمت فى البشر ومستقبل الناس ، وأرزاقهم ، بالمنع والمنح ، إنتبه .. نحن أنفاس تخرج وقد لاتعود أذكرك وأذكر نفسى ، لذا أتعجب مما نحن فيه من غفله جعلت الإنسان يظلم أخاه الإنسان ، ويتفنن فى قهره والإستمتاع بإذلاله ، وجعلت صاحب المنصب ينسى حتى نفسه ويتجبر على خلق الله ، على أية حال يكون الشكر لرب العالمين سبحانه أن حبانا قلوبا تنتفض تأثرا بمريض يستنجد أهله فى جوف الليل ، ويركن إلى ركن ركين حيث يرسل للجسد الذى أرهقه العطاء من يطبطب عليه بكلماته التى تحرك الوجدان ، وتنزل على الجسد بردا وسلاما فيتلاشى التعب .