فن..وفن!
بقلم / د. محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر
تابعت – بمزيد اهتمام وتأثر – الحلقة المتميزة من مسلسل (الاختيار)، الذي يحكي قصصا واقعية – من غير مبالغة، بل لعلها أقل من الواقع بكثير – عن بطولات أبناء القوات المسلحة المصرية في دحر جماعات التكفير والإرهاب!
وقد نجح المسلسل في تعرية حقيقة تلك الجماعات أمام المشاهد، وأنهم قد خدعوا الشباب زمانا باسم الجهاد تحت راية الإسلام وإقامة دولة الخلافة، وما هم إلا جماعة من القتلة المأجورين كلاب السكك، خرجوا على شعوبهم وحكامهم وأوطانهم، لا يعرفون الوطن إلا حفنة من التراب، ولا الحاكم إلا طاغوتا، ولا الشعب إلا كافرا أو راضيا بالكفر!
كما نجح المسلسل في إبراز دور القوات المسلحة في حماية الدولة والمواطنين من شرور الأعداء والمتربصين، كما تقتضيها عقيدتها القتالية، وأنه لولا تضحياتهم العظيمة؛ لدخل هؤلاء الكلاب علينا ديارنا، وقتلونا، ومثلوا بجثثنا، واستباحوا أموالنا وأعراضنا غنيمة لهم، فيما يزعمون!
وقدم المسلسل نموذجين متناقضين لرجلين ينتميان إلى مؤسسة واحدة، في دولة واحدة، أما أحدهما فقام بما يقتضيه الواجب الديني والوطني والمهني تجاه بلده وأهله، حتى قدم روحه فداء لهذا الواجب، وهو البطل الشهيد أحمد منسي وزملاؤه!
وأما الآخر فخان بلده، وباع أهله، وسلك سبيل الشيطان، فقتل ودمر وفجر وخرب، وهو الإرهابي هشام عشماوي!
والذي يقع في نفسي الآن أن الشهيد السعيد – إن شاء الله – أحمد منسي كان رجلا صالحا، وثيق الصلة بالله، فاختار الله له الشهادة صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، وقد كان يتمناها، وشاء الله لمنسي ألا ينسى، فسخر له من يوثق تاريخه وتاريخ زملائه البطولي في هذا العمل الفني القيم الهادف!
هذه القيم النبيلة التي يقدمها هذا المسلسل، قيم الولاء، والانتماء، وحب الوطن، والدفاع عنه، والإيثار، والتضحية، والفداء من أجل الآخرين؛ تجعلنا نؤكد على قيمة الفن حين يكون هادفا وهاديا، ولا أبالغ إذا قلت: إنه من أعظم وسائل الدعوة إلى الله تعالى؛ إذا أحسن توظيفه؛ لأنه أعظم أثرا في نفوس الجماهير من الدعوة القولية المجردة!
على الجانب الآخر فإننا نؤكد على تفاهة الفن الهابط وانحطاطه، وندعو إلى مقاطعته، فليست له رسالة يؤديها، وإن كانت فهي رسالة الهدم والتخريب!
وخذ – مثلا على ذلك – مسلسلا يعرض بالتوازي مع مسلسل (الاختيار) في هذا الشهر الكريم، شاهدت منه بضع حلقات، وقرأت تعليقات الناس عليه، فإذا هو من الانحطاط بمكان، يرسخ لمفهوم الخيانة الزوجية، وتمزيق أواصر الأخوة، والقتل من أجل المال، ونزع الرحمة من القلوب، ويهدم كل معاني الشرف والفضيلة والنخوة التي تقوم عليها الأسرة المسلمة!
فهل يمكن أن يعد هذا فنا ساميا ذا رسالة؟!
رحم الله شهداء القوات المسلحة المصرية، وخلد ذكراهم، وبارك في الأحياء منهم، وحفظهم، وصان بلادنا من كل مكروه وسوء، وأقر فيها كل طيب، ونفى عنها كل خبيث!