الطب رساله نبيله ، وممتهنيها تاجا على رؤوس كل البشر ، وفى منزله رفيعه مجتمعيا وإنسانيا ودينيا ، ويكفى للدلاله على ذلك أنهم منوط بهم تحقيق أحد مقاصد الشريعة الإسلامية وهى الحفاظ على النفس ، وأنهم دون غيرهم المنوط بهم شرعا الإضطلاع على عورات الناس ، لذا لاأحد يختلف على عظم الرساله التي يؤدونها ، ومايؤديه الأطباء وكل العاملين بالمنظومه الطبيه للمرضى أمر عظيم بحق ، ومايبذلونه من جهد في رعاية المرضى أمر مقدر ومعلوم وواضح المعالم ، بل إننى أكاد أقبل رأس كل طبيب إنسان ينقذ مريض ، وكل مسئول بمنظومة الطب يؤدى أكثر مما هو مطلوب منه ، كما يفعل كرام الأطباء في مستشفيات جامعة طنطا ، تلك ثوابت يقينيه مستقره في الوجدان وراسخه فى أعماق النفس وليست وليدة مزايده أو مجامله أو محاباه .
لاشك أن هناك مزايدات كثيره ، وإلتباس شديد ، وسوء فهم طالت واقعة محافظ سوهاج وطبيبة مستشفى المراغه بسوهاج ، لذا توقفت كثيرا وطويلا وإنتابنى حاله من الذهول وأنا أرصد تفاصيلها ، وماإنتهت إليه ، حتى أننى إعترانى صمت عميق في محاوله لإستكشاف أبعاد تلك الواقعه بهدوء ، وأتناولها بموضوعيه مهنيه ، ومسئوليه مجتمعيه ، وذلك بعيدا عن تلك المعالجات الإستعراضيه لما قيل أن الطبيبه طالها تجاوز من المحافظ ، لأن المسئوليه مشتركه ، فالمحافظ يؤدى دوره في رعاية المواطنين لذا في تقديرى أنه لم يخطأ على الإطلاق عندما وجه لوما شديدا للطبيبه المعتذر لها من رئيس الحكومه عندما لم تبادر على وجه السرعه بإسعاف الطفل المريض ، وبعد ذلك تطلب ماتشاء ، تذكره كانت ، أو رسوم ماليه مقرره فرضتها الوزارة في مارس الماضى فيما يتعلق برسوم الخدمه الطبيه المقدمه للمواطنين بالمستشفيات الحكوميه ، أو ماجاء في سياق اللائحة الأساسية للمنشآت الصحية ، التي دخلت حيز التنفيذ في 21 فبراير 2024 ، بقرار من وزيري الصحة والتنمية المحلية ، والتي تدخل التذكره في مضمونها ، لذا أتفهم جيدا من قال أن دخول المريض للكشف الطبي من غير تذكرة يعرض الطبيب أو الطبيبه للمساءلة ، لكن هناك ماهو أعلى من ذلك شأنا ، وقيمه ، إسمه الإنسانيه ، وأجل إسمه روح القانون ، والتى تسمو على مايبدو بنود قانونيه جامده ، لكن عند الدخول في أعماق تلك البنود سنجدها ترسخ لهذا المفهوم النبيل للبعد الإنسانى ، والذى بمقتضاه يجعلها وهى تنقذ الطفل مرتاحة الضمير ، وهل هناك أعظم لدى الإنسان من الضمير عندما يحركه الوجدان ، يضاف إلى ذلك أنها لو أنقذت الطفل ولامها مسئول تخضع إداريا لولايته لأنها لم تتخذ الإجراءات المطلوبه من الحصول على تذكره وخلافه ، ستجد كل المنصفين من أبناء الشعب قبل المسئولين فى القلب منهم المحافظ نفسه يصطفون معها ويحييونها ، لأنه ماذا لو فقد الطفل حياته ، ولم يتم إنقاذه والسبب عدم إستخراج تذكرة الكشف البالغ قيمتها عشرة جنيهات ، لاشك سنكون أمام مأزق أخلاقى عصى على أن نتقبله ، يضاف إلى ذلك وبإنصاف ماذا لو وضعت طبيبة المراغه نفسها مكان أهل المريض هل ستتحمل من يقول لها بأن تحضر تذكره أولا قبل أن يتم النظر فى شأن إنقاذ طفلها ، أو أحد أقاربها ، وكأن العشرة جنيهات ثمن التذكره أغلى من حياة الطفل .
إعتذر رئيس الوزراء ، ووزير الصحه للطبيبه ، وإلتقاها للترضيه محافظ سوهاج ، وثمنت على ذلك كله نقابة الأطباء في بيان لها ، وهو تصرف راقى ومحترم ومقدر ، لكن نسى الجميع الطفل المريض الذى إنحاز إليه محافظ سوهاج المحترم ، الذى فى تقديرى لم يفعل إلا واجبه فى حث الطبيبه على إنقاذ الطفل ، فهو لم يشتمها بأبيها أو أمها ، حتى تنال كل هذا الإعتذار ، والذى بسبب ذلك سيقول من الآن كل محافظ لكل طبيب بمستشفى أو طبيبه ياصاحبة السعاده ، وياصاحب السمو ، أرجوك أتوسل إليك نظرة للمريض ، ويرجوه إذا أخطأ ألا يفعل ذلك ثانية ، حتى لايجبربتعليمات عليا على الإعتذار له أو لها ، يبقى الضحيه المواطن المصرى الذين جميعا خداما له خاصة أسيادى المرضى ، فى تقديرى أن هذه المعالجه التى تنطلق من هذا النهج سيكون لها تداعيات سلبيه غير مسبوقه ، لأنها ستكبل بالأغلال يد أي مسئول لجأ إليه مريض لم يجد رعاية طبيه بالمستشفيات ، بل إن تلك المعالجه هي بمثابة ضوء أخضر لأي طبيب أو تمريض ، أو حتى عامل بمستشفى ، وطبعا معالى مدير مديرية الصحه في كل مديريه ، أن يكون نهج التعامل مع المريض قبل المسئول بصوره قد تتسم أحيانا بالجموح ، لأنهم أصبح على رأسه ريشه ، بل إن التداعيات السلبيه لهذا الإعتذار قد تدفع لإرتكاب تجاوزات غير محسوبة العواقب ، ولنا أن نضع أنفسنا مكان أهل مريض خاصة عندما يتم نقله لإستقبال المستشفى عقب تعرضه لحادث ، وقد وجد طبيبا أو طبيبه يتعامل معه بهذا الروتين ، لن يشعر أهل المريض إلا بإرتكابهم حماقه مع الطبيب أو الطبيبه رغما عنهم قد يندمون عليها لاحقا .
يقينا .. من بين هؤلاء الأطباء نماذج تجسد بداخلهم الإنسانيه ، ويعطون عطاءا مذهلا يستحقون عليه عظيم الشكر والتقدير والتوقير ، وهؤلاء أكون مرتاح الضمير وأنا أوجه الشكر لهم مرارا وتكرارا وكل الوقت حتى أن البعض من الأصدقاء لايعجبه تقديم كل هذا الشكر لهم لأنه واجبهم ، وأحاول التوضيح أنهم يبذلون جهدا أكثر من واجبهم ، لكنهم بشر لذا ليسوا جميعا على هذا النحو الذى نتمناه ، يبقى في المقابل أننى كثيرا ماألمس من تصرفات لقاده بتلك المنظومه تابعين للصحه يتعاملون بإستعلاء ، وإفتقاد للذوق ، وكذلك أطباء شباب يأتون بتصرفات تستفز الحليم ، كأن يجلس طبيب بالإستقبال يخاطب أهل المريض وهو يضع رجل على رجل ، ويشير إليهم بإصبعه أن يخرجوا من الغرفه الجالس فيها ، دون أن يتحرك لمتابعة حالة المريض الملقى في الغرفه المقابله متأثرا بحادث تعرض له ، قد يكون للطبيب حجيه كأن يكون هناك من التمريض من يجهزونه له لكن الطريقه والأسلوب يكتنفهم الإستفزاز الشديد ، وتدفع للتجاوز لأننا بشر ، ولقد عايشت ذلك بنفسى في أحد المستشفيات ، وآخر دفع برجل كبير ملهوف على مريض تم نقله للإستقبال في إلحاح يحركه الغريزه الإنسانيه وبشكل سخيف أمام كل الناس ، حتى أنه كاد أن يقع على الأرض ، فما كان من إبنه إلا أن إعتدى على الطبيب دون تفكير ، وكلا التصرفين بالقطع لايجب القبول بهما على الإطلاق ، لكن الواقعه تقزمت في أن هناك إعتداء على الطبيب ، وإصطف معه كل قيادات الصحه ، وعند إتخاذ الإجراءات القانونيه أدلى شهود العيان بأقولهم ، الأمر الذى دفع بقادة الصحه ، وإدارة المستشفى للم الموضوع ، لكن للأسف الشديد على أرضية إعتذار المعتدى عليه ومن حوله للطبيب أمام التمريض بالإستقبال ، ورضخ الناس لذلك لأنهم من البسطاء ، ثم تم تحرير محضر صلح .
كان يتعين إفهام الطبيبه البعد الإنسانى في إنقاذ الطفل المريض ، والتوضيح للمحافظ أن يردع أي خلل يراه لكن بصوره أكثر هدوءا ، إنما يعتذر رئيس الحكومه ووزير الصحه ويتواتر أنه سيلتقيها بمكتبه ، ويجبر محافظ سوهاج على الإعتذار للطبيبه عبر لقاء بمكتبه دون الإنتباه للطفل المريض الذى بسببه تحمس المحافظ ، وهو على حق ، وطلب بحده من الطبيبه أن ترعاه وهو على حق أيضا ، أراها معالجه إستعراضيه بالقطع قد يفهمها بعض الأطباء بالخطأ ، وسيترتب عليها مالانتمنى له أن يحدث بين المواطنين والأطباء ، لذا يتعين وفورا التأكيد على الأطباء أن يعمقوا بداخلهم البعد الإنسانى قبل المهنى والإدارى والروتينى ، وحق المريض أن يتلقى الخدمة الصحية المناسبة التي كفلها له الدستور ، وحق محافظ سوهاج وجميع الجهات الرقابية أن يؤدوا عملهم بقوه وحزم ، ومحاسبة أي موظف ، أو طبيب أو طبيبه بالقانون ، حال وجود أخطاء ، أو حدوث تهاون في حق المريض ، وضرورة أن ينتبه الناس لأهمية إحترام الأطباء ، وكل أعضاء المنظومه الطبيه ، وأن يكون التعامل بتقدير وليس بنديه ، بالمجمل .. نحن في حاجه إلى تحديد للمفاهيم ، وما لكل طبيب وماعليه ، وخلق بيئه صالحه للعطاء ، فكما تتمسك الطبيبه المعتذر لها بالتذكره وتجعلها أهم من صحة الطفل ، من حق أهل الطفل أن يجدوا من ينقذه وفورا ودون إبطاء ، وكذلك توفير الأدويه ومستلزمات العمليات وكافة الإحتياجات الطبيه للمريض دون تبرم لأنه حق دستورى مقرر .