الإرادة والقدر
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
كنا ندرس في مادة النصوص في المرحلة الإعدادية قصيدة للشاعر أبي القاسم الشابي مطلعها:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلـــــــــي ولابد للقيد أن ينكســـر
وبحكم توجهي الديني كنت أعارض مدرس اللغة العربية في اختيار نصوص شعر اشتراكي يتعارض مع المفاهيم الإسلامية، لأني كنت أعتقد، ومازلت على عقيدتي، أن القدر لا يستجيب لأحد، لأن القدر حكم الله، ومن أسس الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره من الله، ومع إعجابي بالقصيدة تمنيت أن يغير الشاعر الشطر الثاني من البيت الأول، لأن المفهوم في باقي الأبيات مطلوب، لأنه يوقظ الهمم، أما استجابة القدر لإرادة الشعب فهو أمنية بنيت على غير وعي بالإسلام، فالقدر مكتوب سواء أراد الإنسان أو حتى الشعب الحياة أم لم يرد، والدعاء أيضا مكتوب لأن تحققه مكتوب في القدر، فربما يظن الداعي أن دعوته تغير القدر، وهو اعتقاد خاطئ، لأنه يتعارض مع مفهوم القدر، وعدم فهم للآية الكريمة: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، لأن الدعاء له شروط ينبغي أن تستوفى عمليا، وهو ما ينبغي أن نفهمه من قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان. حيث وضع الله سبحانه شرطين للدعاء، أولهما: فليستجيبوا لي، والاستجابة هنا تبدو في العمل بأوامر الله من خلال منهج الله، وهو ما أوضحه كثير من أيات القرآن الكريم، وثانيهما: وليؤمنوا بي. والإيمان بالله أبعد من الإسلام وأعمق، حيث قالت الأعراب آمنا، فقال لهم الله: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا. من ثم فالإيمان ثقة كبيرة في الله، لأنها تشمل الملائكة والكتب السماوية والرسل واليوم الآخر، فضلا عن القدر خيره وشره من الله. فكيف يستجيب القدر لإرادة الإنسان أو الشعب؟! حقيقة يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، وهو ليس عملا بلا أساس، بل يقوم على أساس من حكمة الله، وهذا الأساس ينظر عمل الإنسان أو الشعب، فقد قال الله سبحانه لليهود لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا! لماذا؟ لكي يرى أعمالهم حتى يستجيب لدعائهم.
كان من المفروض من المسلمين وخاصة العرب والمصريين في أزمة وباء الكرونا أن يعيدوا النظر في أعمالهم قبل أن يسألوا الله أن يرفعه، فدعاؤهم يفتقد شروط الاستجابة من الله، فهم لم يتوقفوا عن كلام السوء وعمل السوء، بل يتمادون فيه فأنى يستجاب لدعائهم، وهو ما أكده الرسول الكريم لمن يسب هذا ويضرب هذا ويظلم هذا أنى يستجاب له! في حين أنه رب أشعث أغبر ذي طمرين باليين لو أقسم على الله لأبره!
إخوتي الأعزاء أعيدوا النظر في قولكم وعملكم حتى يستجيب الله لكم ويرفع الغمة.