اليوم حديث الصدق الذى نجتهد أن يكون واقعا فى حياتنا ، ونتعايشه فى الأيام الطيبه ، خاصة وقد أنهكتنا الحياه ، وأرهقنا تصرفات البشر ، وحاصرنا اللامعقول ، وأصبحنا نتعامل مع اللامفهوم ، ونتعايش مع اللامنطقى ، وأصبح من يبدعون في النفاق في صدارة المشهد ، ومن يبرعون في التزلف أصحاب شأن ، لذا كان من الطبيعى أن نعيش جميعا في تيه ، ويتوارى الكرام عن الأعين ، حتى وصل بنا الحال أن يلازمنا الدعاء المأثور اللهم سترك ياستار ، ولولا دعوات أسيادنا من المرضى ، ومن جعلنا الله من الجابرين بخاطرهم لإعتزلنا الحياه كل الحياه حفاظا على ماتبقى لدينا من تناغم نفسى . ليست تلك نظره سوداويه ، إنما هو توصيف دقيق ويقينى لواقع الحال ، أراه ضروريا للبحث عن مخرج من هذا التردى ، يعمق ذلك أن الله تعالى أورده في سورة البلد بقوله عز وجل ” لقد خلقنا الانسان في كبد “ .. ويفسر ابن عباس الآية بقوله ، إن الله خلق الانسان وهو يكابد أمر الدنيا والآخرة.. أحد المفسرين ذكر أمثلة كثيرة على الكبد والمشقة التي يعاني منها الانسان منذ أن تدخل أول ذرة من هواء الاكسجين الى رئتيه.. إذ أن المشقة تبدأ من الضيق الذي عليه الجنين في رحم أمه، والمعاناة من الظلمات الثلاث التي هو عليها.. حتى إذا ما دنا أجله، وحانت ساعة الخروج الى الدنيا، بدأت معاناة الطفل وهو يخرج من رحم أمه.. ومع أول نسمة هواء يصرخ الطفل متألماً من الهواء الداخل الى صدره، وهذه هي بداية المعاناة والكبد والمشقة ، وتستمر بمرور الأيام ، وبعد أن يقترب الطفل من ساعة الفطام وهكذا في كل مجريات حياته .
هذا الطرح أبدى وليس وليد اليوم كما جسده كثر جيلا بعد جيل ، لعل أشهرهم ماجاء فى القصيدة الشهيره والتي كانت بعنوان ” تعب كلها الحياة ” للشاعر العباسي أبي العلاء المعري ، التي كان يرثي فيها صديقه أبا حمزة الفقيه الحنفي ، والذى كشف فيها بما يدل على فلسفته الحياتية في مسألة الموت والخلود ، وهذه الآراء مشهورة عن المعري ، فيؤكد أنّه في قرارة نفسه لا يحب النواح الكثير ولا الفرح الكثير، فالأمران عنده سيّان إذا ما علم الإنسان أنّ الأرض والدنيا هي دار فناء، وأنّ الناس ستموت ويخلفهم آخرون كما حدث منذ عهد عاد ؛ فقد خلفت أمَّةٌ أمَّةً أخرى، وربما صارت الأرض نفسها مقبرة مرتين ، فالأرض تحتنا فيها رفاة قوم لم نعلمهم ، وربّما القبر الذي ندفن فيه أمواتنا اليوم قد ضمّ رفاةً من أقوام بائدة ، وربما تشهد الأرض على ذلك لو سألناها ، لذا فإنّ الحياة هي تعب متواصل ، فلا راحة للإنسان فيها ، فكيف يطلب بعض الناس أن يطول عمرهم ليبقَوا فيها وهي دار تعب وشقاء ؟ فلحظة الموت يتأثّر الإنسان فيها أكثر من ساعة الولادة ، والناس في هذه الدنيا ليسوا بخالدين فيها ، فإنّهم بعد الموت ينتقلون لدار الحساب ؛ فإمّا شقاء دائم وإمّا راحة دائمة ونعيم ،
تلك الحاله الوجدانيه دائما ماتكون محور نقاش مع الأحباب ، إنطلاقا مما إعترى الأحباب من أمراض ، هي تنبيه لنا أن ندرك ضآلة الحياه ، لعلنا نستطيح كبح جماح النفس والتعايش مع الإيمان ، إلى الدرجه التي قال فيها صديق ، لقد زلزلت كيانى ، وأخرجتنى من غفلتى ، تأثرا بهذا الإدراك المتكرر من خلالك لأحوال المرضى من بلدتنا ومعاناتهم ، فقد نبهتنا إلى حقيقة الدنيا ، وضعف الإنسان ، جاء ذلك وهو يتابع معى منذ أيام أحوال مريض صديق من بلدتنا بسيون بمركز أورام طنطا حيث كنت أستمع بإنتباه شديد لما كان يوضحه الرائعين بحق من الأطباء ، إستشعرت معها الزهد فى الحياه ، وتقزم أمام عينى كل المناصب ، وتعجبت من هذا الصراع الذى ألمسه فى كل مجريات الحياه بين الناس ، حتى الأخوه الأشقاء ، وهذا الجبروت من صغار المسئولين الذين بيدهم سلطه يتفاعلون معها إنطلاقا من جبروت وليس رحمه ، وطمأنينه وعداله ظنا منهم أنهم بذلك يحبون الوطن ، ويخدمون البلد ، وهم لايدركون أنه يرسخون لدى الناس إحباطا حتى من الحياه ذاتها ، والمجتمع نفسه وبالتالى تقصيرا فى العطاء ، وإخفاقا فى إحداث أى تقدم .
خلاصة القول .. كل تلك المعانى النبيله أصبحت كثيرا ماأتوقف أمامها إستلهاما للعبره ، وتأثرا بتلك الحاله من القلق والمعاناه ، والتوتر التى تنتاب أصحاب الأمراض خاصة الفتاكه منهم وأسرهم ، وكيف أن القلق يتلاشى بفضل الله فور إدراكهم أملا فى حديث طبيب ، بوجود نسبه من الشفاء ولو بسيطه ، من أجل ذلك يتعين علينا أن ننتبه جيدا إلى أن أحد أهم أنواع القهر وأعتاها في تقديرى عندما يفتقد الإنسان من يجبر بخاطره ، ويجد نفسه غير قادر على تدبير مصاريف العلاج ، أو إستحضار الدواء الفعال ، والذى قد يقضى على إنهاك الجسد من الإعياء ، وأكثر من ذلك يصل القهر منتهاه عندما يكون للباحث عن الدواء علاقة وظيفية بالطب وتتجلى رسالته في علاج المرضى والتخفيف عن آلامهم ، وتذليل العقبات أمامهم رغم عجزه عن إتخاذ قرار بشأن نوع العلاج اللازم أو اليقين بنسبة الشفاء .