فلسفة الابتلاء في منظور الإسلام
د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
يعاني الناس منذ فترة من صدمة للعقل والضمير البشري والتاريخ.. هزة عنيفة وجائحة تجتاح كل دول العالم بسبب فيروس “كورونا المستجد”كوفيد19..
وتعددت الأسئلة حول هذا كنه الفيروس وحول ما يحدث، وما سببه.. سيل من الأسئلة تدور في أذهان الناس حول هذه الأزمة وأبعادها المختلفة، وتفسيراتهم لها.
بيد أن ثقافتي الدينية تدفعني إلى تقرير أن ما يحدث له حكمة بالغة، ويتم بمراد الله تعالى وإرادته سبحانه، وأن هذا الفيروس لا يسير أبدًا وفق هواه، بل هو أحد مخلوقات الله، يُسيِّره الله حيث يشاء، إمضاء لسنّة الابتلاء. فبعد أن تمرد الإنسان على القوانين الإلهية، والأعراف الأخلاقية، يرسل الله تعالى فيروسا صغيرا لا يرى بالعين المجردة؛ ليضبط حركة الإنسان وغروره في هذه الحياة.. وإن ما نشهده الآن هو فعل من أفعال التحدي؛ للفت النظر، وهو رحمة من الله تعالى للناس حتى ينتهوا، وتعود البشرية إلى رشدها.
والابتلاء سنة كونية من سنن الله تعالى في خلقه وكونه، وهو من طبيعة العيش في هذه الحياة، يأتي للتمحيص والفرز والاختبار، ورفع الدرجات، وتكفير السيئات.. ويأتي لتصحيح المسار، ولِحِكم كثيرة يعلمها الله..
فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ أو المؤمنةِ في جسدِه وفي مالِه وفي ولدِه حتى يلقى اللهَ وما عليه من خطيئةٍ)(أخرجه أحمد في مسنده)، وعن صهيب بن سنان الرومي (رضي الله عنه) قال: قال (صلى الله عليه وسلم): (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه). وعن أبي هريرة قال: قال (صلى الله عليه وسلم): (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ)(أخرجه الإمام البخاري في صحيحه).
إذن لا بد من أن ينزل البلاء بالعبد: مؤمنا كان أو غير مؤمن؛ فأما بلاء المؤمن إن صبر عليه، فهو خير له ورفعة لدرجته وتكفير لخطاياه وذنوبه، وحملٌ له على محاسبة نفسه، وتنبيهٌ له من ربه إن كان في غفلة. فكم من إنسان تاب وأناب إلى ربه بعد مصيبة وبلاء؟!.
ومن حِكَمِ الابتلاء أنه جل وعلا جعله ليبين للعبد المؤمن حقيقة الدنيا، وأنها ليست دار مقام وخلود فيركن إليها، بل هي دار غربة وفناء يتزود فيها المؤمن من الطاعات، ومزرعة يزرع ما يسره حصاده في يوم المعاد.. ذلك أن الدنيا متحولة متبدلة؛ حيُّها يموت، وصحيحها يمرض، وغنيها يفتقر، وفقيرها يغتني، وملكها يزول، وحالها إلى محال؛ فالمؤمن الذي نظر إلى الدنيا بعين الحقيقة، لا يطمع إلا فيما عند الله تعالى.. وأما غير المؤمن فابتلاؤه عقوبة وردع له عن ظلمه وجنوحه وشذوذه، وقد يكون تنبيها له من ربه ليحمله على البحث ومن ثم تتحقق له الهداية (إبراهيم جاسم: من حكم الابتلاء).
إن الحضارات حينما تضِلُّ وتنحرف، يُرسل الله لها جنودًا من جنوده وآيات من آياته، قد تبدو في الظاهر قاسية، ولكنها في الباطن خيرٌ ورحمة.
نسأل الله عز وجل السلامة وأن يصرف الوباء عن مصرنا الغالية وعن العالم.. اللهم احمنا واحمي أولادنا وجيشنا وأمننا وولاة أمورنا وعلمائنا وكل بلادنا بحق اسم الله الأعظم.