إطلالة في رواية “نعومة الثعابين” للدكتور حسن مغازي
محمد الشحات محمد
* “نعومة الثعابين” ..
رواية مركزة لأحداث متلاحقة، غزيرة، تدور في تنامٍ، وتشويقٍ؛ وبينما تتشابك المتناقضات، وتتصل، تتلاقى الشخصيات، وتتصادم في صور “ثأرية” متشعبة، بين الحب و”الشماتة”، أو بين النقاء وفساد الذمم، ثم بين “المحسوبية” و”المحاسبية”، ضمن “أحراز”، جمعت أشلاء السيارة الأحدث، و”مسمار الحذاء”، مرورا بالأبناء؛ (حتى البنية الصغننة يعاد النظر في أمرها) ، في إسقاط على واقع أكثر مرارة و”غرابة”، يدفع إلى مؤشر الدهشة الحقيقي، حين ينقلب الأخلاء، وتتصارع المستندات؛ لكشف المستور، ما يجعل من “الكورونا” أمنية للإفلات، وإن كانت “المسحة” تأبى!
* تعد رواية “نعومة الثعابين” للدكتور “حسن مغازي” من الروايات التي سطرها الواقع، بترتيب وجبروت أحداثه الظاهرة حينا، وشفراته الروحانية أحيانا، وتناولتها شبكة الأنترنت، باعتبارها مصدرا للمعرفة، وتنمية الوعي، ودعوة للتفكر، ما جعل البطل يصبر، ويراقب، معتمدا على الحَدْسِ، والخبرات، رغم التأويلات المتباينة، والتكتلات النافية لدهشة إبداع القدر!
(يا لاشتداد دهشتى .. يا لنعمة ربى .. منهم فيهم/ يا للفضائح/يا للرد الإلهى … !)
إنه “الرد الإلهي”، فلا مجال للتشفي، إنما التدبر، والتحدث بالنعمة؛
للإبداع دهشته الشديدة، وما أبدع نصرة المظلوم، وإهلاك الظالمين بالظالمين .. أليس هذا هو العدل؟
يجيب الوصف:
(تغلى المنطقة على جمر المكائد، وتنصهر على لظى الدسائس، وينفضح المستور)
ثلاث عِبارات، عَبّارات (بفتح الباء وتشديدها)، تبدأ كل عبارة بفعل مضارع، وتحتل سطرا مستقلا، ليس للاستمرارية، أو التجدد، والفضاء البصري فقط، إنما التسلسل في (تغلي، تنصهر، ينفضح)، والتوازي مع (المنطقة، الدسائس، المستور)، في إشارة إلى تحديد الأماكن المعروفة سلفا (المنطقة/المؤسسة)، بما فيها من فساد، كان مستورا بين الجدران، لولا “دسائس” أخلاء الفساد بعد أن عض بعضهم بعضا، و(منهم فيهم .. من مسمار حذائه المصدي)، والمبدع يرمز بهذا المسمار إلى تابع/ة للجاني، ومشترك/ة معه – وإن اختلفا (الجاني والتابع) بعد سيطرة الغيرة، أو بتدبير مكيدة خارجية لاصطيادهما، واصطياد الجميع، نتيجة حتمية بعد سقوط الجاني الأكبر، فيدرك الراوي البطل -بموسوعية- ركيزة إيمانية، تؤكد أن:
(القادم أشد فظاعة .. القادم خلال ساعات من وزارة الثقافة بركنيها)
ترى ما المقصود بركني الثقافة ؟
ثم يتساءل في استغراب، وتعجب:
(حتى البنية (الصغنننة) ؟ !)،
لا يسخر هنا بلفظة “الصغننة”، إنما للتأمل، أو باعتبار “صغننة” رمزا، يقابل “فاشلة”، أو ضعيفة، صنعت بجبروت؛ وإذا كان المقصود “الصغرى” فعلا، ففي المقابل، هناك “الكبرى”، وبطبيعة الحال في الروابط الأسرية، يكون هناك الأب والجد؛ وللمتلقي أن أن يتخيل؛ خصوصا إذا استكمل المبدع صورته، بطرح سؤاله التعجبي المشروع حول “البنية/الابنة”:
(يعاد النظر فى أمرها؟)
وبإعادة النظر في أمر هذه البنية “الصغننة”، قد تكون عقدة، تفك عقدة، وسببا من أسباب الانتقام والعذاب (حتى لا تبقي لأبيها باقية)، ثم يتذكر عبر ال “فلاش باك”، ساعة كان متوجها إلى الله في يوم مقدس (العيد)، يدعو، وقد زاد الفوران، فكان الدعاء استغاثة ورجاء على هيئة سؤال:
(هل سينتهى يوليو، ويذهب رسميا من دون أن نستمتع بالشماتة … ؟)
“يذهب رسميا”، “نستمتع بالشماتة”، “ينتهي يوليو” ..
لم يوليو، ولم البنية؟
يوليو: بداية السنة المالية الجديدة “رسميا”، وهل في الشماتة استمتاع؟ قد تأخذ “الشماتة” هنا معنى الانتقام، وفيه استمتاع الكشف عن جرائم الفساد المالي؛ لأنها بمستندات، لا يمكن أن يتم التغاضي عنها، وأي تغاضي، والمنطقة “تغلي”، وتنصهر الدسائس، وفي المخالفات المالية فضائح، لا تقف عند الشؤون القانونية في “المنطقة”/المؤسسة، وإنما تدفع بالفاسد إلى النيابة العامة، والقاضي الطبيعي، وهو ما أشار إليه الراوي في ختام المشهد، وبرهن على حتمية هذه النتيجة قانونيا، بأنه لا يقول كلاما مرسلا، إنما بناء عن علم (ليسانس حقوق .. بعد دكتوراه دار العلوم)، وخبرات وتجارب، في مقابل عدم خبرة إدارية من الجاني، أو هكذا يتصور الشركاء، وأطراف الاتهام،
أما التساؤل في: “حتى البنية الصغننة؟”، سؤال تقريري، يظهر مدى المعاناة، عند الفشل في سوء الإدارة، أو في تربية الأبناء، ومأساة الأب كلما عانى أبناؤه، وقد تكون معاناة الأبناء انتقاما مما ارتكبته يد الٱباء والأجداد، أو معادلا موضوعيا للخلاص!
وإذا كان الكلام هنا ليس من فراغ، فمن يكون هذا المقصود/المجهول/ الأب/الأستاذ الجاني، الذي يسقط عليه الراوي، وهل هو مجرم فعلا، وكيف نحكم عليه من طرف واحد، ولم لا يكون السبب هو عدم خبرة ابنته بملوثات الإدارة، وغدر الأصدقاء؟
هل هو ممن ينتمون إلى المؤسسة العلمية، أو الثقافية، وكلتا المؤسستين، ممن يفترض فيمن ينتسب إليهما أن يكون من الصفوة؟
ثم أي صفوة تلك التي تغلي فيها الأمكنة، وتشتعل الدسائس، حتى تصل إلى الفضيحة؟
* يلتقط البطل الراوي مشهدا/ مقطعا حياتيا من (١٢٤ مقطعا) ويستشهد عليه بٱيات من القرٱن الكريم، مؤمنا بثبات النص، مع تغير الفقه، باختلاف الأزمنة والأمكنة والظروف، وعليه قد يختلف شكل الأحداث، وتتفق نتائجها، أو العكس، كما يختلف الأثر النفسي، فينعكس على الأوراق، وهنا نجد المؤلف/الراوي يقسم الرواية إلى مقاطع، أو جرائم، كما أطلق عليها (١٢٤ مقطعا -١٢٤ جريمة)، فلم يطلق عليها “الفصول” مثلا، إنما جعلها مقاطع، في إشارة إلى أنها مسجلة صوتا، أو صورة، ولتوكيد صحتها، كرر الرقم (١٢٤)، وجعل التمييز “جريمة”، فاستبدل بلفظة “مقطع” لفظة “جريمة”، لتظل الثقة في الحق القادر أن يقتص من الظالم؛ فقط بالصبر والتتبع، وتجديد الخطاب، وهنا قد تكون ركيزة إيمانية، اعتمد عليها البطل في الخلاص، أو تأكده من نتيجة لمكيدة ما مدبرة، لعوامل نفسية، مع موقعه الفكري، وتفاعله الثقافي في الشأن العام، وتنوع المصادر، ما جعل قراءته للأحداث الحياتية، أو قراءته لهذه المقاطع -عبر تصوراته الذهنية التي شكلتها النفس الانتقامية، أو الرغبة في الرد- قراءة صحيحة، قبل أن تفسرها أوراق التحقيقات، وأحكام المستقبل!
من تقنيات السرد فى الرواية نهوضها على تنامى الأحداث من خلال تعدد الأجيال فى الشخصيات؛ (الحدث)لا ينتهى بانتهاء جيل الأشخاص، إنما يتنامى عبر الأجيال؛ ليميط اللثام عن(توارث الفساد) من الجد إلى الأب، وهو الشخصية المحورية، إلى الحفيدتين، بما يشير بوضوح إلى مدى العمق فى(تجذر الفساد)؛ جيل الأحفاد نشأ عليه بأنه هو الحياة الطبيعية، وهو الحق المكتسب، وهو ما لم تخطئه الأجيال، وعليه فإنه ينظر باندهاش إلى محاولات استئصاله، مع ترك مساحة للمتلقي، يستشف من خلالها طبع الشخصيات، وطبيعة العلاقات فيما بينها، مع الاستفادة بالمورث الديني، وتوظيف بعض خصائص الشعر، في رواية تتمتع بطابع لغوي سلس، وحبكة تدفع إلى التحليل، والتنقيب لفك “الشفرات”، والرموز، والغوص فيما وراء السطور من فضاءات وإسقاطات، لإدراك المعاني التي يرمي إليها الكاتب.
* قد تبدو “نعومة الثعابين” -وهي رواية قيد النشر، كما صرح مؤلفها الشاعر والناقد “د. حسن مغازي” في نهاية أحد مشاهدها/مقاطعها التي نشرها على صفحته بموقع التواصل الاحتماعي فيس بوك- لأول وهلة، ومن العنوان، تبدو أنها رواية نفسية اجتماعية، تواجه المنافقين، أو الفاسدين، بصفة عامة، وفي المؤسسات التعليمية والثقافية بصفة خاصة، وتتشفى فيهم، لكن ببعض تأمل، نجد أن البطل يجعل من حواره مع نفسه إعلانا لبركان غضب، ودعوة للتفكر في أسرار الكون، وما هية الخلق، والتدبر في ٱيات الخالق والحياة.