تعدد قراءات القرآن الكريم.. شبهات وردود ( 4)
د. محمد العربي
سؤال: تعدد قراءات القرآن، ألا يدل على الاختلاف فيه، وهو نوع من التحريف؟ الإجابة: “قراءات القرآن”، مصطلح خاص لا يراد به المعنى اللغوي المطلق، الذي يفهم منه اطلاع أي قاريء على أي كلام مكتوب، بل له في علوم القرآن معنى خاص من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم، فإضافة ” قراءة ” أو “قراءات” إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو القراءات من ذلك المعنى اللغوي العام، فالمعنى اللغوي العام يطلق ویراد منه قراءة أي مكتوب، سواء كان صحيفة أو كتاباً أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قاري من المصحف أو تلاه بلسانه من ذاكرته الحافظة لما يقرؤه من القرآن .
ومنه قول الفقهاء: القراءة في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء تكون جهراً، فإن أسر فيهما المصلي فقد ترك سنة من سنن الصلاة، ويسجد لهما سجود السهو إن أسرَّ ساهيا.
فقراءة القرآن هنا معنى لغوی عام، لا ينطبق عليه ما نحن فيه الآن من مصطلح: قراءات القرآن، وقد وضع العلماء تعريفا للقراءات القرآنية يحدد المراد منها تحديدا دقيقا. فقالوا في تعريفها:
اختلاف ألفاظ الوحي في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشدید وغيرهما، وقد عرفها بعض العلماء فقال: القراءات هي النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبی عليه الصلاه والسلام.
ومما يجب ملاحظته أن القراءات القرآنية وحي من عند الله عز وجل، فهي إذن – قرآن- ولنضرب لذلك بعض الأمثلة:
قوله تعالى” لقد جاءكم رسول من أنفسكم “هذه قراءة حفص عن عاصم أو القراءة العامة التي كتب المصحف في خلافة عثمان بن عفان -رضى الله عنه- عليها، والشاهد في الآية “أنفسكم” بضم الفاء وكسر السين، وهى جمع نفس بسكون الفاء ومعناها: لقد جاءكم رسول ليس غريبا عليكم تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لأنه منكم مولد ونشأه وبيئة ولغة.
وقرأ غير عاصم: ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم” بفتح الفاء وكسر السين، ومعناها: لقد جاءكم رسول من أزكاكم واطهركم .
و”أنفس” هنا أفعل تفضيل من النفاسة، فكلمة ” أنفسكم ” كما ترى قرئت على وجهين من حيث النطق وهذا هو معنى القراءة والقراءات القرآنية.
مع ملاحظة مهمة ينبغى أن نستحضرها في أذهاننا فيما يأتى للرد على الشبهة التي سيوردها خصوم القرآن من مدخل تعدد قراءات القرآن أن هذه القراءات لا تشمل كل كلمات القرآن بل لها كلمات في الآية دون كلمات الآية الأخرى وقد رأينا في الآية السابقة أن كلمات الآية لن تشملها القراءات بل كانت في كلمة واحدة هي “أنفسكم”.
وهذا هو شأن القراءات في جميع القرآن كما ينبغي أن نستحضرها دائما.
ومثال آخر هو قوله تعالى:
“مالك يوم الدين”، والشاهد في الآية كلمة: “مالك” وفيها قراءتان: “مالك” اسم فاعل من “ملك” وهى قراءة حفص وقرئت “ملك” صفة لا اسم فاعل وهى قراءة نافع وآخرين.
ومعنى الأولى “مالك” القاضي المتصرف في شئون يوم الدين وهو يوم القيامة، أما معنى “ملك” فهو أعمّ من معنى “مالك” أى من بيده الأمر والنهى ومقاليد كل شيء ما ظهر منها وما خفى.
وكلا المعنين لائق بالله تعالى وهو مدح الله عز وجل. ولما كانت هذه الكلمة تحتمل القراءتين كتبت في الرسم هكذا “ملك” بحذف الألف بعد حرف الميم مع وضع شرطة صغيرة رأسية بين الميم واللام ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين.
وبعد، فهذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهديا لذكر الحقائق الآتية:
-إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل.
-إنها لا تدخل كل كلمات القرآن بل لها كلمات محصورة وردت فيها وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها.
-إن الكلمة التي تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة معنى مقبول يزيد المعنى ويثريه.
-إن القراءات القراّنية لا تؤدى إلى خلل في آيات الكتاب العزيز وكلام الله الذى أنزله على خاتم رسله عليه الصلاة والسلام .
ومع هذا، فإن خصوم الإسلام يتخذون من تعدد قراءات بعض كلمات القراّن وسيلة للطعن فيه ويرون أن هذه القراءات ما هي إلا تحريفات لحقت بالقراّن بعد العصر النبوى.
وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين إنكم تتهمون الكتاب المقدس بعهديه (التوراة والإنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل وكتابكم المقدس (القراّن) حافل بالتحريفات والتغيرات والتبديلات التي تسمونها قراءات وهذا ما قالوه فعلا وأثاروا حوله لغطا كثيرًا وبخاصة جيش المبشرين والمستشرقين الذين تحالفوا -إلا قليلا منهم- على تشويه حقائق الإسلام وفى مقدمتها القراّن الكريم.
ونكتفى بما أثار واحد منهم وهو المستشرق اليهودى “جولد زيهر” الحقود على الإسلام وكل ما يتصل به من قيم ومبادئ.
إن هذا الرجل لهو أشد خطرًا من القس زويمر زعيم جيش المبشرين الحاقدين على الإسلام في عهد الاحتلال الإنجليزى للهند ومصر.
للحديث بقية.