كتبت : بسمة على
جلس مع أسرته الصغيرة أمام التلفاز ينتظر تحري رؤية الهلال، وإعلان دار الإفتاء ان غداً أول أيام شهر رمضان المبارك … وجاءت اللحظة المرتقبة..
وأعلنت دار الإفتاء ان غداً هو الموافق لأول أيام شهر رمضان، وهتف أطفاله فرحين “غداً رمضان”وكتب على شاشة التلفاز( كل عام وانتم بخير ورمضان كريم) وتحدثت المذيعة مهنئة المشاهدين “رمضان كريم وأعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركات” وبدأت جميع القنوات بإذاعة اغاني رمضان الجميلة (وحوي يا وحوي ورمضان جانا) .
فقام مسرعاً وأمسك بهاتفه المحمول، وقام بتحديث صورة ملفه الشخصي واضعاً صورة فانوس رمضان، وبجواره مصحف وسبحة، وطبق تمر وبخور وكتب (مبارك عليكم الشهر الفضيل) وبدأ بوضع الإعجاب والقلوب لأقاربه وأصدقائه وزملائه والمعارف والجيران، وهرول مسرعاً بالإتصال بكل شخص يعرفه مهنئاً له وهو في غاية السعادة .
وما أن إنتهى نظر إلى زوجته وسألها “ماذا سوف تعدين لنا على الإفطار غداً ” فوجدها تنظر إليه وإعتلت وجهها إبتسامة باردة، وجاوبت بنبرة صوت مختلطة بالحزن والإنكسار “الذي تريده يا أبا محمد” وصمتت برهة… ونظرت إليه نظرة كلها لوم وعتاب.. ثم قالت “وأنت طيب.. الله أكرم” فتغير وجهه وإختفت إبتسامته، وشعر بالحرج منها.. إنه لم يهنئها هي ولا الأولاد قبل أي أحد، ولم يضع بين يديها التي تعد له الطعام قلباً، ولم يبدي إعجاباً بكل ما تفعله لأجله، ولأجل الأولاد والبيت طيلة هذه السنوات، وهي صامتة ولم تعاتبه في يوم من الأيام، ولم تقصر في فعل أي شيء لإسعاد هذه الأسرة.
كان حوار عميقاً وقوياً، ولكن بدون كلمات.. حوار بلغة أخرى لا تعرف الكذب ولا المجاملة بين عينين ربما لم يلتقيا منذ سنين.. كانتا مشغولتين بالنظر في هموم الحياة ، والنظر في الهاتف المحمول والتلفاز .. وعادت ورسمت نفس الإبتسامة الباردة.. ثم ذهبت إلى المطبخ لغسل الأطباق والتحضير لوجبة السحور، وجلس هو في غرفة المعيشة بمفرده شارداً فيما قالته زوجته، وفي ردة فعلها محادثاً نفسه “لقد قمت بتهنئة كل من أعرفه إلا زوجتي وأولادي ، وهم اقرب إلي من أي أحد، وأحق الناس بإهتمامي ورعايتي وحناني ومرحي.. وأجر إبتسامتي مضاعف لو كان في وجهها هي وأولادنا.. هكذا علمنا النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم).. كل طعام لذيذ آكله من يدها، وكل لباس نظيف ومهندم أرتديه.. وكل يوم إهتمت بي وبإحتياجاتي ورغباتي، وكل ساعة رعت فيها أولادنا وحفظت بيتنا.. الذي ما كان ليستمر بدون عطائها وضحكاتها ودموعها، ولا بدون صراخ ولعب أولادنا … آآه كم كنت قاسياً..! حتى لم أتذكر ان أهنئ نفسي.. ولكن هي تذكرتني وهنئتني قبل أي أحد، وكان كل همها أنا والأولاد والبيت “.. فهب مسرعاً إليها وقبل رأسها ويدها قائلا “رمضان كريم يا أم محمد يا زوجتي الغالية ” إحمر وجهها خجلاً وإبتسمت له في حياء، ونظرت في عينيه نظرة كلها حب ورقة.. فدق قلبه وتنهد… وقال “لقد علمتني درساً في الحياة لن أنساه ابداً.. أتدرين ما هو؟” ضحكت، وقالت في تعجب..! “ما هو؟”
إبتسم لها.. ثم قال “الأقربون الأولى بالمعروف… هم أنا ثم زوجتي ثم اولادي ثم أهلي ثم الآخرون” وتعانقا بكل مودة ورحمة… ثم انتبها!! لصوت إبنتهما الصغيرة “تعالى يا أبي لنعلق الزينة وفانوس رمضان” فضحكا، وأجاب إبنته” نعم نعم أنا قادم ” وحملها على كتفه وإنطلق راكضاً بها نحو الشرفة ممسكاً بيده الفانوس، وهو يغني لها” وحوي يا وحوي” وصوت ضحكاتها يملأ أرجاء البيت.