الصناعات الإسلامية: الفن.. والوظيفة.. والأبعاد..
بقلم / المنشاوي الورداني
قد خلق الله السماء والأرض بحكمته العظيمة ليتمكن الناس من إنجاز الأعمال وليستمتعوا بما فيهما من آيات الجمال. (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) (الدخان 38) وهكذا صنع الله الذي أتقن كل شيء في كل شيء، فالناظر إلى السماء يرى أنها تسقط المطر لينتفع الزارعون كما يرى فيها زينة للناظرين، ومن يدخل إلى الحدائق يراها ذات ثمر ليهنأ الآكلون وكذلك هي ذات بهجة للناظرين.
وعلى هذا النسق استلهم الفنان المسلم جماليات صناعاته المختلفة عندما علم أن مفهوم الجمال والزينة لا ينفصل عن تحقيق جوانب النفع والوظيفة في خلق الله للكون، بتفاصيله وكائناته التي لا حصر لها.
وإذا كان الفن التشكيلي الغربي من أجل الفن للفن.. فإن الفن الإسلامي متوازن في أهدافه التي تنشد الأعمال والجمال في آن واحد: بمعنى أن الجمال والزينة يرتبطان بالمنفعة المادية والجوانب الوظيفية، ويؤكد هذا المفهوم قول الله تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (النحل 5 – 8).
كما يؤكده قوله تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل 60). حيث كان التوازن الإلهي في تلك الحدائق في كونها ذات ثمار وظلال وكلها تحقق البهجة الفريدة على ظهر هذه البسيطة.
إن الجمال المرتبط بالوظيفة أقوى ما يكون في الوجود، فالمشهد اليومي للأنعام جيئة وذهاباً في الراحة والإراحة، يوجه نظر الإنسان إلى شكل ملموس محسوس لديه ليتأمل هذه الظاهرة المادية الماثلة أمامه ليعرف المعنى المتوازن للجمال.
من هنا كانت شخصية الفنان المسلم في صناعاته وزخرفاته، حيث بلور في صناعاته هدف الوظيفة المرتبط بالجمال وإن اتسمت بأساليب خاصة به وميزته عن أي فنان سواه باستخدام أساليب النظم والتكرار والإبهار. ألم تلتفت مرة -أيها القارئ الكريم- إلى خلايا النحل لترى هذا الارتباط المبهر بين الجمال والوظيفة.. أليست أمم النحل كلها تعمل أشكالاً سداسية واحدة من الشمع مادة لبيوتها بهذا النمط، بهذه الأشكال والمساحات واللون والمادة، من أين تعلمت ذلك..؟!
هذا الشكل السداسي الذي يعطي أكبر انتشار للعدد في مساحات أقل، كان استخدامه لها سداسياً في شتى بقاع الدنيا، لم تشذ واحدة عن هذه الأشكال، أليس هذا تكراراً فطرياً فطر الله سبحانه وتعالى عليه هذا النحل؟ فتبين لنا بذلك أهمية هذه الخلايا في تحقيق وظيفتها وتحقق فيها عنصر الجمال بأشكالها السداسية المتكررة البديعة.
هذا التكرار الذي يحقق الإبهار.. نفذه الفنان المسلم في المعمار والصناعات، وأقرب الأمثلة في ذلك تلك الأعمدة في الجوامع والبنايات تحمل ما فوقها من أعتاب وعقود وهي ذات قيمة وظيفية بحتة تتطلبها ظروف الإنشاء. والأجمل أن يكون لكل شكل وظيفي قيمة جمالية، حيث يرتبط المعنى بالمبنى والشكل بالمضمون والموضوع، فيحقق تكرار الأعمدة والأقبية والعقود معاني الجدة والجدية والحيوية، فبدلاً من أن توضع تلك العقود فوق حجارة صماء بلهاء تؤذي العين وتؤدي الغرض، فلقد جعل منها منظومة تكرارية فيها الرقة والعذوبة.
وقارن بين هذا الجمال وتلك البنايات القبيحة في العصر الحديث التي ليست إلا علباً من الكبريت فيها الإثارة والعبث!
لذلك فإن جميع الفنون والصناعات في (دار الإسلام) تتكلم نفس اللغة في الشكل والمضمون، ومثال ذلك أن المقارنة بين أعمال الخزف في مراكز مختلفة شديدة التباعد مثل مصر وبلاد الشام وإيران، أو منطقة جنوب الفولجا أو في منازل القطيع الذهبي في مناطق القرجيز في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، تثبت لنا هذه النقطة بغاية الوضوح. بل إنه بعد نصف قرن من البحث الدولي المركز، لا يزال مستحيلاً في كثير من الأحيان التعرف على الاختلافات الإقليمية، بل إن أحداً لا يستطيع أن يعين البلد الذي كتبت فيه المصاحف الكثيرة المزينة بالزخارف حتى عام 390هـ / 1000م، أو يميز بين قطع الزجاج المشكلة في هيئة فصوص في نفس الفترة، أو يفرق بين المنسوجات الحريرية التي صنعت في هذين البلدين خلال القرنين السابع والثامن للهجرة/ الثالث عشر للميلاد.
وهناك مثال آخر يؤيد هذه النقطة، هو أن عدداً من المخطوطات المزدانة بالتصاوير الفارسية التي تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، تنسب الآن إلى الهند الإسلامية، لا لأنها تحمل ملامح هندية واضحة، بل لأن العلماء لم يستطيعوا حتى الآن أن يحددوا موضعاً معيناً من ايران يمكن أن تكون قد صنعت فيه.
وهذا يوضح بصورة مؤكدة وجود صناعة يدوية عريقة استلهمت من مصدر واحد، تستعمل في الإنتاج الفني أساليب متشابهة، نفترض أنها كانت موجودة في كل حرفة على وجه التقريب في العالم الإسلامي.
كما نلاحظ أن الشخصية الإسلامية ظاهرة في الفنون والصناعات إلى درجة أنها تتجلى حتى بعد أن تكون المنطقة التي صنعت فيها، مثل الأندلس أو صقلية، قد عادت إلى السيطرة المسيحية، بحيث تغير الاتجاه الفني في المنطقة المذكورة تغييراً كاملاً.
وهكذا يتضح أن الإسلام كان له أثر قوي جداً، بل كانت له قوة حيوية انعكست على جميع الفنون التي نشأت في عالم الإسلام.
ويبدو من المعقول، أن نستنتج أن العنصر الإسلامي الحاسم، أي السمة التي كانت لها فتنة جمالية بعيدة الأثر على الناظرين من داخل العالم الإسلامي أو من خارجه، ربما كان عاملاً مميزاً مشتركاً يوجد في كل الفنون التي شهدتها تلك المنطقة الإسلامية الواسعة.
ولكن هذا لا يمنع وجود اتجاهات مغايرة تظهر فيها أحياناً الزخارف ذات النهايات دون تكرار، وزخارف على المصنوعات غنية بالحركة، وثابتة كل الثبات. وإذا كان من سمات الفن الإسلامي استعمال المواد البسيطة كالطفل والزجاج والنحاس والبرونز والصوف والقطن،
فإن المسلمين استعملوا في فنهم كذلك وعلى نطاق واسع معادن نفيسة، وأحجاراً شبه كريمة، والرخام والعاج والحرير.
ولكن الاتجاه الذي يتوافر بحق في كل أعمال الفن الإسلامي هو التناسق العام والتوازن القائم بين الأجزاء وكمال التكوين الفني كله.
وقد وصف الإمام الغزالي طبيعة هذه الناحية وصفاً جيداً نحو سنة 500هـ / 1106م في كتابه (كيمياء السعادة) حيث قال: (كل شيء، فجماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به الممكن له، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال..).
ولهذا فإن الفنان المسلم -مثلاً- حين كان يزين صندوقاً بسيطاً من الخشب ليضم أدوات الكتابة، كان يزينها بقطع العاج والصدف والخشب الملون حتى تصير المادة الخشبية الأصلية غير مهمة في ذاتها بل غير معروفة، فلا يُعرف هل هو خشب البلوط أو الساج أو الماهوجني، ونفس هذا الكلام يصدق على القصور العظيمة التي تختفي فيها مواد البناء الأصلية بما يجعل الجمال غير مرتبط بالقيمة المادية، وهذا هو جوهر الفكرة الإسلامية البسيطة والزاهدة في القيمة المادية، وبما يجعل الجمال في حدّ ذاته قادراً على إضفاء روعته على أبسط الأشياء وأقلها قيمة مادية، وكل هذا يعطي للجمال أولاً القيمة الأولى والكبرى في وجدان الإنسان.
إن هذه النظرة التي تعبر عن فلسفة الإسلام الفنية هي بحدّ ذاتها إسهام يجب الوقوف أمامه طويلاً، ورصد تأثيراته العميقة في تشكيل الوجدان الإسلامي والرؤية الإنسانية للكون والحياة والطبيعة والإله.
ويتضح من هذا العرض السريع لجملة من الصناعات كيف كان الجمال عنصراً أساسياً في المصنوعات الإسلامية مهما قلّ شأنها.
لقد تطورت الصناعات الإسلامية وبلغت شأواً بديعاً مع الانتشار الحضاري للدولة الإسلامية، حتى أن (لوبون) الذي يبدو مشدوهاً وهو يرصد الفن الإسلامي يتحدث عن الصياغة والحليّ والترصيع فيقول: (بلغ إتقانهم لبعضها مبلغاً يصعب الوصول إلى مثله في زماننا).
لقد تحولت سائر المصنوعات الإسلامية إلى تحف فنية، السيوف والدروع والرماح والحراب والخناجر والخوذات واسطوانات نقل الرسائل، وأثاث البيت من مقاعد ومناضد وصناديق الحليّ، وصناديق حفظ الأشياء المختلفة، وأطباق الطعام والأباريق والأكواب والصواني والدويات، والأبواب والنوافذ، والأثواب والمنسوجات والمفروشات، وأسرجة الدواب ومصابيح المساجد، والمنابر وشمعدانات الشموع، وكِفاف الميزان، والمفاتيح والقفول وحِلق الأبواب والفئوس، وأدوات الكتابة والأدوات الطبية حتى الأرجيلة..
هذا كله إلى جانب المصنوعات التي تُعدّ الزينة فيها عنصراً أساسياً كالأقراط والعقود والخواتم وفصوص العمائم والخلاخيل، وإلى غير ذلك من أدوات الزينة.
ويشهد (ول ديورانت) بأن استيعاب العرب لفنون من قبلهم كان استيعاباً وليس تقليداً، أنتجوا به الجديد والأصيل، يقول: (بل كانت تركيباً بارعاً من أشكال مختلفة لا ينقص من شأنها ما أخذه المسلمون عن غيرهم من الأمم. وتخطى الفن الإسلامي الذي انتشر من قصر الحمراء في الأندلس إلى التاج محل في الهند كلّ حدود الزمان والمكان، وكان يسخر من التمييز بين العناصر والأجناس، وأنتج طرازاً فذاً ولكنه متعدد الأنواع، وعبّر عن الروح الإنسانية بأناقة موفورة فيّاضة لم يفُقْها شيء من نوعها حتى ذلك الوقت).
هذا وقد عمل العرب على تنمية وتطوير الصناعات النسيجية التي كانت موجودة في مصر والعراق كما انتقلت هذه الصناعات إلى المدن الإسلامية إلى درجة المنافسة، فالنسيج الحريري العتابي الذي كان يُصنع في محلة العتابية بغرب بغداد، لم يلبث أن انتقلت صناعته إلى مصر والأندلس بنفس الاسم. والأثواب الديبقية المصرية الموشاة بالحرير والذهب والتي كانت تُصنع في بلدة ديبق قرب دمياط، لم تلبث هي الأخرى أن صارت تُصنع في العراق وفارس بنفس الاسم أيضاً.
والمقاطع الكتّانية الرقيقة التي كانت تُصنع في الإسكندرية، صار الصُنّاع في البلدان المختلفة يقلدونها ويبيعونها على أنها من الإسكندرية. والمنسوجات التي اشتهرت أصلاً بأصبهان وجرجان في إيران، لم تلبث أن صارت تُصنع في الأندلس وغيرها باسم الأصبهاني والجرجاني أيضاً.
والقماش المعروف باسم بوقلمون الذي كان يُصنع في مدينة تنيس بجوار دمياط، صار يُصنع أيضاً في مدينة شنترين Santaren في غرب الأندلس.
كذلك شُبهت مدينة كازورون الإيرانية بمدينة دمياط المصرية في صنع الثياب الكتانية حتى صارت تُسمى (دمياط العجم)، ما يدل على وجود صلة بين الصناعتين في مصر وفارس.
هذا بالإضافة إلى إلى أقمشة السقلاطون Eskerlat الحريرية الوردية التي اشتهرت في الأصل ببلاد اليونان ثم انتشرت صناعتها في المدن الإسلامية شرقاً وغرباً.
وهذا التشابه في الإنتاج إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسلام كان عامل توحيد فني وصناعي إلى جانب كونه عامل توحيد ديني وثقافي بين بلدان العالم الإسلامي.
وكيفما كان الأمر، فإنه يكفي العرب فخراً أنه عن طريقهم عرفت أوروبا نباتاً هاماً كالقطن، وأبقت على اسمه العربي في لغاتها.
ولقد ظهر الجمال والإبداع في صناعة المنسوجات حيث اشتهرت الأندلس بصناعة المنسوجات الكتانية البديعة الغالية التي لا يُفرق بينها وبين الكاغد (الورق) الجيد الصقل في الرقة والبياض، وقد اشتهرت كل من سرقسطة Zaragoza ولاردة Lerida وباجة Beja بصناعة الكتان في الأندلس.
ويشير المقدسي إلى أن الكتان كان يزرع بالعراق وتصنع منه الملابس الكتانية الرقيقة المطرزة والبسيطة ولاسيما في الأبلة والبصرة.
وكذلك انتشرت صناعته في إقليم أذربيجان بإيران. أما في أقصى المشرق الإسلامي، في بلاد ما وراء النهر (جيحون)، فكان يندر وجود الكتان، حتى يحكى أن إسماعيل الساماني أمير بخارى، أهدى لكل قائد من جيشه ثوباً من الكتان كهدية قيمة نادرة.
وإلى سمنان بجبال طب سنان حيث نرى إبداعاً وجمالاً في صنع المناديل المنقوشة والسبنيات العجيبة الصنعة التي كانت تباع السبنية منها بمئتي دينار في ذلك الوقت (القرن الرابع الهجري).
ولا ننسى الشام حيث تميزت الثياب الحريرية الموشّاة الثمينة (البروكار) Brocart، ونُسب إلى دمشق نوع مشهور منها حمل اسمها في العالم الغربي وهو الدماسك، كذلك اشتهرت العراق بإنتاج الحرير أيضاً، فصنعت بغداد الثياب العتابية، وصنعت الموصل أقمشة من الحرير الموشّى عُرف باسمها في أوروبا Muslin، كما صنعت الكوفة عمائم من الخز، وأغطية للرأس والرقبة سُميت باسمها حتى اليوم (الكوفية).
كما كانت الإسكندرية من أهم مراكز صناعة الحرير، واشتُهرت بصناعة الوشي والسقلاطون والمنمر (المخطط كجلد النمر)، والطردوحش والأطلس.
وكانت مدينة المرية Almeria الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، من أهم مراكز صناعة المنسوجات الحريرية في الأندلس.
ويقال إنه كان يوجد بها نحو ثمان مئة حرفة في نسج الحرير، كما يُقدّر عدد الأنوال فيها بنحو 5800 نول. ومن أمثلة منسوجاتها: الديباج الموشّى، والسقلاطون، والأصبهاني، والجرجاني، والعنابي المموج، والثياب المعينة أي التي تزدان بنقط صغيرة تشبه عيون الوحش أو بزخرفة هندسية على هيئة العين.
أما صناعة الأنسجة الصوفية فقد برع فيها المسلمون والعرب أيما براعة، حيث انتشرت في العديد من المدن الإسلامية، ولكن منتجات فارس وأرمينية وبخارى، حظيت بشهرة عالمية لجودة الصوف فيها. ونخص بالذكر منها سجاجيد أصبهان، والبسط الأرمينية القرمزية التي تجلب بلونها الأحمر الفرح والسرور.
ويُروى أنه كان لأم الخليفة العباسي المستعين، بساط عليه صورة كل حيوان من جميع الأجناس، وصورة كل طائر من ذهب، وأعينها يواقيت وجواهر، وكان لليمن شهرة كبيرة في صناعة المنسوجات الصوفية، ففي عدن كانت تُصنع الحبرات، ومفردها حبرة، وهي ضرب من الثياب الصوفية الموشاة أو المخططة.
لقد كانت هذه الصناعات شديدة الارتباط بالإنسان ملبية لمتطلبات حياته ومعبرة في الوقت نفسه عن مشاعر الفنان، وتذوقه للجمال وقدرته على التعبير الصادق عن أصالته الفنية، لذلك تسمو هذه الصناعات فوق كونها مجرد صناعة إلى نوع فريد من الفن أجمع عليه المبهورون بكينونته بأن هذا هو الفن الإسلامي الرفيع.
ونعود لنؤكد إن وظيفة الفن الإسلامي قد تجلّت في ثنائية روحية جمالية من جهة، وحسِّية نفعية من جهة أخرى: السجاد والخزفيات والخشبيات والنحاسيات والمخطوطات، وما إلى ذلك من صناعات أو أعمال فنية، يتجلى فيها الفن الإسلامي بكل خصوصياته وصفاته الكبرى، هذه الأعمال أدت وظيفة نفعية حيّة، فصار الإبريق وعاء ماء عذب، والخشب المحفور باباً ونافذة وصندوقاً وكرسياً، وصار الحرير والقطن المنسوج الملون قميصاً وجبّة وعمامة، وصار الخط عنواناً للكتاب..
لقد توظف الفن في الحياة اليومية وفي الحياة الحسية، كوسائل وأدوات تلبي الحاجات الاجتماعية والحياتية اليومية، في أدق تفاصيلها.
وكان من الممكن أن تسمى هذه الأعمال أدوات وآلات وحسب، وتُستبدل كلمة (فن) بكلمة (صناعة).. لولا أن هذه السجادة وهذا الإبريق، وتلك الحُلّة، كانت في الوقت نفسه صفحة لفن محكم النظام، متناسق الصفات والخصائص، يوحّده جوهر واحد ورؤية واحدة وفلسفة واحدة..
فليست السجادة صوفاً معقوداً فقط، بل هي رسم وشكل ولون وهندسة ونظام ونِسب، وخط ورمز، وليس صحن النحاس معدناً أصفر أو أحمر، بل هو تخطيط وحفر وتكفيت وكلام ورمز أيضاً.