لاشك أننا أصبحنا نعيش في زمن إنفصل من يتعايشون فيه ساسه كانوا أو رموز مجتمعيه عن واقع الحياه ، حتى فيما هو قريب ، وتاهت الحقيقه بعد رحيل شهودها ، وإنكفاء الآخرين في ركن ركين بحثا عن السكينه والراحه ترفعا بعد أن أصبحنا في زمن الهزل ، والذى فيه ندرك قادة في دولاب العمل الإدارى ، والأجهزه ، وآخرون يدورون فى فلك الحياه السياسيه ، والبرلمانيه والحزبيه ينتمون لأجيال شبابيه ينعدم لديهم الخبره لإبتعاد العظماء أصحاب التاريخ طوعا حفاظا على تاريخهم النضالى ، وآدائهم المشرف ، فتاهت الحقيقه وأمعن هؤلاء في قهر بعضهم بعضا عن قلة خبره منهم وإنعدام للفهم ، حتى تقزم كل شيىء في واقعنا الحياتى ، ولأنه الوطن الغالى يتعين على من عايش وعاصر مامضى من الأحداث أن يدلى بشهادته للتاريخ لتكون في معية الشباب وكل متصدرى المشهد السياسى وكذلك القائمين على أمر الأجهزه المعنيه ، لعلهم يستفيدوا منها في زمن إنعدم فيه الكفاءات ، ولعل مايجعلنى أتحدث بصدق أننى طوال عمرى أرصد المشهد حينا وأكون فاعلا فيه أحيانا إنطلاقا من وفديتى ، وإرادة الشعب التى أتت بى نائبا بالبرلمان وليس إنطلاقا من حضن السلطه الدافىء ، ويقين أن هذا الوطن الغالى يستحق من فيه حياه كريمه تحترم فيه الآدميه ، وينعم من فيه بالإستقرار .
أحمد الله على أننى وحتى اليوم وحتى كتابة هذه السطور الآن لم أكن يوما من الأيام ممارسا للعمل السياسى ، والنشاط الحزبى ، والأداء البرلمانى كنائب ينتمى للمعارضه الوطنيه ، إنطلاقا من مهادنه ممقوته ، متبوعه بتنفيذ مايملى على من تعليمات ، أو توجيهات تخالف قناعاتى السياسيه ، ومنهجى الفكرى الذى ينطلق من وطنيه حقيقيه قائمه على نهج إقرار الحقيقه حتى ولو تعارضت مع الإنتماء الحزبى ، وكذلك لم أكن يوما جزءا من أى منظومه إداريه أو حكوميه أو سياسيه مرجعيتها السلطه وما بها من مغانم كثيره ، رغم طبيعة عملى الصحفى التى تفرض الإرتباط بهم جميعا كل فى حقبة تحملهم المسئوليه ، بل ويكون لى صداقات بداخلهم يفرضها الواجب الوظيفى كصحفى يبحث كل الوقت عن الحقيقه ، والتناغم المجتمعى وكذلك الشخصى ، رغم تمسكى بممارسة السياسة من خندق المعارضه التى أتمسك بأنها يمكن أن تلعب دورا وطنيا حقيقيا يضيف لهذا الوطن الغالى كثيرا إذا صدقت النوايا ، وتجرد من فيها من الأنا ، ومنحت مساحه حقيقيه من الحريه .
نعـــم .. لم أكن يوما من الأيام مشاركا في الحياه السياسيه إنطلاقا من أحزاب السلطه في فترة حكم السادات رغم أننى كنت أحد قادة الإتحادات الطلابيه ، أومبارك ، والإخوان ، الذين عايشتهم وعايشهم معى أبناء جيلى ، وكذلك الآن ، حتى وإن كان التنسيق أحيانا أراه أمرا ضروريا بين جميع الأحزاب وحزب السلطه خاصة فيما يتعلق بالمعارك السياسيه ، والتحالفات الإنتخابيه إسترشادا بما سبق وأن فعله زعيم الوفد فؤاد باشا سراج الدين فى الثمانينات عندما تحالف ” الوفد ” مع الإخوان فى الإنتخابات البرلمانيه ، وقائمة في حب مصر التي كانت تمثل السلطه والتى دشنها سيف اليزل سيرا على هذا النهج ، ولعل ماساهم في ترسيخ ذلك أننى منذ صبايا وفدى حتى النخاع وإلى اليوم ، سيرا على نهج أبى وجدى رحمهما الله تعالى ، وبعد ذلك فى شبابى عن قناعه ، رغم مايمر به الوفد من منعطفات ليقينى أنه حزب يمرض لكنه لايموت ، تبقى هناك حقيقه يقينيه رصدتها ككاتب صحفى متخصص فى الشئون السياسيه والبرلمانيه والحزبيه ، وأدركتها كممارس للعمل السياسى من خندق المعارضه الوطنيه الشريفه والنظيفه حيث ” الوفد ” فى زمن الشموخ تتعلق بوضع حزب السلطه فى عهد السادات ، ومبارك ، والإخوان ، والآن ، مؤداها للإنصاف أن حزب السلطه المتمثل فى الحزب الوطنى كان قادته ومتصدرى مشهده أكثر فهما ، وأعمق رؤيه وإتزانا ، وأروع أداءا ، وأفضل نهجا فى فتح جسور من التواصل مع كل الأحزاب ، قائمة على المشاركه وليس المغالبه ، والإستعلاء ، والتهميش الذى أدركته فى تعاطى حزب السلطه الذى خرج من رحم الإخوان ، وكذلك حزب السلطه الآن .
هذا قد يكون طبيعى لأن الحزب الوطنى كان يقوده فاهمين واعين ، وحزب السلطه أيام الإخوان كان يقوده هواه بلاخبره وليسوا محترفين ، بالضبط أيضا كما هو حزب السلطه الآن رغم أنه يضم كفاءات كثيره لكنهم ليسوا فى الصداره ، كما أن نظام مبارك رغم نعته بالفساد طبعا بعد سقوطه إلا أنه كان أسمى وأجل من نظام الإخوان فى الثبات ، والرؤيه ، والإنقلاب على القناعات ، وليس أدل على ذلك من هذا الإنقلاب المدوى لكثر من قادة الإخوان على ماحاولوا تصديره للناس من أفكار سنوات وسنوات ، حتى ترسخت حقيقه فى الوجدان .
لعله من الإيجابيات التى يتعين أن ننتبه إليها فيما يتعلق بأنظمة حكم السادات ، ومبارك ، والإخوان ، وحزب السلطه فى تلك الأنظمه ، أن ماتم رصده عن قرب ، خاصة فيما يتعلق بالمعارك السياسيه ، والمواجهات الحزبيه ، وصراعات الأنظمه كان الكاشف الحقيقى فيها قناعات الأشخاص فكريه كانت ، أو مجتمعيه ، أو حتى سياسيه ، يبقى أن من يتناول من هؤلاء تلك الوقائع التى أصبحت تاريخ يتعين أن يتجرد من قناعاته السياسيه والحزبيه ، ولايغلب إنتماءاته على مايطرحه لأنه منوط به التحليل والفهم والبحث فى أعماق الوقائع ، خاصة إذا كان من بينهم أصحاب أقلام فرضت مهنتهم أن يكونوا شهودا على العصر ، من أجل ذلك كان التجرد الذى ألزمت به نفسى خاصة فيما يتعلق بتلك القضايا ، مسترشدا بالقاده الذين كان ينظر إليهم مريديهم على أنهم أعمق فكرا وأعلى شأنا وأصوب رؤيه . يبقى أيضا أن هذا التوضيح أراه واجبا إنطلاقا من تحليل دقيق ، ورصدا لواقع الحال ، خاصة مايتعلق بالقضايا الجوهريه التى كثيرا ماتشهد لغطا كبيرا فى الحياه السياسيه بين الساسه ، والمهتمين بالشأن السياسى ، والراصدين لأحواله ، وتطوراته ، وتداعياته من الأجهزه المعنيه كيف .. تابعونى .