تستهدف حكومة سلطنة عمان، خلال العام الجاري 2023، تنشيط حركة السياحة بها والترويج للمقومات التراثية والطبيعية وتعزيز مكانة الدولة على الخارطة السياحية، ولاسيما مع تمتعها بمقومات تراثية وتاريخية قديمة وأخرى طبيعية.
ويعول المسئولون على مهرجانات المغامرات الصحراوية وأخرى للتراث البحري العُماني، بجانب ما تمتلكه من مواقع تاريخية قديمة.
ومن جانبه، قال محسن سالم امبوسعيدي مدير قلعة “نزوى” – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط – إن هناك مخططا من أجل استهداف مضاعفة عدد السائحين العرب والأجانب لزيارة القلعة التاريخية ومدينة “نزوى” التي كانت عاصمة لسلطنة عمان في عصور الإسلام الأولى وعرفت بنشاطها الفكري وبالأجيال المتعاقبة.
وتعد قلعة “نزوى” والتي تبعد 140 كيلومترا عن مطار مسقط الدولي، واحدة من أحد أهم المعالم السياحية والتاريخية القديمة لسلطنة عمان، وهى ذات برج دائري عظيم يعد الأكبر من نوعه في شبه الجزيرة العربية، وقد تم اختيار مدينة “نزوى” كأفضل وجهة للسياح في الوطن العربي عام 2022.
وأشار إلى أن قلعة “نزوى” تعرف بـ “الشهباء” وهى محاطة بقبعة جدارية قديمة يبلغ عمرها 1200 عام.
وترتبط قصة هذا المعلم البارز بالتاريخ الحافل بالشعب العماني، إذ كانت مدينة “نزوى” في فترات متقطعة ما بين القرنيين الميلاديين الثامن والثاني عشر عاصمة للبلاد لسلسلة متعاقبة من الأئمة، فمع تماوج السلطة وانتقال الإمامة أكثر من مرة إلى أماكن أخرى مثل بهلاء والرستاق وصحار ومسقط إلا أن “نزوى” حافظت على مكانتها البارزة كمدينة العلم والمعرفة
وقد بناها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي عام 1650، والذي اشتهر بأنه الإمام الذي طرد البرتغاليين من سلطنة عمان.
وترتبط القلعة بحصن ذي ممرات متاهية معقدة ويوجد بالقرب من مبنى القلعة والحصن سوق “نزوى” التقليدي الذي اشتهر بصناعاته الحرفية المزدهرة، والذي يجذب السائحين بكثافة.
ويبلغ ارتفاع القلعة 24 مترا وقطرها الخارجي 43 مترا والقطر الداخلي 39 مترا، بها سبعة آبار وفتحات متعددة لمرابطة المقاتلين المدافعين عن القلعة والمدينة خلال العصور القديمة، وبداخلها مواقع مختلفة للسجون حيث كانت مقرا للحكم وتنفيذ العقوبات ضد مرتكبي المخالفات والجرائم بأنواعها المتدرجة.
كما يعد “المتحف الوطني” بسلطنة عمان، والذي يقع في مواجهة القصر السلطاني، واحدا من أشهر الصروح الثقافية، والمخصص لإبراز مكنونات التراث الثقافي لعُمان، منذ ظهور الأثر البشري في السلطنة وإلى يومنا الحاضر.
ويهدف المتحف إلى تحقيق رسالته التعليمية والثقافية والإنسانية، من خلال ترسيخ القيم العُمانية النبيلة، وتفعيل الانتماء، والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن، والمقيم، والزائر، من أجل التعريف بعُمان، وتاريخها، وتراثها، وثقافتها، ومن خلال تنمية قدراتهم الإبداعية، والفكرية، ولاسيما في مجالات الحفاظ على الشواهد، والمقتنيات، وإبراز الأبعاد الحضارية لعُمان؛ وذلك بتوظيف واعتماد أفضل الممارسات والمعايير المتبعة في مجالات العلوم المتحفية.
ويتوزع تجربة العرض المتحفي على 14 قاعة، تتضمن أكثر من 7000 من اللقى المميزة، والمنتقاة بعناية، و33 منظومة عرض تفاعلي رقمية، ويعتبر أول متحف بالسلطنة يتضمن مركزًا للتعلم، مجهزًا وفق أعلى المقاييس الدولية ويتضمن مرافق للحفظ والصون الوقائي، ومختبرات مجهزة تجهيزًا كاملًا.
كما يتضمن المتحف قاعة عرض صوتية ومرئية بتقنية (UHD)، وهى الأولى من نوعها بالشرق الأوسط، والتي توظف منظومة “برايل” باللغة العربية، كما أن المتحف هو الأول من نوعه بالشرق الأوسط الذي يوظف منظومة المخازن المفتوحة.
ويتميز المتحف بوقوعه في ظلال قلعتي “الجلالي” و”الميراني” التاريخيتين وإلى جوار سور مسقط القديمة ومقابل قصر “العلم” السلطاني.
ويسعى المتحف الوطني بقاعاته الـ 15 إلى إبراز الشواهد والمقتنيات المادية والمعنوية المكونة لتاريخ وتراث وثقافة وفنون السلطنة والحفاظ عليها بكافة تجلياتها وإبراز الأبعاد الحضارية والتاريخية والثقافية مع توظيف واعتماد أفضل الممارسات والمعايير المتبعة في مجالات الإدارة المتحفية وإدارة المقتنيات والعرض.
ويحتوي المتحف على التحف الأثرية والصناعات الحرفية والمخطوطات والوثائق والمراسلات والمطبوعات القديمة والطوابع البريدية ومجسمات للسفن والمراكب وأدوات الملاحة البحرية والأسلحة التقليدية والمجسمات المتحفية فائقة الدقة للقلاع والحصون والمباني التاريخية واللقى المتصلة بالعمارة والآلات والأدوات والمعدات الزراعية وما يتصل بالأفلاج والنقود والعملات الورقية والمعدنية والخزف والأثاث والفنون التطبيقية والصور الفوتوغرافية والفنون التشكيلية والآلات والأدوات الموسيقية، إضافة إلى مفردات التراث غير المادي وهي ما يتصل بالطعام والشراب والشعر والقصص والرقص والغناء الشعبي، فضلا عن التسجيلات المرئية والصوتية والمكونات التفاعلية الرقمية.
وتوضح المعروضات أن العمانيين في العصر الإسلامي كانوا جزءا من شبكة تجارية واسعة النطاق تمتد من الصين إلى شرق إفريقيا مشكلة بذلك أطول طريق تجاري بحري معروف في ذلك الوقت.. وخلال القرون الأربعة الأخيرة ساهم العمانيون في تأسيس امبراطوريتين بحريتين ربطتا عمان بالخليج العربي وساحل مكران وشرق إفريقيا.
وتحتوي إحدى قاعات المتحف على ستة أقسام يتناول القسم الأول موقع قلعة “بهلا” وواحتها وهو أول موقع في السلطنة تدرجه منظمة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي عام 1987، أما القسم الثاني فيصف أهم العواصم السياسية لعمان مثل صحار والرستاق ونزوى ومسقط.. وفي القسم الثالث يتم تناول عدد من القلاع والحصون العمانية المتميزة بأنماطها المعمارية وخصوصيتها التاريخية، والقسم الرابع يوضح القصور الريفية والبيوت المحصنة، أما القسم الخامس فيوضح أنماط البيوت السكنية التقليدية في محافظات السلطنة.. بينما يتناول القسم السادس الأبعاد الجمالية للعمارة التقليدية في سلطنة عمان.
وتضم إحدى قاعات المتحف منظومة الأفلاج العمانية الخمسة التي أدرجتها “اليونسكو” ضمن لائحة التراث العالمي عام 2006 تعبيرا عن المكانة الدولية لهذا النظام المائي الفريد الذي يشكل موروثا حضاريا أبدعه العمانيون كأقدم هندسة ري بالمنطقة، وهي أفلاج (دارس – الخطمين – الميسر – الجيلة – الملكي) ويوجد هناك حوالي 3000 فلج حي ما تزال قيد الاستعمال في ربوع السلطنة، ويستخدم هذا النظام الجاذبية الأرضية لتسيير المياه في قنوات مصادرها الثمينة تحت الأرض أو على سطحها لمسافات طويلة غالبا وتحمل مثل هذه القنوات المياه الجوفية بواسطة العيون أو المياه السطحية لاستخدامها في الزراعة والصناعة أو للاستعمالات اليومية الأخرى.
وفي قاعة (أرض اللبان) بالمتحف نشاهد مواقع أرض اللبان الأربعة بمحافظة ظفار المرتبطة بتجارته منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد من عمان إلى بلاد الرافدين ووادي السند ومصر الفرعونية والتي أدرجتها منظمة (اليونسكو) في قائمة التراث العالمي وهي مدينة البليد ومدينة خور روري (سمهرم) ومدينة شصر (اوبار) ووادي دوكة.
ويحتوي المتحف على مركز تعليمي وقاعة محاضرات مجهزة تجهيزا متكاملا وشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة وللطلبة من مختلف الفئات العمرية، كما يضم المتحف مركزا للحفظ والصون وهو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، ومرافق تخصصية لدعم برنامج إدارة المقتنيات، من مخازن وورش عمل ومعامل.