كتب : فضيلة الدكتور مجدي عاشور
١_ قد يَسأَلُ المريدُ الشيخَ سؤالا فلا يجيب، فلا تحزن أيها المريد فعدم إجابة الشيخ رحمةٌ بك وبمن خلفك، إذ ربما تكون الإجابة فوق مقامك أو فوق مقام مَنْ هم خلفَك فتتعِبُهم بدلا من أن تريحَهم.
إذن قد يكون سكوتُك عينَ علمِك إذا كان كلامُك يترتب عليه ضرر، فإن كنت تحب الشيخ فاعلم أن الشيخَ يحبك أكثر ولشدة حبه لك يمتنع عن إجابتك عن كل سؤال.
٢_ إذا تشرَّب المريدُ نهجَ الشيخ وسمْتَ الشيخ، يصبح الشيخُ في قلبه، وحينها يصل المريد إلى أنه لا يسأل الشيخَ عن شيء أصلا، وهذا حال أكابر الأولياء الذين لا يفارقون رسول الله صلى الله عليه وسلم كسيدي أبي العباس المرسي _ رضي الله عنه_ الذي أُثِر عنه أنه قال: “لو غاب عني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين”.
فيترقى المريد إلى أن يصل إلى درجة أنه لا يسأل الشيخ عن شيء كما عبّر الإمام أبو حامد في رسالة أيها الولد:” بعد اليوم لا تسألني عن شيء إلا بلسان الجَنان”، أي القلب، أي ليس بالأشباح.
٣_ هناك أكابر لا يفارقون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشربوه، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم صار بداخلهم، قال تعالى: { وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ }[سُورَةُ الحُجُرَاتِ: ٧]، كحال من يصلي ويسلم على سيدنا النبي كثيرا ولكنه لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الشيخ فاهما فيقول له: كيف تراه وهو بداخلك؟! فكيف ترى ما بداخلك؟!
وقد رأى أحدُ الصالحين كشفا وجه حضرة النبي صلى الله عليه وسلم الشريف كما في الشمائل، ويظهر في وجه حضرته صورة وجهين آخرين لشيخين أحدهما انتقل رحمه الله والآخر ما زال على قيد الحياة أطال الله في عمره، فجاءه خاطر شديد بعد هذا المشهد بأسبوع بأن معنى هذا أن الشيخين هذين موجودان في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظهران في الوجه الشريف.
٤_ كل مريد يقع في مشكلةٍ ما ويريد حلًّا إن فكر في كلام الشيخ حُلَّت له المشكلات، فإن لم يستطع فليعمل رابطة قلبية بينه وبين شيخه، فيصبح الحبلُ بينه وبين شيخِه ممدودًا وستأتيه الإجابة، بأن:
أ_ يكلمه الشيخ مثلا في التليفون، فيكلمه كأنه في داخله.
ب_ أو يأتيه الحل على يد الآخرين بأن تجد واحدا يتكلم بكلام فيه إجابته، أو يتصرف تصرفا فيه حل إشكاله، والإجابة إن كانت من عالم الغيب كانت أجمل وأوقع وأكمل.
٥_ لا تصح الرابطة مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كلَّ من رأى حضرته مناما أو يقظة لا يستطيع وصفه، لذا لا يمكنه أن يرابط مع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن قلبه لا يتحمل الأنوار الكبيرة مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم.
٦_ لا يكون الشيخ شيخًا حتى يكونَ من مقام (فاذكروني أذكركم)، كحال ابن عمر رضي الله عنه حيث خدرت رجله فقيل له : ما لرجلك ؟ قال : اجتمع عصبها، فقيل له : ادع أحب الناس إليك، قال : يا محمد، فبسطها ) . أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والدار قطني في العلل وغيرهما.
٧_ كلُّ شيخٍ كاملٍ يعرف مريديه حتى إنه قد يعطي بعضهم الطريق مؤقتا وهو يعلم في نفسه أنه ليس من أبنائه، أو يرفض أن يعطي الطريق لآخرين لعلمه أنهم ليسوا من أبنائه، كما حدث مع سيدنا الشيخ نجم الدين ابن الشيخ محمد أمين الكردي الإربيلي، حيث أتى لسيدنا الشيخ رجل اسمه بكري يريد أن يأخذ من الشيخ الطريق فرفض الشيخ، وقال له اذهب للشيخ أحمد حمادة فهو شيخك وليس أنا، فذهب وخدمه أكثر من عشرين عاما.
٨_ يأتي وقت يفطِم فيه الشيخُ المريدَ، فيصير الحال مع الشيخ كحال نصيحة الخضر لموسى _ على نبينا وعليهما الصلاة والسلام _ { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعۡتَنِی فَلَا تَسۡـَٔلۡنِی عَن شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرࣰا }[سُورَةُ الكَهۡفِ: ٧٠]، فحينما تكون مع الشيخ لا تسأل عن شيء، لأنه سيجيبك عما بداخلك دون سؤال منك، فتعيش مع الشيخ بمقام التسليم وحينها سيعطيك الشيخ علم كل شيء.
٩_ إذا برزت في عالم الشريعة فأنت محتاج لعالم من علماء الحقيقة التي هي أسرار الشريعة، لأن عالم الشريعة إن لم يكن له شيخ تربية فليحذر فربما يكون علمه حجابا له عن الحقيقة.
١٠_ الشيخ لا يكون شيخا في علم الحقيقة حتى يكون مقامه خضريا،
أي أخذ من سيدنا الخضر في بعض الأحوال.
١١_ الشريعة تقول: (من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه)، وأما الحقيقة فتقول: (من استعجل شيئا قبل أوانه طال عليه الطريق) .
١٢_ من أوتي الصبر فقد أوتي خيرا كثيرا، قال صلى الله عليه وسلم: “وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ”. متفق عليه
فالصبر يكشف لك الأمور، ففي الطريق لو صبرت بأدب لكشف لك شيء من الغيب، وأهم شيء الأدب فقلة العلم يغطيها كثرة الأدب، أما كثرة العلم فلا تغطيها قلة الأدب، وما وصل الواصلون بمثل الأدب.
١٣_ إذا ذكرت الله فانظر إلى كثرة الأنوار وليس إلى العدد، فرب ذاكرٍ لله مرة وله من الأنوار أكثر ممن يذكر الله بالأعداد الكبيرة، فالعبرة بالكيف وليس الكم.
١٤_ إن جاءتك إشراقة أو كرامة فلا تقف عندها بل كن مع ربها يَزِدك مما أنت فيه، فملتفت لا يصل، ويجب أن تنأى عن الفتن لأنها تأخذ منك بُشرياتِك.
١٥_ تيقَّن أنك لن تصل إلا بالسير، وإن كان الله تعالى قال: {ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ}[سُورَةُ الشُّورَىٰ: ١٣]، فالأصل الاهتداء وليس الاجتباء، فكل ما فيه إجراء هو الأصل، والاجتباءُ فضلٌ والاهتداء عدل محاط بالفضل، قال تعالى: { ۞ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟}[سُورَةُ مُحَمَّدٍ: ١٠]، ففي البداية سيرٌ ثم يريك اللهُ من قدرته ومن آياته.
١٦_ بدايات الحب ليست بيدك ولن تؤاخَذَ على البدايات بل تؤاخذ على الطريق، فإن وافق الشرعَ فحَسَنٌ وإلا فلا، وإذا لم تراعِ بدايات حبك كما تراعي شرعَ ربِك يُخشَى أن يسلَب الحبُّ منك.
ورشة العمل:
١_ عليك بالصبر، قال تعالى: { إِنَّمَا یُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَیۡرِ حِسَابࣲ}
[سُورَةُ الزُّمَرِ: ١٠]، أي الصبر على إطلاقه في كل شيء.
فالصبر فيه أدبٌ للنفس لأنه عكس طبيعة النفس، وهذا الذي يحصِّلُ لك كلَّ شيء.
والصبرُ يعطيك من كلِّ مقام فوائدَه والتعجل لا يفيدك بشيء.
٢_ من ليس له شيخ ماذا يصنع؟
يبحث عن شيخ وذلك:
١_ بالدعاء بأن ييسر لك شيخا
٢_ الصدقة بهذه النية
٣_ بكثرة الصلاة والسلام على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم.