كتب: أحمد تركي
يتميز المجتمع العُماني بسمة فريدة تميزه عن كثير من المجتمعات العربية، وهي احساس المواطن بمسئوليته تجاه وطنه والمحافظة عليه، وإدراكه بأن دوره لن يقل أهمية عن دور المؤسسات الحكومية، ومن تنبع أهمية الشراكة والتكامل بين الأدوار الفرد والمؤسسة، وهذا الوعي ارتكز عليه بناء عُمان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن.
وفي خضم جائحة كورونا والتي خلفت حتى الآن ما يناهز المليون مصاب وأكثر من ستة وأربعين ألفاً من الوفيات، والتي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بأنها أسوأ أزمة عالمية منذ تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، تأتي المبادرات المجتمعية الصحية في سلطنة عُمان، كاستجابة أخلاقية تنبع من منطلق احساس المواطن العُماني بالمسؤولية وتطويع طاقته وأفكاره فيتحول من طرف متلقي إلى آخر مشارك في إيصال الرسالة الإنسانية على أكمل صورة.
يمكن القول أن هذه المبادرات تتكامل مع ما تبذله حكومة السلطان هيثم بن طارق من جهود حثيثة ودؤوبة سواء كانت هذه الجهود متعلقة بالإجراءات الاحترازية والنصائح والإرشادات الموجهة إلى الجميع (مواطنين ومقيمين) للتعامل مع هذا الوباء، والوقاية من انتقال عدواه إلى الآخرين، وكذلك الإجراءات والقرارات العلاجية والاحترازية والوقائية الموجهة إلى المصابين أو الخاضعين تحت الرقابة الصحية للتأكد من سلامتهم وعدم إصابتهم بالعدوى، أو تلك الجهود المتعلقة بتأمين السلع والمواد الاستهلاكية.
ولأن هذه المبادرات تُعد تجسيداً حقيقياً للشراكة بين القطاعات الصحية المجتمعية والأفراد، مع جهود المؤسسات العُمانية ومبادرات السلطان هيثم بن طارق، وباعتبار ذلك من العناصر الأساسية لمنظومة الرعاية الصحية العُمانية الأولية، فقد شرعت دائرة المبادرات المجتمعية الصحية برسم استراتيجية لتفعيل دور المجتمع بالمساهمة في الحد من مواجهة فيروس كورونا (كوفيد ـ 19) بوصول المرض الى السلطنة بدأت الدائرة العمل من خلال التواجد في الفريق الفني المشكل في الوزارة لمواجهة المخاطر الناجمة عن انتشار الوباء، حيث وضعت الدائرة الاستراتجية المعدة مسبقاً قيد التنفيذ استعداداً للقادم، وكخطوة استباقية قبل تزايد الاصابة بالفيروس عملت على التجهيز والتحضير للمرحلة المقبلة وتعزيزاً لهذه المبادرات.
وحول هذه المبادرات قالت الدكتورة هدى بنت خلفان السيابية مديرة دائرة المبادرات المجتمعية الصحية بوزارة الصحة العُمانية: لقد خطت البرامج القائمة على مشاركة المجتمع خلال ربع القرن الأخير في معظم دول العالم خطى واسعة حققت من خلالها نتائج مبهرة مبرهنة على أهمية هذا النهج الذي روجت له منظمة الصحة العالمية في ثمانينيات القرن الماضي وكانت السلطنة من أوائل الدول التي تبنته وعملت على تنفيذه في مختلف ربوعها.
أوضحت السيابية بأن هذه المبادرات قد عبرت منذ تسعينيات القرن الماضي بمنهج عملها وما حققته من نتائج مدى صوابية الأسس التي قامت عليها ومدى أهمية إشراك المجتمع في التخطيط والتنفيذ لتعزيز الصحة وتحسين نوعية حياة السكان، كما تنوعت أشكال ومسميات المبادرات المجتمعية المعززة للصحة كالمدن والقرى الصحية وتمكين المرأة وتلبية الاحتياجات التنموية الأساسية ومشاريع أنماط الحياة الصحية، وتنفذ هذه المبادرات من خلال تدخلات في المواقع المستهدفة وفق أهداف تأتي في مجملها ضمن منظومة فكرية قائمة على ترسيخ الاعتماد على الذات والمشاركة النشطة من قبل أفراد المجتمع وعملية منسقة بين مختلف القطاعات وذلك بما يساعد الناس ويمكنهم من مساعدة أنفسهم من جهة ومساهمتهم بدراسة واقعهم الراهن والتخطيط والتمويل الجزئي لتنفيذ احتياجاتهم الصحية والتنموية من جهة أخرى.
وقالت مديرة دائرة المبادرات المجتمعية الصحية بوزارة الصحة العُمانية: تعمقت فكرة الشراكة المجتمعية والتعاون القطاعي بعد تشكيل اللجان الصحية عام 1999 في مختلف الولايات، وقد برهنت هذه اللجان فاعليتها في التصدي لمختلف التحديات الصحية من خلال تشخيص المشكلات المجتمعية ووضع الحلول المناسبة لها والاستغلال الامثل للموارد والقدرات الكامنة لدى أفراد المجتمع لحل تلك المشكلات، وقد سعت دائرة المبادرات الصحية المجتمعية بوزارة الصحة للإستفادة من اللجان الصحية لرفع مستوى الوعي لدى المجتمع من خلال تفعيلها وتمكين أعضائها من أداء دورهم في الحد من مخاطر الوباء بإطلاعهم على الوضع الوبائي بولاياتهم والوقوف على العقبات والتحديات التي قد تعرقلهم، كما دأبت الدائرة على متابعة الأعمال الموكلة بكل لجنة والاشراف عليها ورفدهم بالموادالتوعوية اللازمة والنشرات التثقيفية حول الجائحة لبثها والمساعدة على نشرها مجتمعياً.
وأشارت السيابية، بأن تلك اللجان الصحية تعتبر من أبرز التنظيمات الإدارية الموجودة في سلطنة عُمان تضم بنيتها خليطاً مجتمعياً من ممثلي القطاع الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى أفراد المجتمع المحلي لتؤدي دوراً محورياً في نشر الوعي وتمرير أجندات الوقاية من المجتمع وللمجتمع نفسه بحيث تتبادل الأدوار ويكون في هذه الخلية أبناء الوطن هم النسيج الأهم ويتولون دور المسؤولية ويقع على عاتقهم العمل الأكبر في حين يكون ممثلو القطاع الحكومي جهة تنظيمية إدارية، إلتزاماً بواجب جميع الأطراف للعمل على الحد من أضرار جائحة (كوفيد ـ ١٩) وانجلائها بأقل خسائر ممكنة، وقد عقدت اللجان الصحية ـ البالغ عددها (61) لجنة نحو (45) اجتماعاً استثنائياً ناقشت فيه الاجراءات المتبعة للحد من مخاطر فيروس كورونا، وقد عمل رؤساء أقسام المبادرات المجتمعية الصحية ومقررو اللجان الصحية في جميع المحافظات العُمانية على تحديد المهام وتعزيز عمل اللجان وتنفيذ الخطة بكافة تفاصيلها وأنشطتها كما دأبوا بجهد مضاعف على تنظيم الدور المجتمعي وتعزيزه لتقوم كل لجنة بالدور المسند اليها للمساهمة في الحد من انتشار الجائحة.
وتقوم دائرة المبادرات الصحية المجتمعية بسلطنة عُمان حالياً بإعداد قوائم تتضمن أسماء وعنواين المتقاعدين من ذوي المهن الصحية بهدف إستقطابهم للعمل كمتطوعيين إن لزم الأمر و الإستفادة من خبراتهم في الحد من تبعات انتشار فيروس كورونا( كوفيد ـ ١٩)، حيث تعتبر المبادرات المجتمعية الصحية بكل أشكالها التي يجري تنفيذها في سلطنة عُمان الأداة العلمية في الوصول إلى عمق المجتمع العُماني، بما يجعلها تحقق أهدافها المنشودة.
يبقى القول أن الشراكة والتكامل هي السمة الفريدة لمنظومة العمل في سلطنة عُمان منذ تولي قابوس بن سعيد مقاليد في 23 يوليو 1970 والتي استمرت وتجذرت مع تولي السلطان هيثم بن طارق خلفاً له.
جميع الحقوق محفوظة | جريدة صوت الشعب الإلكترونية 2020