إيران واستثمار الروح الثورية في حرب الكورونا
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
من الجوانب الإيجابية في النظام الإيراني الحاكم هو حسن استثماره للروح الثورية التي أوجدتها الثورة الإسلامية التي استمرت أكثر من سبع عشرة سنة، ومن يتابع الإجراءات والسياسات التي اتخذها النظام الإيراني في التعامل مع أزمة الكرونا، ومن قبلها السيول والزلازل، فضلا عن أزمة العقوبات الاقتصادية، يتأكد من صحة هذا الاستنتاج، لقد اعترفت مراكز البحوث الأمريكية بأن الأرقام تشير إلى أن إيران قد واجهت الكرونا بأفضل مما فعلت الدول الغربية، سواء فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا أو بريطانيا أو سويسرا. وأشارت الصفحة إلى تجهيزات التحليل التشخيصي، وتجهيزات الأدوية والمواد الطبية، واتخاذ الإجراءات من أجل تأمين احتياجات الأزمة رغم العقوبات الدولية.(صفحة كاوتنتربوننتش الأمريكية في ١٤/٥/٢٠٢٠م)
لقد كانت الروح الثورية التي جعلت النظام يؤسس جيش حراس الثورة والبسيج ولا يفرط فيهما، هي نفسها التي أحسنت استغلالهما في مواجهة أزمات السيول والزلازل، والعقوبات الاقتصادية، ثم الكرونا الآن، وذلك فضلا عن الروح الثورية التي استثمرها النظام في المجتمع المدني، والتي خلقت أفضل صورة من صور التكافل الاجتماعي، فكانت مواجهة الكرونا تمثل نوعا من الاشتباك المباشر في حرب معها، استثمرت في هذه الحرب كل الطاقات التي شاركت في نجاح الثورة الإسلامية، وقلب نظام الحكم السابق.
فضلا عن ذلك فقد استثمر النظام الحاكم التقنية التي توصل إليها جيش حراس الثورة في صناعة أجهزة تشخيص سريعة، وأجهزة مراقبة صحية عريضة ودقيقة، ولم يكتف باستخدام هذه الأجهزة فحسب، بل صدرها إلى ألمانيا والبرازيل وأكوادور وأسبانيا وتركيا.
إن أفضل المظاهر التي تجلت فيها الروح الثورية هو تلاحم كل القوى الرسمية والشعبية تحت علم اللجنة الوطنية لمحاربة الكرونا، ومن خلالها كان التنسيق في العمل، والأهم من ذلك أن الحكومة لم تحتج التنبيه الإعلامي المتكرر والمكثف حول إجراءات السلامة.
كان من نتيجة الروح الثورية أن كثيرا من المساجد والمدارس قد بدأ العمل وسط إجراءات السلامة الضرورية، مع تقسيم المناطق إلى أبيض وأصفر وأحمر. لقد قبل المواطنون بروح ثورية أن يدفعوا ١٠٪ فقط من تكلفة العلاج، فيما تتحمل الدولة باقي التكلفة في كل المستشفيات العامة والخاصة، مع إعفاء غير القادرين على دفع هذا المبلغ، ودون انتظار أو مساومة.
ورغم أن أزمة كرونا قد ضاعفت من المشكلة الاقتصادية في إيران، إلا أن الروح الثورية ساهمت في حسن التعامل مع هذه المشكلات الاقتصادية. يقول الدكتور تقي آزاد أرمكي أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران: سوف نشهد بعد انتهاء أزمة كرونا تغيرات في السياسات القائمة على الأماني القومية إلى سياسات تنطلق من الاهتمام بالحياة الاجتماعية والاقتصادية للجماهير، وسوف يتحول الخطاب فينزوي بعضه إلى الحاشية، ويخرج البعض الآخر إلى المتن، وسوف تتحول الإدارة السياسية إلى إدارة اجتماعية تخصصية، من خلال نفس الأيديولوجية العقائدية. فقد أصبحت أزمة الكرونا هي الفاصل الذي يصنع مصير الشعب.(صحيفة عصر ايران في ٧/٤/٢٠٢٠م)
إن الموقف في إيران الآن يذكرني بموقف مصر أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣م، والوحدة الوطنية الحقيقية والروح الثورية العامة التي لا أشعر بها الآن.