فتوى حديثية!
بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر
السؤال:
هل هذه الأحاديث الواردة في فضل البطيخ، والمتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ صحيحة؟
حديث يقول: “عليكم بالبطيخ؛ فإن فيه عشر خصال: هو طعام، وشراب، وأشنان، وريحان، ويغسل المثانة، ويغسل البطن، ويكثر ماء الظهر، ويقطع البرودة، وينقي البشرة”.
وحديث آخر يقول: “تفكهوا بالبطيخ؛ فإنها فاكهة الجنة، وفيها ألف بركة، وألف رحمة، وأكلها شفاء من كل داء”.
وحديث ثالث يقول: “ما من امرأة حامل أكلت البطيخ؛ إلا يكون مولودها حسن الوجه والخلق”.
وحديث رابع يقول: “البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلا، ويذهب بالداء أصلا”.
وحديث خامس يقول: “عض البطيخ، ولا تقطعها قطعا؛ فإنها فاكهة مباركة طيبة، مطهرة الفم، مقدسة القلب، تبيض الأسنان، وترضي الرحمن، ريحها من العنبر، وماؤها من الكوثر، ولحمها من الفردوس، ولذتها من الجنة، وأكلها من العبادة”.
الجواب:
لم يثبت ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في فضل البطيخ أو الحبحب – كما يسميه بعض العرب – سوى حديث واحد، رواه الترمذي وغيره من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ بالرطب”. قال الترمذي عقب تخريجه: حسن غريب.
وأما ما سوى هذا الحديث من الأحاديث فإنها لم تثبت ولم تصح، نقل العلامة ابن القيم في (المنار المنيف) عن الإمام أحمد قوله: ” لا يصح في فضل البطيخ شيء؛ إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكله”. يشير إلى هذا الحديث – حديث السيدة عائشة الذي رواه الترمذي وغيره – وقد ذكرناه.
وقال في (زاد المعاد): “في البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء؛ غير هذا الحديث الواحد”.
وقال الحافظ السخاوي في (المقاصد الحسنة): “حديث البطيخ وفضائله؛ صنف فيه أبو عمرو النوقاني جزءا، وأحاديثه باطلة، قال أبو القاسم التيمي فيما أجاب به أبا موسى المديني: “لا تزيده كثرة الطرق إلا ضعفا” – يعني لشدة ضعفه الذي لا يقبل الانجبار – وقال النووي: “إنه غير صحيح””.
والحاصل: أنه لم يصح في فضل البطيخ سوى حديث واحد، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ بالرطب، وما سواه من الأحاديث فباطل، لا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا روايته على أنه من حديثه.
هذا من ناحية السند، أما من ناحية المتن فإن أكثر الألفاظ الواردة لا تناسب بلاغة النبوة، إنما تناسب كلام الأطباء، سواء كانت صحيحة من ناحية الطب أم خطأ، وهذا من القرائن التي يعرف بها أهل الحديث أن الحديث موضوع أو مكذوب!
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالهدى والنور والحكمة، ولم يبعث معرفا بفنون الطعام والشراب والطب؛ إلا على سبيل الهداية، بما يناسب مقام النبوة!
وأكثر الأحاديث الواردة في فضائل الطعام والشراب والبلدان، بل في فضائل سور القرآن؛ تقف خلفها دوافع نفسية، وأغراض شخصية، نبه عليها أهل العلم بالحديث، ولم يصح منها إلا القليل!
على أن أكله صلى الله عليه وسلم البطيخ بالرطب؛ كان بحكم الجبلة، وأفعال الجبلة لا يتعلق بها تكليف!
وننبه جمهور المسلمين إلى عدم تداول مثل هذه الأحاديث على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إلا بعد سؤال أهل العلم عنها، حتى لا يقعوا في إثم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعرون؛ فإن راوي الكذب أحد الكاذبين!