وداعا المفكر الاسلامى والمصلح الاجتماعى الدكتور حامد طاهر
بقلم: أحمد نورالدين
مدير تحرير بالأهرام
قد يظن الكثير أن بإعلان خبر موت فقيدنا المفكر الاسلامى والمصلح الاجتماعى الدكتور حامد طاهر، ومواراة جثمانه الثرى، قد انتهى ذكره فى الدنيا، ومع إيماننا الكامل بقضاء ربنا فى سنته النافذة على مخلوقاته -الموت- ، إلا أن ذكر عالمنا الجليل الدكتور حامد طاهر سيظل باقيا، سرمدا، ما بقى محبوه وطلاب العلم، وأفكاره الاصلاحية وصلاحه الذى كان ينشده لأمته ووطنه، نعم مات، لكن لن تمت همته التى كانت أوسع مدى من عمره، بحسابات الزمن المحدود، لا بحسابات زمن الخلود.
فقيدنا المفكر الاسلامى والمصلح الاجتماعى الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الاسبق، عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة، أستاذ الفلسفة الاسلامية، الشاعر، الأديب، الأريب،-رحمه الله- نال درجة الدكتوراه من جامعة السربون الفرنسية، كما كان يجيد اللغة الروسية ، ويمثل بفكره وأطروحاته الاصلاحية، حالة فريدة من المصلح الاجتماعى الذي حاول بها كشف المخبآت.. ودفع الستار عن المعايب التي ألمت بجسد أُمتهِ للتخلص من أسباب تَخَلُّفِها، والأخذِ بما يؤهلها للتقدم والنهضة وعلاج ما آل إليه حال المصريين من تدهور وانحطاط شمل كل مجالات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتؤدي به إلى الهلاك.
خبرته العلمية والفكرية والحياتية وتواصله مع المفكرين الغربيين، واستقلاله الفكري دون تحيز لأي حزب أو جماعة، وجمعه للثقافتين العربية والأجنبية، وما يراه ويرصده من حال أمتنا الاسلامية والعربية والمصرية، جعله يخرج ما فى جعبته من أفكار اصلاحية ترسم خريطة دقيقة لمشكلات مصر وأمته الاسلامية وسبل علاجهما، يمكن بها أن ترتقى إلى الأفضل فى حاضرها ومستقبلها شريطة الأخذ بها، ولأصبحنا في مصاف الدول المتقدمة اخلاقيا وتكنولوجيا، كما كان له موقع موسوعى، أخلاقي، أدبى، ثقافى، دينى، إصلاحي، يقارب التسعمائة ألف زائر، حوى فيه خلاصة تجاربه وافكاره الاصلاحية العلاجية الغيورة، فى عطاء وفكر كالنهر المتدفق، الذى نأمل ان تشرب وترتوى منه أمتنا لتشفى وتعافى مما هى به.
شرفت بأن كان-رحمه الله- أستاذا ومعلما لى بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، لمادة الفلسفة الاسلامية، فكان خير المعلم والاستاذ والمرب الحنون لطلابه، وبعد تخرجى وعملى بالصحافة شرفت بعمل حوارين مطولين معه، الاول كان حول “الجانب الاخلاقى للاسلام والمفهوم المتكامل لديننا وكيف نقيمه بمجتمعنا”، وفيه أكد لى مفكرنا الاسلامى والمصلح الاجتماعى استاذنا الدكتور حامد طاهر -رحمه الله- أن الجانب الأخلاقي فى الإسلام يكفى وحده لإقامة المجتمع الفاضل، لكن لابد من التشريع، وأن المفهوم الصحيح والمتكامل للإسلام ما زال يغيب عن أذهان المسلمين ويفتقد الموضوعية والمصداقية والتوثيق!، مؤكدا أن أهل الاعلام يعرضون مواد تتعارض مع القيم الإسلامية بصورة جذابة تفتن أبناءنا وبناتنا!، وأنه آن الآوان لوضع المناهج الحديثة التى يتم على أساسها تطبيق التربية الإسلامية فى المجتمع، مشددا أن التربية الأخلاقية اقتصر وجودها على المنزل والمسجد والكنيسة دون أن تتم المحاسبة الدقيقة على تنفيذها!، وأن هويتنا العربية تتعرض لعواصف ومؤثرات أجنبية، وعلى كل العرب النهوض لصيانتها، وأن أحوال المسلمين أصبحت مرضا يحتاج لتشخيص وعلاج، والأصوات الاصلاحية صرخات فى الفضاء، متحسرا أن المسلمين جميعا يقيمون الشعائر بانتظام ويتوقفون عن إقامة المجتمع الفاضل العادل المراقب لله.
وحوارى المطول الثانى، تناولت معه فيه رؤيته الإصلاحية والعلاجية لإنقاذ مصرنا الحبيبة من تخلفها، واستيقاظها من سباتها العميق التى تغط فيه، ورصده لأهم المشكلات التى تعانى منها بلدنا، فكان مما قاله لى-رحمه الله-: إعداد المجتمع المصرى لا يبدأ من فراغ وعشوائية، ولإحداث التوازن فى نفوس الأجيال الجديدة لابد من وجود قوانين تتمشى بصورة طبيعية ومنطقية مع تعاليم دينهم، متسائلا: اين العقول المتميزة والعباقرة التى اخرجها هذا التعليم على مدى قرنين من الزمان؟، محذرا أن الجامعات الخاصة والأجنبية تهتم كثيرا باللغات الأجنبية، وتغفل المقررات المكونة للهوية العربية، مشددا أن العامل الذي يكد بيديه أساس النهضة، والعالم الغربي يقدر كثيرا المزارع والميكانيكي والسباك وأصحاب المهارات المختلفة، موضحا أن حوار الأديان فاشل، والتعايش مع الحضارة الغربية الحديثة ضرورة لعقد مواجهة فكرية وتاريخية معهم، وأن التعليم المصرى من المشكلات المزمنة المسكوت عنها والمرضى عن استمرارها فى كل العهود، مشيرا أن النهضة ليست عملا عشوائيا او حلما من احلام اليقظة، وانما تخطيط وعمل وجهد يواصل الليل بالنهار، وأن دعائم ومرتكزات هويتنا العربية تتعرض الآن لعواصف ومؤثرات أجنبية، ويستطيع الإعلام العربى دعم هويتنا العربية، وتأكيد ثوابتها فى نفوس الأجيال الناشئة،ولكن!، وأن كلية دار العلوم ليست مجرد كلية جامعية، وتمضى وسط الوادى كما يسير نهر النيل بطيئا، ولكنه متجدد، وأن رحلاته وسفرياته كانت لدول عديدة وأملى ان تطبق نهضتهم بمصر.
هذا غير مقالاته التى كنت أنشرها له بملف “رمضانيات”، وآخرها برمضان الفائت، فكنت أرسلها له، فيسعد بها ويبش، ويدعو لى بالتوفيق.
حاز فقيدنا العديد من عضويات مؤسساتنا الدينية واللغوية والثقافية، ومنها: عضو خبير بلجنة الفلسفة بمجمع اللغة العربية، عضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، لعدة دورات، عضو بلجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة ، لعدة دورات، عضو اتحاد الكتاب، المشرف الأكاديمى على معهد الدراسات الإسلامية بالزمالك، مستشار وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمى، مستشار الوزير لشئون الجامعات الخاصة.
لم يكن فقيدنا الدكتور حامد طاهر مفكرا اسلاميا ومصلحا اجتماعيا فحسب، بل مفكرا لغويا غيورا على لغته العربية، فكتب العديد من الابحاث حول اللغة العربية فكان منها: “اللغة العربية وتواصل الحضارات“، “اللغة.. آخر حصون العرب“، “اللغة العربية على ألسنة المصريين“، “مأساة القواميس العربية“، “خطاب مفتوح إلى علماء العربية“، “منظومة متكاملة للنهوض بالعربية“، “تعليم اللغة العربية“، “اللغة والفكر“.
وفى “الأخلاقيات والسلوكيات” كتب مفكرنا الاسلامى الدكتور حامد طاهر -رحمه الله- “الجوانب الحضارية فى حياة الرسول“، “آداب المجالسة عند ابن المقفع“، “فى مواجهة الشر للحكيم الترمذى“، “ظاهرة الحسد عند الحارث المحاسبى“، “أدب العالم والمتعلم عند الماوردي“، “المضمون الاخلاقى فى كليلة ودمنة“، “التجربة الاخلاقية عند ابن حزم“، “التربية الأخلاقية وكيف نرسخها؟“، “التسامح فى الإسلام“.
وفى مجال المصريات كتب مؤلفات: “ملخص تاريخ مصر“، “الغائب فى ثقافة المصريين“، “المشكلات والأزمات فى مصر“، “ثلاث نظريات فلسفية من مصر“، “تعليقاتى على الاحداث“، “سر تأخر المصريين” ، “أربعون سلبية تعوق تقدم مصر“، “استراتيجية لإصلاح التعليم المصري“، “مشاهد مجتمعية أتمنى أن تزول”، “أتمنى لجامعة القاهرة“،”كتاب مصريات معاصرة“، “الفلسفة المصرية من الامثال الشعبية“.
وفى الاسلاميات كتب عددا من البحوث الاكاديمية منها: “الرد علي الافتراءات الموجهه للاسلام“، ” كلمت مضيئـة مــن القرآن“، “المفهوم المتكامل للإسلام“، “حقيقة الدنيا وموقف الإنسان منها“، “تعليم المرأة لدى المسلمين“، “نظرية خلق الانسان فى القران الكريم“، “الدفاع عن القران ضد خصومه“، “ملاحظاتى على الدولة العثمانية“، “الافكار الرئيسيـة فى التصوف“، “تراجع الحركة العلمية عند المسلمين“.
وعن أفكاره الإصلاحية، كان مما كتب مقالات: “كيف يستعيد المسلمون حضارتهم“، “نحو النهوض بالجامعات المصرية“، “منهجان للإصلاح“، “وصفتى للتقدم“، “النهضة و الكفاءات البشرية“، “الشروط العشرة للتعايش بين الأديان“، “استراتيجية للثقافة المصرية، “إعادة الاعتبار لنهر النيل، “الهوية العربية مكوّناتها ودعمها“، ومن الكتب التى وضعها فى هذا: كتاب “أفكار قابله للتنفيذ”، كتاب “ماذا لو” 2-1، “يوميات سلامة المصرى” 2-1
كما كان أديبا أريبا شاعرا فصيحا فألف عددا كبيرا من الدواوين الشعرية، منها: “ديوان عاشق القاهرة“، “ديوان اللحظات النادرة“، “هكذا تحدث أبو الهول“، “ديوان الشجرة وعصافيرها“، “ديوان مملكة الليل“، “ديوان الأماكن“، “رومانسيات آخر العمر جـ 2،1“، وكتب العديد من قصائده تغزلا في النيل ووصفا لحاله، فكتب: “قصيدة النيل في القاهرة“، “قصيدة دفاع عن النيل“، “قصيدة دمعة على النيل“، “قصيدة أحلام على النيل“، قصيدة النيل دائما“، كما وضع فى نظريته فى الشعر: “التجربة الشعرية“، “الشاعرية: عناصرها وآفاقها“، “الشاعر والناظم“، “كيف تولد القصيدة“، “ترجمة الشعر“، “حديث عفوي عن الشعر والنقد“، “رؤيتي للشعر“، “قصائدي في الصراع مع الشعر“.
وصدق المفكر الاسلامى الاستاذ الدكتور عبدالراضى عبدالمحسن عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ناعيا فقيد دار العلوم ومصر كلها: مصاب دار العلوم كبير، لكن مصيبتي اليوم أكبر ، مات الصديق والرفيق والمُعلم والوالد ؛ مات أ.د. حامد طاهر الشاعر الذي كنتُ أَوَدُّ أن يقول رثائي؛ مات المفكر الإسلامي الطاهر حامد أحد أركان دار العلوم الراسخة علماً وفكراً وإدارة وتسامحاً ومحبةً ووطنيةً؛ مات مُعلّم المنهجية والمعرفية والمنطقية، مات الأكثر تأليفاً وتعليماً واستغراقاً ورهبانية في العلم، مات الجامع بين علوم الشرق والغرب الأستاذ الأكاديمي ابن السربون ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بدار العلوم ووكيلها وعميدها السابق ونائب رئيس جامعة القاهرة.
أيها الراحل في سلام مصاحباً روحي الظمأى لك وعيني المتحجرة من دمع مسكوب عليك! أأخلفتَ عهدك وتركتني وحيداً :أُسائلُ عنك بَعْدكَ كلَّ مَجْدٍ .. وما عهدي بمَجْدٍ عنك خالٍ؟ ..
أنا لن أقول وداعاً، فكيف أودِّعُ روحي وهي سابحة معك؟
وها هو ذا أستاذنا الدكتور حامد طاهر يلبى نداء ربه، ولا نملك إلا التصديق والايمان بقضائك وقدرك يا ربنا، فجزى الله خيرا فقيدنا وعالمنا جزاء ما قدم، وندعوك ربنا أن تتقبله بما يليق بك كرما وإحسانا، معترفين لك أن البدء منك، والمنتهى إليك، فارحم اللهم أحزان أهله وذويه ومحبيه، وألهمنا الصبر والسلوان، والرضا بالتسليم لك، واجمعنا معه في فردوسك الأعلى، وشرفنا وإياه بالنظر لوجهك الكريم.. ولا نقول إلا ما يرضى ربنا “إنا لله وإنا إليه راجعون”.