كتب – رفعت عبد السميع :
خلال عدة السنوات الأخيرة تجري على مسار السياسة الخارجية لأوزبكستان تغييرات أساسية سببها التحول الجذري في مناهج ممارسة السياسة الخارجية.
ومن أحد الأحداث البارزة في السياسة الخارجية لأوزبكستان هو إعادة تشغيل العلاقات مع دول آسيا الوسطى والتي كان لها تأثير إيجابي على المناخ السياسي والإقتصادي والثقافي والإنساني العام في المنطقة.
بعد انتخاب شوكت ميرضيائيف رئيسًا لجمهورية أوزبكستان في عام 2016 تشهد منطقة آسيا الوسطى اتجاها ثابتا لتعزيز التعاون الإقليمي وتقوية الثقة المتبادلة وبناء علاقات حسن الجوار والصادقة.
حيث أكد رئيس جمهورية أوزبكستان مرارًا أن الأولوية الرئيسية لسياسة أوزبكستان الخارجية هي منطقة آسيا الوسطى.
بمبادرة من الجانب الأوزبكي تم عقد في السنوات الأخيرة عدد من إجتماعات القمة الثنائية مع جميع قادة دول آسيا الوسطى.
وكانت النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها هي إتاحة الفرصة لحل القضايا المعقدة الأكثر التي كانت قائمة حتى عام 2016 ، وقبل كل شيء في مجال ترسيم حدود الدولة وقضايا استخدام المياه العابرة الحدود.
كانت من النتائج الرئيسية للعمل في مجال ترسيم الحدود وحل مشاكل المناطق الحدودية توقيع اتفاقية بشأن الحدود الأوزبكية – القيرغيزية الدولية على جزئها المتفق عليه واتفاقية بشأن المناطق المعينة في الحدود الأوزبكية – الطاجيكية الدولية خلال الزيارات الرسمية لرئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف إلى قيرغيزستان في 5 سبتمبر 2017 وإلى طاجيكستان في 9 مارس 2018 .
خلال زيارة رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف إلى أوزبكستان في مارس 2021 توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن انهاء عملية ترسيم الحدود الدولية بين البلدين في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة.
وفي سياق السياسة البناءة، تجري مناقشة مسألة منشآت الطاقة الكهرومائية في البلاد التي يأتي منها الماء (قيرغيزستان وطاجيكستان).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإنجازات ليست مجرد حل للقضايا الثنائية المثيرة للجدل بل هي في الواقع إزالة النزاع المحتمل من جدول الأعمال الإقليمي.
تلقى التعاون التجاري والإقتصادي والإستثماري دفعة قوية. خلال السنوات الأربع الماضية فقط نما حجم التبادل التجاري لأوزبكستان مع دول آسيا الوسطى حوالي ضعفين – يعني من 2.7 مليار دولار إلى 5.2 مليار دولار .
على وجه الخصوص في عام 2020 تجاوز التبادل التجار مع كازاخستان 3 مليارات ومع قرغيزستان أكثر من 900 مليون دولار ومع طاجيكستان 500 مليون دولار ومع تركمانستان حوالي 530 مليون دولار.
تشهد خطط زيادة التبادل التجاري مع كازاخستان إلى 10 مليارات دولار ومع قيرغيزستان إلى 2 مليار دولار ومع طاجيكستان وتركمانستان إلى مليار دولار على أن هناك الإمكانات الكبيرة غير المحققة للتجارة الثنائية.
يتم إقامة تعاون صناعي بين دول آسيا الوسطى. يتم إنشاء مشاريع مشتركة بمشاركة رأس المال الأوزبكي. وعلى وجه الخصوص :
أولاً : في كازاخستان على أساس “ساريأرك أفتو بروم” Saryarka Auto Prom تم إطلاق إنتاج سياراتبطراز Ravon في مدينة كوستاناي ، وأطلقت شركة ” Alliance” الكازاخستانية الأوزبكية للتجارة والصناعة معمل النسيج في مدينة شيمكنت ،
وهناك تنفذ شركة DentafillPlyus الأوزبكية مشروع لـ إنشاء منشأة للإنتاج الطبي، ، في تركستان يتم إنتاج الآلات الزراعية وإنتاج المنسوجات ، ويتم إنشاء مجموعة البستنة في المنطقة الصحراوية على أساس تقنيات الري الأوزبكية.
ثانياً : في نتائج المباحثات بين زعيمي أوزبكستان وقيرغيزستان تم التوصل إلى اتفاق حول توسيع التعاون بين البلدين في مجال التعاون الصناعي ، ويحتوي هذا الاتفاق على تنفيذ 60 مشروعا تزيد قيمتها على 550 مليون دولار.
ثالثا : في طاجيكستان تم تسجيل 51 شركة برأسمال أوزبكي في مختلف المجالات بما في ذلك شركة مشتركة ” Artel Avesto Electronics” لإنتاج سخانات المياه والمكانس الكهربائية والغسالات وأجهزة التلفزيون.
كما تم إنشاء مشروع مشترك TALCO UZAVTO TRAK بين شركة UzAuto Trailer LLC وشركة Alumin Sothmon التابعة للدولة لتنظيم تجميع هيئات التفريغ مع تجميع إضافي للمركبات في مصانع الإنتاج لشركة TALCO .
رابعاً : تتكثف العلاقات مع تركمانستان في المجال الإقتصادي. تعمل 157 شركة بمشاركة الجانب التركماني في أوزبكستان بما في ذلك 65 شركة مشتركة و 92 مشروعًا ب 100% من رأس مال تركماني. المجالات الرئيسية للنشاط: التجارة والخدمات وصناعة النسيج وإنتاج مواد الواجهة والأثاث.
تعمل في تركمانستان شركة توزيع “Turkmen-UzAVTO” ومؤسسوها شركة المساهمة “Uzavtosanoat” بـ 51 بالمائة ومركز التجارة الحكومي لتركمانستان بـ 49 بالمائة في رأس المال.
مما يلبي مصالح دول المنطقة إنشاء ممرات نقل دولية وبنية تحتية للنقل الدولي التي من شأنها تقليل تكاليف النقل عند توريد منتجات التصدير إلى الأسواق العالمية. قد يكون بناء خط السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان من أحد هذه المشاريع التي تقدم إمكانية فتح أسواقًا جديدة للمنتجات ونقل البضائع من الصين إلى دول أوروبا الشرقية والشرق الأوسط عبر قيرغيزستان وأوزبكستان،
فضلاً عن توفير الوصول إلى الموانئ الدولية للدول المحبوسة جغرافيًا في آسيا الوسطى.
التنفيذ العملي السريع لاتفاقية عشق أباد بشأن تشكيل ممر النقل والمواصلات الدولي “أوزبكستان – تركمانستان – إيران – عمان” يلبي المصالح الاستراتيجية لدولنا.
وأحد العوامل القوية في تعزيز التعاون الإقليمي هو تنفيذ الشكل الجديد للإجتماعات التشاورية لرؤساء دول آسيا الوسطى ، الذي بادره رئيس أوزبكستان في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة (في سبتمبر عام 2017).
وخلال إجتماعين ناجحين (في مارس 2018 في أستانا ونوفمبر 2019 في طشقند) بحثت الدول قضايا إزالة الحواجز التجارية وتعزيز التعاون الصناعي وتوسيع العاون في تأمين الأمن والاستقرار الإقليمي.
ينبغي أن يؤدي عقد الإجتماع التشاوري الثالث هذا العام إلى زيادة توسيع التعاون الإقليمي والمساهمة في تطوير أجندة تعاون جديدة.
إن إعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار “تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتأمين السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في منطقة آسيا الوسطى” (يونيو 2018) الذي وضعته طشقند بمشاركة دول آسيا الوسطى يمكن يعتبر نجاحا للدبلوماسية الأوزبكية نحو آسيا الوسطى.
إن إعتماد هذه الوثيقة مهم في أن تكون آسيا الوسطى بصفة منطقة موحدة وقادرة على حل المشاكل المشتركة بمساعي مشتركة.
وقد أظهرت الجائحة نقاط ضعف البلدان أمام جميع أنواع “الإغلاقات” وإغلاق الحدود والاتصالات بين البلدان.
لكن في الوقت نفسه ساعد توشي فيروس كورونا، إلى جانب العديد من العوامل السلبية ، في إظهار استعداد الدول لتقديم كل المساعدة الممكنة لبعضها البعض.
بينما شهد العالم زيادة في الإجراءات التقييدية والحمائية أظهرت دول المنطقة مستوى عالٍ من التعاون والتضامن والدعم المتبادل.
منذ الأيام الأولى لتفشي فيروس كورونا تضافرت جهود دول المنطقة لمنع انتشار العدوى من خلال التعاون الفعال في تبادل المعلومات في مجال الصحة وتنسيق أعمالها في مجال النقل والأمن الغذائي وعبور الحدود.
دليل واضح آخر على حدوث التقدم في الدبلوماسية الأوزبكية نحو آسيا الوسطى هو الإفتتاح ، بمبادرة من قيادة أوزبكستان ، المعهد الدولي لآسيا الوسطى في عام 2020 في طشقند ،
والذي تم تأسيسه لدراسة العمليات الإيجابية الجارية في المنطقة وتطوير مشاريع إقليمية جديدة واعدة لتعزيز التعاون متبادل المنفعة.
يمكن أيضًا مشاهدة التركيز في آسيا الوسطى في الدبلوماسية الأوزبكية في مثال عقد عدد من المؤتمرات الدولية الكبيرة في فترة زمنية قصيرة نسبيًا التي تهدف إلى توسيع التعاون الإقليمي: مثل مؤتمر “آسيا المركزية هي الأولوية الرئيسية لسياسة أوزبكستان الخارجية” (أغسطس 2017) )
ومؤتمر “آسيا الوسطى : تاريخ مشترك ومستقبل مشترك، التعاون من أجل التنمية المستدامة والازدهار المتبادل” (نوفمبر 2017) ومؤتمر “التعاون في آسيا الوسطى: التحديات والفرص الجديدة” (فبراير 2019).
وفي العام الجاري من المخطط إجراء لأحداث دولية جديدة في طشقند وخوارزم: مثل مؤتمر “تعاون منطقة أسيا المركزية مع جنوب آسيا” ومؤتمر “آسيا المركزية على مفترق طرق حضارات العالم”
في الوقت الحاضر يتم إعداد وثيقة خماسية بين دول المنطقة حول الصداقة وحسن الجوار والتعاون من أجل تنمية آسيا المركزية في القرن الحادي والعشرين.
ويشهد هذا على أن المناخ السياسي يتغير جذريًا ، وأن جو الثقة السياسية والنظام العام للتعاون الإقليمي يتحسن.
يقوم العديد من الخبراء المعروفين في مجال العلاقات الدولية بتقييم إيجابي للسياسة الخارجية التي تتبعها السلطات الأوزبكية.
على وجه العموم يمكننا أن نستنتج أن تفعيل المسار الإقليمي لأوزبكستان يعكس المسار البراغماتي للقيادة الحالية للبلاد ويظهر الرغبة في تهيئة الظروف لتشكيل صورة جديدة لآسيا الوسطى المسالمة والخالية من النزاعات.
في ظروق الأزمة العالمية على خلفية جائحة وصعوبات إقتصادية من المهم وضع أساس سياسي متين لتحسين التعاون الإقليمي وزيادة رفاهية سكان المنطقة ومن أجل تنفيذ المشاريع الإقتصادية والنقل والعبور داخل المنطقة وخارجها.
بالطبع ، لا يزال أمام بلدان آسيا المركزية طريق طويل لتشكيل منطقة واحدة لكن الخطوات العملية القوية في هذا الإتجاه تعطي أسبابًا قوية للإعتقاد بتنفيذها غير المشروط.