30 يونيو .. والتحولات الاجتماعية
محمد الشحات محمد
* (ٱفة حارتنا النسيان) عند نجيب محفوظ،
ويبدو أنه في زمننا أصبح “التعميم” هو الٱفة، و”الانتهازيون” زادوا، وتوغلوا، فتغولوا في الحارة الثقافية؛ وإن تقمصوا دور “القومجية”، و”الزمرجية”، وخصوصا أولئك الذين يوزعون صكوك الوطنية!
هناك من يكتب الشعر بأشكاله المختلفة ويمارس النقد، فهل مثل هذا ينطلق مجددا في الشعر، وتحكمه أيدلوجيا في النقد؟
هكذا يدعي أحدهم أن أصحاب الفكر الديني غير مجددين في الأدب!
إذن .. ما فائدة المناهج والمدارس النقدية -ومنها الغربي- في تقييم وتقويم النصوص، إذا كانت النتيجة/القراءة ستحكمها أيدولوجيا؟
وهل أصحاب
“الفكر السياسي’، و”الفكر الاقتصادي”، والفكر ال ..”
كانوا لا دينيين، حتى يكون أصحاب “الفكر الديني” غير مجددين؟
وما موضع الشيخ محمد عبده من التجديد؟
وعملا بالشكل، وبسبب “الشيخ” هذه، نلغي ألحان الشيخ سيد مكاوي، والشيخ سلامة حجازي، وبالمرة نحرم أي شخص يكون اسم عائلته الشيخ من دخول محرابكم، وإن كان مبدعا حقيقيا، وكذلك لا نقرأ أشعار الصوفي الدكتور أحمد عمر هاشم، أو البابا شنودة، فهما من رجال الدين!
* أحسب أن النقد موهبة، أو ملكة، وموسوعية، وذائقة، قبل أن يكون معايير ومصطلحات،
ولا دخل للأيدلوجيات في الموهبة عموما، فما بال الموسوعية، والانفتاح على العالم؟
وبم نصنف من يكتب الشعر بأشكاله المختلفة؟ هل سيرفضه النقاد، أم يتسابقون لالتقاط الصور معه؟
الواقع يؤكد أنه لا هذا، ولا ذاك، إنما هو بعض تطرف، وجدال لاحتراف الانحراف!
– ذكرت هذا المثال فقط، لندخل معا في أجواء ثورة ٣٠ يونيو ، ودوافعها، وتداعياتها، ونبذة حول التحولات الاجتماعية، ولعبة الانتهازيين، إذ انحرف المسار عن تحقيق أهداف ثورة ٢٥ يناير، وبدأ التدخل الخارجي واضحا في شؤون مصر الداخلية،
ومما لا شك فيه أن التدخل في الشأن المصري، هو مسمار في نعش من يتدخل، ومن يسمح بذلك، ويشهد التاريخ على مر العصور،
وعليه، فقد قامت ثورة ٣٠ يونيو بعد التدخل الخارجي باستغلال الإخوان، والسيطرة على مفاصل الدولة، وضرب أمنها، ولذلك كانت الثورة الشعبية؛ لإعادة الاستقرار، ومواجهة التطرف، وتصحيح المسار، وتشابهت ثورة ٣٠ يونيو مع ثورة ١٩١٩، حيث شاركت المرأة، مع الشباب؛ لتمكينها من العمل في مشروعات تنمية لا تقوم إلا بمشاركتها الفعلية، ضمن استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر ٢٠٣٠)، لتكون الإطار العام للحكومات المستقبلية على المدى الطويل، مع الخطط المؤقتة، والعاجلة..
وللإعلام دور كبير في ثورة ٣٠ يونيو، إذ مهد لها، ونقل نبض الشارع، مع مواكبة الأحداث أولا بأول، ومن نتائج ٣٠ يونيو إقرار هيئات الإعلام الوطنية، ثم وزارة الدولة لشؤون الإعلام ..
بدأت الثورة برسم الخريطة السياسية من دستور، فانتخابات رئاسية، فانتخابات برلمانية، وها نحن في الاحتفال بالذكرى السابعة لثورة ٣٠ يونيو نستعد لانتخابات برلمانية جديدة، بعد تنفيذ عدة برامج، منها:
– برنامج “سجون بلا غارمات” ، وعلى غراره “سجون بلا غارمين”، وبرامج تطوير العشوائيات، مليون صحة، مبادرة حياة كريمة، زيادة المعاشات، وضم العلاوات الخمس، قانون التأمين الصحي الشامل، زيادة الرواتب، ووضع الحد الأدنى، ومنح للمتضررين من العمالة الحرة بسبب كورونا
نعم .. تأتي الذكرى السابعة لثورة ٣٠ يونيو وسط تحديات، وظروف صعبة، منها:
– جائحة كورونا
-القلاقل من الناحية الغربية في ليبيا
-مشكلة المياه، ونهر النيل في أثيوبيا من الجنوب
– استمرار حملات مواجهة الإرهاب في الشرق والشمال الشرقي بسيناء، واختباء تركيا وراء اتفاقيات لتحقيق أهداف اقتصادية في ليبيا، بقصد تواجد يفكك الدولة، ويسهل احتلالها، ويهدد دول الجوار، والسلام
-التعامل مع محاولات تقسيم الدول، وتفكيك البنية
– الانتهازيون في الداخل والخارج
وغيرها من تحديات بناء اقتصادي قوي، ودور مصر الإقليمي، وحل المشكلة الفلسطينية، واستقرار وإعمار الدول التي انهارت في الربيع/الخريف العربي
* أما عن الكورونا، فإن مصر تتعامل مع هذه الجائحة باحترافية شديدة، من حيث تطبيق نظام الأبحاث على المنصات الألكترونية لسنوات النقل في جميع سنوات التعليم، عدا السنوات النهائية للمؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة والعليا، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، وكذلك مع الموظفين، يتم تقليل العدد بالتبادل، وإقرار المنح للعمالة الحرة، ثم هناك مستشفيات العزل في الفنادق ومراكز الشباب والنوادي، والمدن الجامعية ، وأكبر مكان عزل في مقر معرض الكتاب، والمهم هو الأداء الوطني والقسم عند الأطباء، ماجعلهم يستحقون اسم الجيش الأبيض، وإن أساء لهم الانتهازيون من المتثاقفين، لكن القيادة السياسية وقفت بجانب الأطباء وطلباتهم لحماية الإنسان، وإن “زمر” الزمرجية والقومجية الانتهازيون، العاملون لمصالحهم الشخصية، ولو على حساب الوطن
* تأتي مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية، وتصلح للحوار بين الأطراف المتنازعة، وعلى الليبين التوافق، برعاية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، دون تدخلات خارجية في الشأن الليبي، وإن كان السلوك التركي يتطابق مع السلوك الإيراني في المنطقة العربية، من حيث الانتهازية، لإشعال الفتن، والاعتداء على الأطراف الضعيفة، والفرقاء الذين يسقطون ضحايا تمويل الجماعات الإرهابية!
* وتلتزم مصر بالتفاوض مع أثيوبيا وشمال وجنوب السودان، وتمنحهم الحق في التنمية، وإن حدثت خلافات، وغطرسة من الجانب الأثيوبي لفرض الأمر الواقع؛ فالموقف العدائي الأثيوبي لمصر، أو الجار الشمالي المستأثر، كما يسموننا، وإن كان الموقف القانوني المصري راسخا، فانتهازية أثيوبيا لظروف مرت بها مصر، جعلها تسارع ببناء السد، ما جعلنا في موقف صبر مبرر، لاستكمال التفاوض
** مشروع إسرائيل لضم الضفة الغربية خطير، وننبه المجتمع الدولي، وبموجب القانون الدولي مشروع باطل، وسيخضع إسرائيل للتفاوض، خصوصا إذا كانت هناك إدارة أمريكية جديدة، وقد كانت هناك تحولات اجتماعية ؛ بسبب مظاهرات التمييز العنصري في أمريكا، مع ظروف كورونا، لولا تدخل الانتهازيين، الذين أرادوا القفز على السلطة من ترامب، مما جعله يلعبها سياسيا، وإن رفع الإنجيل، فتمكن من جديد، ويستعد لدورة ثانية، وهذا بسبب الانتهازيين، ومنهم “الحيزبون” التي هاجمت ثورة ٣٠ يونيو، وقالت عنها “من تدبير الجيش”، ولكن نظرا للوعي المجتمعي المصري ، رد المصريون: “نعم شارك الجيش ليهدم مؤامرة صناعة فوضى لا خلاقة، ولا أخلاقية”،
الانتهازيون يبحثون دوما في أحاديث” سيدنا جوجل”، ويدعون أنهم أصحاب السبق/الفضل/الحركات الاستباقية، فإن لم يتمكنوا ، حاولوا أن يجعلوا من أنفسهم شركاء في أي منجز، وإن لم يستطيعوا، بدأوا التشويه والتشكيك، ثم الرفض الاستباقي، خصوصا إذا تجاهلتهم، أو قمت بتعريتهم، فهم يعيشون بمبدأ اللا مبدأ: “فيها ياأخفيها”، وبتبريرات هزيلة، وعلى سبيل الهزل، صرح مسؤول عالمي:
“كنا على وشك إنجاز علاج كورونا، لولا أزمة كورونا”!
كم من الانتهازيين يسيطرون، والصيد في الماء العكر، يدفع صاحبه للسرقات، أو أن صيادي الماء العكر لصوص بطبعهم، ما يجعلهم لا ينتظرون اختمار الفكرة، أو إدراك خلفيات الأحداث، إنما استباق النشر، والمشاركة في المسابقات، أو حتى المناصب والمنصات، يغتصبها بعضهم، في ظل الفوضى، بل إن بعضهم يعتبرها لعبة قذرة، وله ما للٱخرين، والفيصل هو المغتصب الأسرع!
ولأنهم غير مبدعين فعلا، تجد الاستنساخ، حتى في العناوين، ونحت المضامين، ومنهم من لا يعرف إلا “الصهيوكوبي” بكل وقاحة!
ومن الانتهازيين، ذلك الذي يوزع صكوك الوطنية من خلال منصبه الثقافي مثلا؛ ليصنع من نفسه بطلا، أو تاريخا، وهو يعلم زيفه، لكنه تطرف الأنانية ..، فكل شيء عنده لعبة قذرة، في ثوب مرقع بنفايات السياسة، وإذا كشفته ترنح، ثم توقح، وتبجح، فافتعل معارك، وكرم بعض الأنصاف، وسط المستحقين بشهادات، ودروع، ضمن التفنن في استنفاذ ميزانية الدولة، ليس لشيء إلا أن يجعل من الأنصاف المكرمين “شلة”، أو بطانة حول الكرسي وفي صفحة الفيس بوك، لإيهام الناس أن له ظهيرا شعبيا، فلا يمنعه أحد من استمرار الفساد، والقلاقل -التي افتعلها- فيتمكن من الصيد في الماء العكر، ولولا التملق، أو المنصب والمعارك المفتعلة والتكريمات إياها، ما نسب إليه أي سطر!
الانتهازي لا يهمه إلا الانتصار، ولو كان انتصارا مزيفا، فهذا المزيف من مسببات سعادته، وإن كانت سطورا، كتبها له غيره، أو كان غيره داعما له(Sponser)، فما عليه إلا التقرب، ثم التفريق، والغدر، والإساءة، الناجمة عن حقد بسبب الإحساس بالنقص، يدفعه إلى توزيع التهم يمينا، وصكوك الوطنية شمالا، مع الجدال لمجرد الجدال، والتباهي بصور، أرادها في مناسبات؛ للفرح بها، كما تفرح “الشمطاء” بالماكياج في مرٱة العزل ..
أليس من يرى أن “الغاية تبرر الوسيلة”، دون معرفة السياق، أو حتى من القائل، وطبعا على شاكلته: “خالف تعرف”، “فرق تسد”، أو “اخطف واجر”، أليس كل هؤلاء، وأمثالهم كمن رشح نفسه للبرلمان، ولم يقدم إلا شعارات، وأفكار برنامج، أعدها له مدير حملته، وبعدها لم يخدم إلا مصالحه الشخصية، ثم نسب لنفسه مالم يقم به، حتى كشفته الخطط العامة؛
فاختفى، ولم يظهر إلا في الترشيحات التالية ..؟
وهكذا بعض الساسة ..، بل بعض قادة الدول، في تعاملها مع دول أخرى، وكأن الانتهازية أصبحت سمة العصر!
ومنهم أولئك الذين ينظرون إلى الشعب المصري، والعربي عموما باعتباره إرثا، أو محتلا، وفي الحالين، تلعب الانتهازية الدور الرئيسي، وليس مجرد انتهاز الفرصة، فالانتهازية أن تنقض على ما ليس لك، وإن افتعلت التبريرات ..
تركيا مثلا تنظر لنا بعين الدولة العثمانية، فترى أنها لا بد أن تمثلنا عالميا في السياسة والاقتصاد، وإن اتخذت الدين غلافا،
ومنهم من يرى أن يكون رأسا للعرب، أفضل من أن يكون ذيلا لأوروبا، وخصوصا بعد فشل محاولات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
أثيوبيا تنظر إلينا باعتبارنا دولة احتلت أراضيهم، حيث سأل محمد على عن حدود النيل، فقالوا له أثيوبيا، ورد إذن حدودنا أثيوبيا، وعليه، فإن انتهازية أثيوبيا للظروف التي تمر بها مصر، وبعض الدول العربية؛ جعلتها تعمل على التغاضي عن الاتفاقيات الدولية التاريخية لحقوق مصر في مياه النيل، مادام هناك إعلان مبادئ، أو اتفاقية جديدة في ٢٠١٥، وإن كانت هذه المبادئ لم تتعرض أصلا للنسب المعروفة سلفا في اتفاقيات دولية، وإنما كانت تخلص إلى أسلوب ملء سد أثيوبيا، بحيث لا يؤثر على حقوق الدول المشتركة في هذا النهر الدولي، وليس الداخلي، وعليه لا يمكن لدولة منفردة إصدار قرارات إلا بالرجوع إلى هذه الدول التي يمر بها النهر!
إن للثورات دوافعها وأهدافها، كما أن لها تحولاتها الاجتماعية، وبعض ضحاياها، وقد يجد الانتهازيون في الثورات مرتعا؛ لإطلاق الشائعات واغتصاب المنصات لمصالحهم الشخصية، وبالمثل فهم يستغلون الأوبئة والظروف المجتمعية لفرض أجندات وتطلعات، لم يكن لها أن تحدث لولا التشويش والصيد في الماء العكر!
ما زال بعضهم يرفع شعار الإهمال بأبشع صوره، ويحسب أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تصنع من الانتهازيين و”الشتامين” نجوما على حساب الوطن، ولكن لم يدرك هؤلاء أن العالم الجديد لا يقبل إلا الراسخين.