ذات يوم أدركت الكرسى الذى رحل عنه الوزير وكأنه في حداد على صاحبه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالننتبه .. جميعا موتى .. الحاكم والمحكوم ، الغنى والفقير ، الظالم والمظلوم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلـم :
#الكاتب_الصحفى
#النائب_محمود_الشاذلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبت قبل ذلك مرارا وتكرارا وكأننى أكتب بنبضات القلب لذا تظل الكلمات خالده ، ومؤثره ، كتبت مؤكدا أنه كثيرا ماأضع أمام عينى أحوال المرضى و الإنتباه لحقيقة الموت التى أحيانا تشغلنى عنها مجريات الحياه ، يتعاظم ذلك عند مرض حبيب أو فقدان عزيز ، وإستشعرت ذلك جليا ذات يوم فى رحاب مستشفى مصر للطيران بالقاهره قبل وفاة صديقى الحبيب وزير الرى العظيم الدكتور عبدالهادى راضى بأيام حيث جلست بجانبه أتأمل وجهه وأبادل إبتسامته بإبتسامه مصنوعه حيث تلاشت من نفسى السعاده تأثرا بمرضه العضال ، وإذا بقبضة يده تقبض على قبضة يدى وكأنه أراد أن يطمئننى أنه بخير ويقول بصوت هادىء أنا بخير طمن كريمه وأشرف ، وكريمه هذه هى الكاتبه الصحفيه الكبيره الزميله العزيزه الأستاذه كريمه السروجى مدير تحرير الأخبار ، وأشرف هو الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ أشرف بدر مدير مركز التنظيم وتكنولوجيا المعلومات بمؤسسة الأهرام ، حيث كان ثلاثتنا أقرب الصحفيين إليه على المستوى الشخصى ، والإنسانى ، والمهنى ، عندما كانت الصحافه صاحبة الجلاله .
للتاريخ أكتب بحكم ماتعارف عليه الحال في بلاط صاحبة الجلاله من أن الصحفى يكون جزءا من التاريخ وشاهدا على العصر في فترات حكم سابقه لإقترابه من صنع القرار وصانعيه فأتناول يوما لم يتحمل فيه هذا الوزير الوطنى بحق عتاب صديقى العزيزين المتخصصين في شئون الرى في هذا الوقت مثلى حيث كنت في جريدة الوفد قبل الإنتقال لجريدة الجمهوريه الكاتبه الصحفيه الزميله كريمه السروجي مدير تحرير الأخبار والكاتب الصحفى الزميل عصام الشيخ مدير تحرير الجمهوريه الذين ذهبوا إليه في مستشفي مصر للطيران حيث كان يعاني من المرض العضال ، وفي مراحله الاخيره عقب الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي للري والصرف الذى كان يعقد لأول مره في مصر ، وهو عتاب إرتقى بحكم الصداقه مع الوزير والعشره إلى درجة الشجار لصمت قيادات الوزاره علي الحمله التي كان يتبناها في ذلك الوقت الدكتور إسماعيل سراج الدين المسئول عن إداره المياه في البنك الدولي ، ضد مصر ، وتحريض دول حوض النيل علي الصدام معها ، وكان ذلك في كلمته في وبحضور ممثلين لأكثر من ١٥٠دوله من دول العالم ليناقشوا قضايا المياه ، ووضع آليات الحلول والمقترحات الموجهه التحديات المائيه العالميه ، حيث هاجم الدكتور سراج علي عدم تقدير الدوله المصريه لأشقائها من دول حوض ، والذين من حقهم الإستفاده من مياه النيل مثل المزارعين في مصرالذين يهدروا الكثير من المياه في الإستخدام لذا يتعين تسعير المياه لفرض ترشيدها عليها ، والتعامل معها كسلعه تباع وتشتري “مثل البترول” .
كان الدكتور عبدالهادى راضى مستمع جيد ، ورغم انه كان يعاني صعوبه في الكلام إلا انه طمأنهما ، وقال لهما لا تقلقوا كل شيء سوف يتم غصلاحه وتأتي الجلسه الختاميه ، ونشاهد المحترم الراحل عبد الهادي من علي المنصه ، وهو يزأر كالأسد معلنا أن علاقه مصر مع دول حوض النيل خط احمر وأن مصر لن تسمح لأى أحد كان أن يتدخل في خصوصية هذه العلاقة وكانت أول مره تعلن هذه العباره الحاسمه بشكل صريح أمام كافه وسائل الاعلام العالمية ، والمصرية التي كانت تقوم بتغطية فاعليات الموتمر ثم عاد إلى المستشفى .
هز كيانى وزلزل وجدانى رؤية صديقى الحبيب الوزير العظيم وهو على هذا النحو حيث الوجه الذى تأثر كثيرا بالمرض حتى أنني لم أتمالك نفسى من البكاء عند خروجى فإحتضننى صديقى العزيز الأستاذ فوزى إبراهيم مدير العلاقات العامه بالوزارة الذى كان مرافقا للوزير الحبيب محاولا التهدأه من روعى . فقد كان رحمه الله تعالى نموذجا وطنيا يعمل من أجل مصر، ويتحامل على نفسه بالرغم من ظروفه الصحية المتدهورة لذا جاءت جنازته مهيبة حاشدة فى شارع النصر أمام المنصة ، وشارك فيها رئيس الجمهورية وكبارقيادات الدولة . وظل منصبه شاغرا لأكثر من ستة أشهر فى سابقة لم تحدث من قبل ولا من بعد ، وكأن الكرسى كان فى فترة حداد على صاحبه .
الآن تنتابنى حاله من الرضا الكامل ، والتناغم النفسى ، والإستقرار الوجدانى ، لعل مارسخ لدى ذلك الإنتباه لحقيقة الموت ، وأننا جميعا راحلون ، وأن الموت حق ، لايستطيع كائنا من كان أن يمنعه من الإقتراب منه إذا حل أجل الله تعالى عليه ومشيئته ، فالجميع سيموتون الحاكم والمحكوم ، والغنى والفقير ، وصاحب المنصب ومن لامنصب له ، والمفترى والمفترى عليه ، والظالم للناس بسلطة منصبه ، ومن وقع عليهم الظلم ، ولعلنا نتعايش كل يوم آلام فقدان أعز الأحباب وأغلى الغاليين ، لذا فاليفعل من يشاء مايريد فإنه سيموت ، وسيصبح ذكرى إما طيبه أو يخجل من تبعاتها أقرب الناس إليه .
بحق الله سيضم القبر أجساد ساكنى القبور ، وقاطنى العشوائيات ، وسيوارى التراب أجساد من يأكلون ألذ وأطيب الطعام ، ومن يبحثون فى الزباله على لقمة عيش ، وسيحاسب من قهر العباد ، واللاهون عن الفقراء ، فكلنا إلى زول ولن ينفع الإنسان إلا عمله الصالح . أطرح ذلك بإحساس نابع من القلب ، ووجدان يتعايش حقيقه مع جلال الموت ، وليس إنطلاقا من طرح المواعظ لأننى لست عالما بأمور الدين ، أو من المعتلين للمنابر ، أو أصحاب الفتوى من المشايخ ، بل يكفينى أن أكون ملما بأحكام الشرع ، وأن أؤدى الفروض ، وأشهد الشهادتين قولا وعملا ، لأن الإيمان ماوقر فى القلب وصدقه العمل .