أمراض المجتمع باتت تحاصرنا ، والتدنى المجتمعى يحاول أن يسحق إرادتنا ، ويحدث حاله من التشويش على أفكارنا ، لنعيش في تيه ، ونغوص في أعماق الواقع المرير ، ونتعايش مع الأزمات تأثرا بما يعانيه المجتمع من إخفاقات ، ومايتعرض له الناس من أزمات والتى آخرها أزمة إنقطاع الكهرباء ، كان من نتيجة ذلك أن تطور الحديث البغيض بين الناس بسرعه مذهله ، وتعاظمت المواقف السلبيه ، حتى أننا ودون رغبة منا نجد تداعيات ذلك قد غاصت فى أعماق الواقع ، وفرضت تناول المسكوت عنه من قضايا ، ليكشف ذلك كله عن إنحدارا نعانيه فى الفهم ، وتدنى بشع طال السلوك ، وجهاله أصبحنا جزءا من نسيجها بعد رحيل الكبار ، وتقزيم القامات ، وإبتعاد أهل الخبره عن المشهد هؤلاء الذين كنا نلتمس لديهم النصيحه ، ونصمت فى رحابهم لندرك الحقيقه .
إحترام الآخر ، ورفض التجاوز فى حق المنافس ، والتعامل بشرف فى الخصومه ، نهج بات من يتمتع به الآن يقينا يدرك أنه على خير ، وهذا الخير يقينا أيضا نابعا من إراده حقيقيه ، جسدتها تربيه أسريه ، وثوابت عائليه ، ونهج تربى عليه الإنسان ، وأبدا لايمكن لمن لديهم ضمير حقيقى أن يشوهوا من يختلفون معهم ، أو يهيلون عليهم التراب خاصة من إنتقل منهم إلى رحب الله تعالى ، بل إن الواجب يفرض أن يعلى من قدره حتى ولو كان هناك خلافا تمخض عنه إختلافا في الرؤيه .
هكذا قلت ، وهكذا تعجب من كانوا طرفا فى النقاش الذى فرض جوانبه ماطرحوه ، وليس ماقلت به . إنصافا .. لم يكن ماطرحته مرجعه فتاكه منى ، أو عنتريه أزعم أننى أتحلى بها ، أو فروسيه سبقت بها أبناء جيلى ، إنما هى رؤيه تربيت عليها صغيرا فى كنف عائله تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ ، وأب حرص على أن أكون صاحب رأى ينطلق من إحترام ، وعمقها عندى شابا عظماء الصحافه المصريه أساتذتى الأجلاء شردى ، وبدوى ، والطرابيلى وعبدالخالق ، ورسخها فى كيانى وجودا زعيمى فؤاد باشا سراج الدين رحمهم الله جميعا . وما تعلمته من بطل حرب أكتوبرالفريق سعد الدين الشاذلى القيمه والرمز، كلما إلتقيت به .
حتى يدرك الشباب قيمة ماطرحته وأنه نابعا من مصداقيه عايشتها فيما تعرضت له في حياتى ، وليس كلاما عنتريا ، ممزوجا بالفزلكه ، كان من الضرورى لإقناعهم بإيمانى بهذا النهج في حياتى إسترجاع بعض وقائع الخلاف الشهير الذى إرتقى لصدام بينى وبين الدكتور نعمان جمعه رئيس حزب الوفد السابق رحمه الله ، وأستاذ القانون وعميد حقوق القاهره ، هذا الصدام الذى أحدث ربكه شديده لدى أهل القانون ، وشغل جانبا من تفكير ونقاش القامات السياسيه المصريه التى لن تتكرر فى تقديرى ثانية فى القلب منهم الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق رحمه الله ، والنائب الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهوريه السابق متعه الله بالصحه والعافيه ، والوزير النائب كمال الشاذلى رحمه الله تعالى ، وعايشه بقوه البرلماني المحترم الأخ والصديق النائب المحترم محمد عبدالعليم داود وكيل مجلس الشعب السابق وعضو مجلس النواب الآن ، والذى كان له موقفا مشرفا معى في تلك الأزمه تطال به الرؤوس حيث عرض أن يفصل بدلا منى ، وتلامس مع ماحدث إبن بلدتى بسيون القيمه الكبيره معالى الوزير المستشار فرج الدرى أمين عام مجلس الشورى السابق وعضو مجلس الشيوخ الآن متعه الله بالصحه والعافيه ، هذا الخلاف إهتزت لجنباته قاعة البرلمان ، لأن منطلقه كان كونى نائبا وفديا بالبرلمان له رؤيته فيما يتعلق بالقضايا التى يناقشها البرلمان المفروض أن تكون إلتزاما برؤية حزب الوفد الذى أنتمى إليه سياسيا ومازلت ، وهو رئيس حزب له منهج وأسلوب وطريقه فى الأداء ، لكننى كان نهجى عدم الرضوخ لأى إلتزام حزبى إذا تعارض مع ثوابتى ، ومنطلقات أبناء الشعب الذين شرفت بثقتهم ممثلا عنهم بالبرلمان ، إختلفنا وتعاظم الخلاف وإحتدم حتى وصل إلى حد فصلى من عملى الصحفى كنائبا لرئيس تحرير “الوفد ” لرفضى الإلتزام الحزبى فيما طلب منى أن أوافق عليه تحت قبة البرلمان لعدم قناعتى به ، رغم تمتعى بالحصانه البرلمانيه وتشرفى بعضوية نقابة الصحفيين ، ولأنه خلاف كبار لم يكن ممزوجا بالتدنى ، أو التجاوز، أو حتى التنابز بالألفاظ ، وظل الدكتور نعمان جمعه إلى اليوم فى يقينى ، وتقديرى ، وحديثى قيمه ، وقامه ، ورمز له كل الإحترام والتقدير رحمه الله ، بل ومحل توقير حتى وإن شمل الخلاف حده شديده ، ومواجهة عنيفه تخللها عبارات وكلمات أشد قسوه .
خلاصة القول .. لعله من الواجب تعميق تلك الثوابت الحياتيه ، والتمسك بها حتى وإن طال المناخ السياسى العام الهزل ، لذا كان من الضرورى إستحضار الماضى لعله يكون منطلقا لتعميق تلك الثوابت ، وسأظل متمسكا بتلك الثوابت حتى وإن أدركت أن ماطرحته لاوجود له الآن فى واقع الحياه ، حتى على مستوى الخلافات البسيطه بين الناس فى المجتمع ، لكنه النهج الذى يجب أن نتمسك به واقعا ، ولانسمح على الإطلاق أن يكون الخلاف أو الإختلاف بين أى أحد مجتمعيا كان أو حتى سياسيا أو حزبيا منطلقه سب ، وشتم ، وتخوين ، وإهانه ، وتجاوز ، وقلة أدب ، لأن هذا النهج يجعل من له حق بلا حق ، ومن ظلم يعيش في أعماق القهر .