التحول الإيجابي فرض عين
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
لاشك أن أزمة الكرونا لن تنتهي قبل أن تدفع الناس إلى التحول، لكن ليس تحولا من نوع واحد، بل منه ما يكون سلبيا ومنه ما يكون إيجابيا، منه ما يسمو إلى الغايات العليا، ومنه ما يتجه نحو التحول الاجتماعي والاقتصادي، ومنه ما يتجه نحو التحول الديني والثقافي، ومنه ما يتجه نحو التحول السياسي، لكن الخلاف المتوقع يكون في عقيدة التحول تبعا لمدى ما وصل إليه ناتج تعلم درس الأزمة، أهي إلى الوعي ومن ثم التحول الإيجابي، أم إلى السعادة بانتهاء الأزمة والمضي في الجهالة أو التقليد الأعمى؟!
إن الله الرحيم لم يترك المسلمين دون أن يوجههم إلى حسن التعامل مع الأزمة، فإذا كان الإسلام دعوة إيجابية للخروج من الظلمات إلى النور، فقبوله في حد ذاته تحول إيجابي، هذا التحول الإيجابي يصبح بعد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله فرض عين على كل مؤمن، فهو ليس مجرد تحول اعتقادي فحسب، بل تحول في كل ما يتعلق بالحياة والعالمين من الإنس والجن. وما أكثر آيات القرآن الكريم التي دلت على ضرورة التحول وكيفية التعامل مع الأزمات، وكيفية تعلم دروسها، وكيفية الاستفادة من هذه الدروس، ومن الأزمات ذاتها، ومن الناتج الإيجابي لهذا التعامل، والناتج المستقبلي في الدنيا والآخرة، بل إن سورا كاملة من القرآن الكريم اهتمت بتحليل الأزمات وبيان أنواعها، وكيفية التعامل معها، والناتج عن هذا التعامل، مثل سورة النور، سورة الفرقان، سورة الحجرات، سورة لقمان، العديد من قصار السور.
إن الأزمات لا تأتي فجأة، لكن الله يرتب لها، وينذر الناس بآيات من عنده، كما في قوله تعالى: أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.(التوبة) وفي قوله تعالى: إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.(النبأ) وفي قوله تعالى: إن ربك لبالمرصاد.(الفجر)
الأزمة فرصة للتفاعل والتعامل الإيجابي،كما جاء في قوله تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا.(الحج)
ومن أوجه الغباء في التعامل مع الأزمة ما جاء في قوله تعالى: ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.(الحج) فالأزمة فرصة للدراسة والتفكر والتدبر والوعي، كما جاء في قوله تعالى: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.(الحج) وفي قوله تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا.(سبأ)
اختلاف تلقي الأزمة يرجع إلى ما تعتقده كل أمة، ومن ثم لا ينبغي أن نقلد الأمم الأخرى في التعامل مع الأزمة، كما جاء في قوله تعالى: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم.(الحج) وفي قوله تعالى: قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم.(الزمر)
التعامل مع الأزمة نوع إيجابي من الجهاد الصحيح في الطريق الصحيح، من خلال الأسس الصحيحة، كما جاء في قوله تعالى: وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج.(الحج) وفي قوله تعالى: وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم، وإن الذين لايؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون.(المؤمنون) وفي قوله تعالى: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.(الزمر)
إن التعامل مع الأزمة ليس حربا عشوائية، بل هي دفع عقلاني من خلال أسس حسنة، كما في قوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون.(المؤمنون) وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كا ظلوما جهولا.(الأحزاب) وفي قوله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون.(التوبة)
الأزمات لها أسبابها، وهي مدبرة من جانب خالق كل شيء، يستخدمها عندما يرى لها ضرورة في حياة البشر، وامتحانا لمدى الارتباط بالله وأوامره، كما في قوله تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.(العنكبوت) وفي قوله تعالى: أفنضرب الذكر عنكم صفحا أن كنتم قوما مسرفين.(الزخرف) وفي قوله تعالى: فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين.(المعارج)
وتبين بعض الآيات آليات التعامل مع الأزمات، كما جاء في قوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.(التوبة) وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم الحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير.(التوبة)
من ثم لا مجال لليأس والقنوط من انتهاء الأزمة أو مواجهتها أو القضاء عليها، كما في قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.(الزمر)
ناتج التعامل السليم مع الأزمة ربما لا يكون سريع التحقق، لكنه ربما يكون مرتبطا بتدبير إلهي كريم من خلال وعد صادق، كما في قوله تعالى: أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين.(القصص)
إن ناتج التعامل مع الأزمة مرتبط بالجهد الذي بذله الإنسان والمنهج الذي اتبعه، والآليات التي استخدمها، كما في قوله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى.(النجم) وفي قوله تعالى: وكنتم أزواجا ثلاثة، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة، والسابقون السابقون أولئك المقربون.(الواقعة) وفي قوله تعالى: وقالوا لوكنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.(الملك) وفي قوله تعالى: يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.(الزلزلة) وفي قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدلهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم.(التوبة)
لاشك أن الاستفادة من درس الأزمات في التحول الإيجابي فرض عين، كما ظهر من اهتمام القرآن الكريم بهذا الأمر، لكن السؤال الذي ينبغي أن نجيب عنه، هو: كيف ندعو الله لإزالة الأزمة مع ما نقوم به من جهد أمرنا الله به لمواجهة هذه الأزمة؟ من الطبيعي أن يكون دعاؤنا بلغة اختارها الله سبحانه اختيارا نهائيا للتخاطب مع العالمين في الدنيا والآخرة، وهي اللغة العربية، فكيف يدعو من لا يجيد اللغة العربية ربا حدد هذه اللغة للدعاء؟ وكيف يتوقع أن يصل هذا الدعاء لله؟ وكيف يتوقع الاستجابة من الله؟! صحيح أن الله عليم بكل شيء خبير بكل لسان، ولكن إذا أردت مصلحة من أمريكا ألا يجدر بي أن أخاطبها باللسان الذي ترضاه! وبالأسلوب الذي ترضاه! فكيف إذا أردت خيرا من الله ألا أخاطبه باللغة التي ارتضاها لأهل الجنة، وبالأسلوب الذي ارتضاه للمؤمنين؟!
أزمة الكرونا فرصة لا تعوض لإصلاح مافسد في ديننا وعقيدتنا ولغتنا ودنيانا وآخرتنا، وتحقيق آمالنا في الدنيا والآخرة.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.