قبل أن يمضى قطار العمر أدركت أن السياسه بلاء شديد ، وتضحيه ، وصراعات ، بل وتعايشت مع تفاصيل ذلك منذ أربعين عاما مضت حين إلتحقت بالوفد حزبا وصحيفه ، وإدراكى لتاريخ الوفد العظيم ، والذى كان الحزب الحاكم في مصر قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، وكان حزب الأغلبية ، لذا تولى الوزارة معظم الوقت في مصر منذ عام 1924 وحتى عام 1952 والتي قامت بتغيير نظام الحكم في مصر من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري ، وألغت الأحزاب السياسية المصرية في يناير 1953 ، وحلت كل الأحزاب القائمة بما فيها حزب الوفد ، ولم يعد الحزب إلى نشاطه السياسي إلا سنة 1978 في عهد الرئيس السادات بعد سماحه للتعددية الحزبية ، وذلك على يد فؤاد باشا سراج الدين ، وفى مسيرته فى عهد الملكيه تعرض قادته لتشويه كبير وإعتقالات حيث إعتقل سعد زغلول ونفي إلى مالطا هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919 م ، نال قادة الوفد نفس التشويه فى عهد السادات وما لويس التاسع عشر الذى دجنه الإعلام إسقاطا على فؤاد باشا سراج الدين ببعيد ، وإنتهى بإعتقال رمزه فؤاد باشا سراج الدين فى إعتقالات سبتمبر 81 ، والذى كان وزيرا للزراعة في 31 مارس سنة 1942 ، ثم وزيرا للشئون الاجتماعية ، وبعدها وزيرًا للداخلية في يوليو سنة 1942 ، وزعيما للمعارضة الوفدية في مجلس الشيوخ عام 1946 ، ثم وزيرا للمواصلات في يوليو سنة 1949 في وزارة حسين سرى الائتلافية التي مهدت لانتخابات عام 1950 .
دفع ممارسي السياسه ، وأولادهم ، وأحفادهم ، ثمنا باهظا تأثرا بتقلباتها القائمة على نهج الإقصاء ، والإخفاء ، والسحق ، والتشويه ، وصل هذا الثمن أحيانا إلى تشريد ، وفرض حصارا مجتمعيا عليهم ، وكل من يلوذ بهم ، إمتدادا حتى الأحفاد الذين لادخل لهم فى هذا الصراع السياسى الوجودى ، بل إنهم يدفعون ثمن نهج بغيض فرض وجوده على الساحه السياسيه المصريه جيلا بعد جيل ، حيث حوكم قادته أمام محكمة الثوره ، وتم تشويه فؤاد باشا سراج الدين والتجاوز بحق أسرته ، وإمتد ذلك إلى ذكى بدر وزير الداخليه الذى إستخدم نفس النهج تحت قبة البرلمان الأمر الذى دفع بالنائب الوفدى طلعت رسلان إلى صفعه على وجهه وهو يعتلى المنصه ليسكته عن تجاوزاته التى لم يوقفها رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ، وتوقف ذلك الآن بالقطع بعد تراجع الدور القوى للأحزاب السياسيه تأثرا بتغيير طال واقع الحياه السياسيه .
مضت الأيام والسنين ، ومازال هذا النهج البغيض يسيطر على مجريات الحياه السياسيه ، التى كانت بين المد والجزر ، لكن بصور أخرى منها إدخال جميع الأحزاب بيت الطاعه فى عهود متتابعه ، وجعلها أحزاب وصيفه لحزب السلطه ، حدث هذا أيام الحزب الوطنى ، ويحدث هذا الآن في وجود أكثر من حزب بات جميعهم محسوبين على السلطه ، حيث منحوا كل الحريه دون سواهم فى التحرك وممارسة النشاط ، بل وإستخدام النهج الذى إمتعضنا منه ، وإعتبروه هم أنفسهم أن من يأتى به شياطين من الإنس ، على أوسع نطاق وهو نهج كرتونة الزيت والسكر ، والفاعليات الدراماتيكيه ، رياضيه كانت أو مجتمعيه ، رغم أن أمامهم فرصة ذهبيه للإبتكار خاصة وأن لديهم كوادر رائعه بحق ، لكنهم فقدوا هذه الفضيله لأنه لايبتكر إلا من له منافسين بحق وهم ليس لهم منافسين وبالأمر .
من هنا أدركنا أن التطور السياسى لايقوم على تفريخ قيادات ، إنما سحقهم ، الأمر الذى أصبحت أتندر فيه على جيل عاصرته صبيا عندما عايشت الإنتخابات البرلمانيه التى أفرزت فيها الإراده الشعبيه نوابا فى حجم اللواء عبدالمنعم الشاذلى ، ومحيى بك الشاذلى ، والوزير الوفدى عبدالفتاح باشا حسن نواب بسيون رحمهم الله تعالى ، الأمر الذى تعاظم معه فى نظرى دور النائب وشموخه ، ولى أن أفخر أننى إمتدادا لهم حيث تشرفت بعضوية البرلمان فى نفس الدائره عن الوفد ، بل كنت النائب الوفدى الوحيد عن محافظة الغربيه فى برلمان 2000 ــ 2005 ، ومرت الأيام ولم أكن أتصور أن جيلى بات فى ذمة التاريخ ، أشخاصا وكيانا ، وحتى أداءا ، وأن الأجيال يمكن لها أن تنحدر يوما من الأيام هذا الإنحدار السياسى البشع فى الفهم وحتى فى الأداء .
لعل من أكبر الكوارث التى خلفها هذا النهج البغيض كما سبق وأن أوضحت تراجع كل الكفاءات ، وأصحاب الخبرات طوعا خطوه للخلف قبل أن تفرض عليهم جبرا وذلك تفاديا لما حدث لمن قبلهم ، حتى فى شغل الوظائف العامه ، الأمر الذى معه أعرف أشخاصا رائعين يتمتعون بكفاءه متفرده إعتذروا مرارا وتكرارا عن شغل مواقع وظيفيه رفيعه ، ورفضوا قبول المشاركه فى الحياه السياسيه من خلال عضوية حزب السلطه ، وحتى أحزاب المعارضه والمستقلين ، وذلك إحتراما لتاريخهم ، وحفاظا على عملهم الخاص ، أو موقعهم الوظيفى الذى يشغلونه فى كنف الجهاز الإدارى ، وحماية لأنفسهم وأولادهم وأحفادهم من أى مكروه وسوء .
المؤلم أنه بات من الطبيعى أن كل قياده مجتمعيه ، أو سياسيه ، أو برلمانيه ، أو حتى كفاءه وظيفيه محط إرتياب من كثر بالأجهزه ، على خلفية حاقدين عليهم ، أو مرعوبين من أن يعودوا بقوه للساحه بعد حالة الضعف التى إنتابت الممارسه السياسيه ، والحياه المجتمعيه ، ولنا فيما حدث للعظماء الرائعين القيمه القانونيه الرفيعه وحجة القانون الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب ، وصاحب المواقف والشهامه النائب الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهوريه ، وصديقى وأخى الذى لم تنجبه أمى النائب المهندس سامح فهمى وزير البترول الذين أشهد لهم جميعا بأنهم قامات رفيعه وهى شهاده غير قابله للتجريح لأننى لم أكن فى خندقهم كرموز للسلطه فى عهد مبارك بل إننى كنت ومازلت أنتمى للمعارضه الوفديه فى زمن الشموخ ، بالقطع يؤثر ذلك سلبا فى أى كفاءه بالوطن ومن الطبيعى ألا يؤسس هذا المناخ لآليه تدفع فى طريق التقدم والإزدهار وبناء الوطن على أسس سليمه . كما يدفعنى إلى تناول واقع الأحزاب السياسيه ومانتمنى أن تكون عليه بصراحه . تابعونى .