حب الخير للغير
بقلم: أحمد نورالدين
مدير تحرير بالأهرام
من البوستات الدعوية الهادفة، القيمة، المنتشرة بوسائل التواصل الاجتماعى القول: “عندما تمر جنازة ،أدعُ لصاحبها بالرحمة والمغفرة، وحينما ترى عاملا أرهقه التعب في الشارع قل: (اللهم خفف عنه وارحمه)، وعندما ترى سيارة عريس مرت في الشارع أو أمام باب بيتك، قل: (اللهم بارك لهم واجمع بينهم في خير)، وعندما ترى إمرأة حـامـل، ابتسم وقل: (اللهم اجعل ذريتها صالحة)، وعندما تقضي مصلحتك وتلتفت لترى وراءك طابورا عملاقا، ردد: (يارب يسر لهم ليقضوا مصالحهم كما قَضيت مصلحتي)، وعندما تخرج من عند الطبيب وقد أخبرك أن حالتك تحسنت، ادع ربك ان يشفي كل مريض، وعندما ترجع إلى بيتك وتجد أمك أو زوجتك قد أعدت الطعام، ابتسم وقل: (أسأل الله ألا يحرمني منك وادع لها ولكل المسلمين)، فلا تعلم ماذا تفعل الدعوة لصاحبـها، يمكن ان ترد عنك مصيبة، يمكن ان تحل لك أزمة، يمكن أن تكون سببا في شفائك أو شفاء مريض لك، يقول المصطفى ﷺ: ” دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ، آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ”، فرج الله همومكم، وقضى حوائجكم، وأصلح شأنكم في الدنيا والآخرة، وتأكد ان ما تقدم من خير سيعود إليك”.
والناظر والمدقق لجلال ديننا وشريعتنا، وما جاء على لسان نبينا أقوالا، وأفعاله، يدرك يقينا أن الخيرية كلها فى الاسلام ونبيه وتعاليمه و، وصدق ربنا العلى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (آل عمران 110)
ومن جوهر وأساس هذه الخيرية حب الخير للغير، هذا الخلق الذى بات الكثير منا يفتقده فى زماننا هذا -إلا من رحم ربى- فهو خلق عظيم، وبرهان على كمال الإيمان وحقيقته، وصفة جليلة، تحلى بها الأنبياء والصالحون من قبلنا، بل جعل نبينا بلوغنا لتمام الايمان وحقيقته، حبنا الخير لغيرنا، كما فى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغُ العبدُ حَقِيقَةَ الإيمانِ حتى يُحِبَّ لِلنَّاسِ ما يحبُّ لِنفسِهِ)، فحقيقة الإيمان وكماله أن نحب لغيرنا الخير يُساق لكل الناس، فنفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم، ونكره أن يقع عليهم الضرر كما نكرهه لأنفسنا.
ولقد ربى إسلامنا وشريعتنا أتباعه على استشعارهم أنهم كيان واحد، وأمة واحدة، وجسد واحد: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ َ) (الحجرات:10)، ونبينا صلى الله عليه وسلم أكد جميل وعظم هذا المعنى، وشدد عليه حين قال: “المسلم أخو المسلم”، وحين قرر: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”، وقوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”.
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم عن الأنصار وحبهم للخير للمهاجرين، وإيثارهم عليهم، أروع المثل فى هذا، وجعلهم مثالا يحتذى بهم فى الأمة، فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وصور حب الخير لغيرنا كثيرة ومتنوعة فى إسلامنا وشريعتنا، وتعد من أَفضل الأعمال ثوابا فى ديننا، ومنها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه ديناً تقضي له حاجة تنفس له كربة”، وقوله: “إدخال السرور على المؤمن، كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت له حاجة”، وجعله صلى الله عليه وسلم صفة الايمان ملاصقة للمسلم فى حب العبد الخير لغيره، وهذا فى قوله: (وأحبَّ للناسِ ما تحبُّ لنفسِك تكن مؤمنًا) ، فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو دنيا لغيره، كان مؤمنا حقا.
فمن محبة الخير للناس النصح لهم، ونصحهم ودلهم على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وكذلك الدعاء لهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنِ استغفَرَ للمؤمنينَ وللمؤمناتِ، كتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ حسنةً).
ومن مقتضيات حبى الخير للناس أن أكفُّ أذاى ومكروهى عنهم، يقول الأحنف بن قيس: “كنت إذا كرهت شيئا من غيري، لم أفعل بأحد مثله”، ومن مقتضياته، نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنا أن يخطب المسلم على خطبة أخيه، وأن يبيع المسلم على بيع أخيه، وحرمة الشراء على شرائه،
ومن حب الخير للغير، خلق جبر الخواطر وإدخال السرور على قلبه، يقول حبيبنا فخر الكون صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم”، وقوله صلى الله عليه وسلم “من نفس عن مؤمن كربة من كرب يوم القيامة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”، وأن يلقاه بوجه طلق بشوش مبتسما لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك لك صدقة”، وفى هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: “إني لأمرُّ على الآية من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم”، وتمنى الإمام الشافعي: “وددت أن الناس تعلموا هذا العلم، ولم ينسب إليّ منه شيء” .
وكم كان إسلامنا عادلا، رحيما، رؤوفا، حين تعدت فيه محبة الخير للناس كافة، بما فيهم حتى من هم على غير ملتنا وديننا، فإحسان معاملتهم، وعدم ظلمهم، والجور عليهم مما يحبه الله قال تعالى وأوجبه تقريرا فى كتابنا المقدس الى يوم الدين، فى قوله سبحانه: ” “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين” (الممتحنة8).
والحق أشهد أن فى محنة كورونا التى نشهدها ، تولد الكثير من المنح، منها أن الخير مازال باقيا فى أمتنا، وأنه مازال ساريا سريان وتدفق النهر الفياض فى الكثير منا، فرأينا من يساند المرضى، فعلا، وقولا، وجبرا، فيأتى بالدواء والطعام وكافة المستلزمات لهم، ويطهر أحياء سكنه والأحياء المحيطة بهم، ومنهم من يتبرع بالمال، والوجبات، والجهد، والوقت، والخبرة، كما رأيت رأى العين فى لجنة إدارة الأزمة بمجاورة واحد بمدينة 15 مايو برئاسة الفاضل الحاج شعبان فكرى غانم، ويونس أحمد، و محمود رمضان الشريف، وكثير من المخلصين معهم، وغيرها الكثير من النماذج الطيبة المباركة على امتداد رقعة بلادنا، وما ذلك بغريب على أهلنا بمصرنا الحبيبة.
فما أحرانا أن نوطن أنفسنا على محبة الخير لغيرنا، ولنحرص على إيصال النفع لهم، فعلا وقولا، وصمتا، وجبرا.. رزقنا الله حسن الخلق، وحب الخير للغير.