عود على بدء فيما يتعلق بقضية الأحزاب في واقعنا المعاصر يطيب لى الكتابه إنطلاقا من تجارب الحياه والتفاعل السياسى بالمجتمع ، والذى إنطلق حين نازعتنى نفسى بين الثبات على المبدأ ، والإنصياع الكامل لما يسمى الإلتزام الحزبى ، والإمعان فى المديح كما يفعل كثر عمال على بطال لكل من بيده أمرا مبتغى ، وذلك لمخالفة كل ذلك والمبادىء التى تربيت عليها ، مع مايطلب منى أن أؤديه إنطلاقا مما يسمى الإلتزام الحزبى ، وطبيعة المرحله التى بات يتعاظم فيها الطبل والزمر لحماية النفس ، وإتقاء الشرور والمكائد ، فكان من الطبيعى أن أنحاز بالكليه لقناعاتى ، تنبهت إلى خطورة ذلك على الممارسة الحزبيه ، وواقعنا السياسى ، والمجتمعى ، خاصة بعد أن أدركت أن هذا يحدث فى كل الأحزاب ، وأن ماتربيت عليه وتعلمته عن قرب ومعايشه من زعيم الوفد فؤاد باشا سراج الدين ، وقادة الوفد العظام تبخر منه الكثير ولم يعد له وجود فى واقع الحال ، لكننى تمسكت بما تربيت عليه عن قناعه ، وتأثرا بالدور الوطنى الذى كان يؤديه قادة الوفد ، وهذا القدر من الإخلاص الذى لمسته فى تعاطيهم مع القضايا ، ومناقشتهم للموضوعات .
بمرور الأيام ، وتعاقب الأجيال ، وإختلاف الزمان ، ورحيل القاده العظام ، أدركت أن ماتحفظت عليه كان بالأمر اليسير أمام ماأدركته لاحقا فيما يتعلق بواقع الأحزاب السياسيه ، والتى أراها جزءا من النظام ، وأحد أدوات ضبط الإيقاع بالوطن ، ومن المفترض أن تؤدى تلك الأحزاب دورها الوطنى فى مناقشة قضايا الوطن ، وطرح رؤيتها كل من خلال قناعاته والتى تتعدد فيها الرؤيه نظرا لإختلاف القناعات السياسيه بين ليبرالية الوفد ، وإشتراكية اليسار ، ونهج الناصريين ، وهذا أمر طيب ومحمود ، خاصة فيما يتعلق بمشكلات الوطن ، والتى يعدها لجانهم المختصه والتى من المفترض أنها تضم كفاءات على أعلى مستوى ، خاصة وأن جزءا من ممارساتها يعتمد على تصويب الخلل الذى نراه فى حزب السلطه وكذلك أداء الحكومه .
مؤلم أن أقول ونحن مقبلون على إستحقاقات إنتخابيه أنه لايوجد وبصراحه شديده وشفافيه أحزاب سياسيه فاعله فى هذا الوطن الغالى ، بل إن النهج السياسى والمجتمعى لغالبية الأحزاب السياسيه الآن يعد إهانه للتاريخ السياسى والحزبى العظيم لهذا الوطن ، ومناضليه جيلا بعد جيل ، خاصة بعد أن أمعن معظم الأحزب فى الإبداع من خلال تقديم التنازلات ، والإبتهاج بأن يظهر قادته فى معية حزب السلطه وروافده من أحزاب هي أيضا أحزاب سلطه ، الأمر الذى جعلنا نتندر على الحزب الوطنى الذى كان يضم قاده ، ومفكرين ، وخبراء ، يتعاظم ذلك عندما نعرف أن الأحزاب بات يحكم تشكيل غالبيتها تجمعات أسريه ، وعلاقات شخصيه ، ومصالح مشتركه ، حتى وجدنا رئيس حزب ، وإبن شقيقته أمينا للشباب ، وإبنة صديقه أمينه للمرأه ، بل إن رؤساء أحزاب كثر وزعوا عضوية البرلمان فيما بينهم ، فوجدنا رئيس حزب عضوا بمجلس الشيوخ وأحد قادته ، وإبنته التى لايعرف أحدا إسمها عضوا بمجلس النواب ، وآخر عضوا بالشيوخ ، وإبنه عضوا بالنواب عن الشباب .
بات من نافلة القول أن نسمع فى جنح الظلام من يقول بداخل مقارات هذه الأحزاب بتداول السلطه ، ثم نراه عندما يحين الصباح يهلل ويكبر لحزب السلطه وحوارييه من الأحزاب ، ويجعل من فيه القاده والرواد ، لاشك أن هذا إستخفاف بالحياه الحزبيه ، ونقطة ضعف لاشك يتسلل من خلالها اليأس والإحباط خاصة بين جيل من الشباب ، فكيف نبنى وطن متصدرى مشهده السياسى والحزبى والبرلمانى جاءوا فى غيبه من الزمان ، ومبدعيه خاصة من الشباب تم القذف بهم للمجهول والإنشغال بالبحث عن عمل .
خلاصة القول .. إذا كنا جادين بحق لتغيير واقعنا السياسى المتأزم ، والحزبى المتردى ، نعم المتردى رغم كل عمليات التجميل ، والترقيع ، يجب وضع آليه حقيقيه لتفعيل أداء تلك الأحزاب ، ورفع الرقابه الأدبيه عنها والوصايه ، وإخراجها من بيت الطاعه حتى وإن تعثرت ، لأن فى تعثرها قد يكون علامات مضيئه يتعلمون منها فتجعلهم أعلى قدرا وأرفع شأنا ، لأنها من المفترض أن يديرها ساسه ناضجين واعين ، وليس من هم من خلف ستار لاعلاقه لهم بالممارسات الحزبيه التى تكتسب بالممارسه ، أو الإنتباه أن المعارضه جزءا من النظام ، فإذا كانت معارضه هشه ضعيفه ، ستكون أحد أدوات ضعف النظام دون أن يدرى ، لأنها ستجعله يتخلى عن الإبتكار والإبداع والتطور ، إذا كنا نريد تقدما حقيقيا لهذا الوطن فى كافة المجالات لابد من تقوية الأحزاب السياسيه ، وهذا لن يتأتى بهذا الكم الهائل من الأحزاب الذى أتحدى أن يقول لى أى ممارس للعمل السياسى أو حتى قياده حزبيه أسماء عشرة أحزاب بعد أن تجاوز عدد الأحزاب المسجله بلجنة شئون الأحزاب المائه ولهم حق الممارسه السياسيه . اقول ذلك لله ثم للوطن ، وحبا وليس تزيدا ، وحزنا على تلك النظره الممزوجه بالسخريه التى ألمسها فى أعين الباحثين ، والمتخصصين الدوليين فى شئون الأحزاب ، أطرح ذلك لعلنا نستلهم العبر ونحدد مواطن الخلل ، ومانتمنى أن يكون منطلقهم يساهم فى نهضة وطننا الغالى ، وأهمية الثبات على المبدأ ، وعدم المهادنه بغية تحقيق مكاسب سياسيه ، أو مجتمعيه ، تابعونى .